اخبار الإقليم والعالم
رسوم ترامب هدية للصين.. واشنطن تخسر الحرب التجارية
وزّع البيت الأبيض بياناً يشيد فيه بسياسات الرئيس دونالد ترامب الاقتصادية، زاعماً أنه "أطلق العنان للازدهار الاقتصادي" من خلال فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على عشرات من شركاء التجارة الأمريكيين.
لن تتردد بكين في استغلال الموقف لتعزيز طموحاتها الإقليمية
ووصفت الإدارة الأمريكية هذه الرسوم بأنها "خطة جريئة لتحقيق التجارة المتكافئة"، مشددة على أن الهدف منها هو ضمان العدالة في التبادل التجاري و"عكس مسار عقود من العولمة التي أضعفت قاعدتنا الصناعية".
الآثار السلبية للتعريفات الجمركية
غير أن النتائج الفعلية على المدى القصير تظهر صورة قاتمة، وفق تريفور فيلسيث، مدير تحرير مجلة "ناشيونال إنترست"، في مقاله بموقع المجلة الأمريكية، ففي يومين فقط من التداول في الأسواق المالية، فقد مؤشر S&P 500 نحو عُشر قيمته، وتبخّر ما يقدّر بخمسة تريليونات دولار من الثروات. ويبدو أن الأسواق لم تبلغ القاع بعد، إذ يحتمل استمرار الانخفاض في الأيام المقبلة.
لكن تأثيرات هذه السياسة الحمائية لا تقتصر على الداخل الأمريكي، يضيف الكاتب، إذ بدأ بقية العالم بالرد، وغالباً بطرق لا تخدم المصالح الأمريكية، فمع تصاعد التهديدات الجمركية، هدّد العديد من الشركاء التجاريين التقليديين للولايات المتحدة بفرض إجراءات انتقامية مقابلة، الأمر الذي ينذر بإبطاء عجلة التجارة العالمية، ويسفر عن أضرار مزدوجة لكلا الطرفين.
والأخطر من ذلك، برأي الكاتب، أن هذه الدول بدأت تتحول إلى دول أخرى لبناء سلاسل إمداد بديلة، ما يعني استبعاد الولايات المتحدة - رغم كونها أكبر مستورد في العالم - من منظومة التجارة الدولية.
قال مدير المجلس الاقتصادي القومي الأمريكي كيفن هاسيت لشبكة (إيه.بي.سي نيوز)، اليوم الأحد، إن أكثر من 50 دولة تواصلت مع البيت الأبيض لبدء مفاوضات تجارية.
فعلى سبيل المثال، تعهّدت كندا، التي لطالما اعتمدت على السوق الأمريكي، بالرد، وأرسلت وفوداً إلى الاتحاد الأوروبي لاستكشاف شراكات تجارية بديلة.
أما دول جنوب شرق آسيا، وبعد أن وجدت نفسها أمام رسوم جمركية أمريكية مبدئية، فقد اتجهت إلى تعزيز التجارة البينية فيما بينها. ويجري سيناريو مشابه في أمريكا اللاتينية والمكسيك، التي لم تطلها بعد ضربات ترامب الجمركية بشكل مباشر.
ومع ذلك، فإن الرد الأكثر إثارة جاء من اليابان وكوريا الجنوبية، وهما من أقدم حلفاء أمريكا وأكثرهم موثوقية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. إذ تشير التقارير إلى أن ممثلي هذين البلدين، واللذين يواجهان رسوماً جمركية تقارب 25%، التقوا نظراءهم الصينيين خلال اجتماع اقتصادي كان مقرراً مسبقاً، وناقشوا – بحسب مصادر صينية – مقاربة مشتركة لمواجهة الرسوم الأمريكية.
وبينما نفت اليابان هذه الرواية، ووصف بيان كوري جنوبي التقرير بـ"المبالغ فيه"، فإن مجرّد احتمال انعقاد مثل هذا اللقاء يعدّ تطوراً غير مسبوق. وإذا ما صحّت هذه التقارير، فإن ذلك يشير إلى تقارب سياسي محتمل بين سيؤول وطوكيو من جهة، وبكين من جهة أخرى، وهو أمر كان يعد مستحيلاً قبل فترة ولاية ترامب الثانية.
الصين المستفيد الأكبر
أما الصين، فتبدو سعيدة بتطورات الأحداث، فرغم أنها كانت هدفاً للرسوم الأمريكية بدورها، وأعلنت نيتها الردّ بالمثل، فإن قيادتها السياسية على قناعة بأن أمريكا تتكبّد ضرراً أكبر.
وكتبت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية الرسمية، المعروفة بانتقاداتها اللاذعة للولايات المتحدة، أن هذه الرسوم ستصيب الاقتصاد الأمريكي في مقتل، مشيدة بالعلاقات الجديدة بين بكين وكل من طوكيو وسيول، ومعتبرة أن فك الارتباط مع أمريكا بات محتوماً.
تحاول دول الاتحاد الأوروبي الرد بشكل موحد في الأيام المقبلة، على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومن المرجح أن تتفق على مجموعة أولى من التدابير المضادة لواردات أمريكية بـ 28 مليار دولار.
وتابع الكاتب "رغم المبالغات الواضحة في تقارير أفول الهيمنة الأمريكية، فإن ردّة الفعل الصينية تسلّط الضوء على جانب آخر من هذه الأزمة. فإذا استمر تدهور الأسواق، ودخل العالم الغربي في ركود اقتصادي، وازدادت العلاقات الأمريكية الخارجية هشاشة، فلن تتردد بكين في استغلال الموقف لتعزيز طموحاتها الإقليمية".
وأشار الكاتب إلى سوابق تاريخية تثبت أن الصين تربط توسيع نفوذها بالضعف الاقتصادي الغربي، كما حصل في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008.
ففي أعقاب تلك الأزمة، غيّرت الصين سياستها الخارجية جذرياً، متخلية عن نهج التحفظ الذي تبنّته منذ عهد دنغ شياو بينغ، والذي ركّز على النمو الاقتصادي وتفادي الصراعات.
ترامب: الرسوم الجمركية "دواء" ترفضه الأسواق العالمية - موقع 24
أبلغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكومات الأجنبية اليوم الإثنين بأنه سيتعين عليها دفع "مبالغ طائلة" لرفع الرسوم الجمركية الشاملة، واصفاً الرسوم بأنها "دواء" ومُثيراً المزيد من الاضطرابات في الأسواق المالية العالمية.
ورأت بكين في تراجع الغرب فرصة لتعزيز نفوذها، فبدأت خطوات أكثر جرأة، أبرزها مطالبتها في 2009 بالسيادة على بحر الصين الجنوبي، واحتلالها شعاب سكاربورو في 2012، وبناء جزر اصطناعية في أرخبيل سبراتلي عام 2013، وإعلان منطقة دفاع جوي فوق جزر سنكاكو المتنازع عليها مع اليابان، ثم فرض "الولاية القضائية الشاملة" على هونغ كونغ عام 2014، مخالفةً بذلك تعهدات دولية.
ومع وصول ترامب إلى السلطة في 2017، واجهت الصين مقاومة أمريكية متزايدة عبر توسيع الوجود العسكري في المحيطين الهندي والهادئ وتفعيل تحالفات مثل "الرباعية". إلا أن سياسات ترامب التجارية الحالية، خصوصاً الرسوم الجمركية، تهدد بتقويض هذا التوازن لصالح الصين.
ويرى الرئيس الصيني شي جين بينغ فرصة مماثلة لتلك التي استغلها قادة الصين في 2008، مدفوعاً برؤية تقوم على "الدورة المزدوجة"، التي تسعى إلى تقوية الاقتصاد المحلي وفك الارتباط بالأسواق الغربية، وهي رؤية تعززها التطورات الأخيرة.
قال رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا اليوم الاثنين إن الحكومة ستواصل مطالبتها للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخفض الرسوم الجمركية على اليابان، لكنه أقر بأن النتائج "لن تتحقق بين عشية وضحاها".
الخطوة العلاجية
ما الذي يجب أن تفعله الولايات المتحدة الآن؟ يتساءل الكاتب ويقول: أولاً، ينبغي أن تُرسل إشارة واضحة لبكين بأن أي عدوان إقليمي جديد – سواء في تايوان أو بحر الصين الجنوبي أو الشرقي – سيقابل بردّ حاسم. وثانياً، يتعين عليها أن تنافس الصين اقتصادياً، لا عبر العزلة، بل عبر الانخراط الفعّال في التجارة العالمية.
فرغم وجاهة فرض بعض الرسوم على واردات معينة لأسباب تتعلق بالأمن القومي، إلا أن فرض رسوم شاملة، بدافع الغضب من العجز التجاري، هو خيار غير حكيم، برأي الكاتب. فحينما تضعف أمريكا، تقوى الصين. ورسوم ترامب، في شكلها الحالي، تضعف الولايات المتحدة في نظر الصين وفي الواقع الفعلي، ويتوجب عليه أن يجد مخرجاً منها.