اخبار الإقليم والعالم
السوريون في الظلام بينما تكافح الحكومة لاستعادة الكهرباء
تكافح الحكومة السورية المؤقتة لإصلاح البنية التحتية المتهالكة للكهرباء بعد صراع دام 14 عاما دمّر معظم أنحاء البلاد بعد أشهر من انتهاء أكثر من نصف قرن من حكم عائلة الأسد على يد انتفاضة خاطفة في ديسمبر الماضي.
ولا يزال نقص حاد في الكهرباء يُثقل كاهل البلاد التي مزقتها الحرب. وتُقدّر الأمم المتحدة أن 90 في المئة من السوريين يعيشون في فقر، وأن الحكومة لم تتمكن من توفير سوى ساعتين تقريبًا من الكهرباء يوميًا.
وتكشف تقارير البنك الدولي والأمم المتحدة عن تكاليف ضخمة لإعادة إعمار سوريا، تتراوح بين 250 و300 مليار دولار، فيما بلغت خسائر قطاع الطاقة نحو 120 مليار دولار، ثلثها تقريبا في قطاع الكهرباء.
والملايين من السوريين، الذين يعيشون أوضاعا معيشية مزرية لا يستطيعون تحمل تكاليف خدمات المولدات الكهربائية الخاصة الباهظة أو تركيب الألواح الشمسية.
وحاولت السلطات الجديدة بقيادة الرئيس المؤقت أحمد الشرع تخفيف أزمة الكهرباء خلال الفترة الماضية، لكنها لم تتمكن من وقف الانقطاعات بحلولٍ مُجزّأة.
وحتى مع اتفاقية الغاز الأخيرة مع قطر والاتفاق مع السلطات التي يقودها الأكراد في شرق البلاد، والتي ستمنحهم حق الوصول إلى حقول النفط السورية، تقضي البلاد معظم أيامها دون كهرباء تقريبًا.
وتُظهر تقارير شحنات النفط القادمة من روسيا، الحليف العسكري والسياسي الرئيسي للأسد، مدى اليأس، الذي لا يزال يطغى على معظم الناس، ويهدد قطاع الأعمال المتعثر بالخمول أكثر.
ومن بين هؤلاء رنا الأحمد التي تفتح ثلاجتها بعد إفطارها مع زوجها وأطفالها الأربعة خلال شهر رمضان المبارك، فباستثناء البيض والبطاطس وبعض الخبز، كانت الثلاجة فارغة لأن الكهرباء لا تصل إلا لساعتين يوميًا.
وقالت الأحمد البالغة من العمر 37 عامًا لوكالة أسوشيتد برس “لا يمكننا ترك طعامنا في الثلاجة لأنه سيفسد.”
ويكافح زوجها، سائق سيارة أجرة، لتغطية نفقاته، لذا لا تستطيع الأسرة تحمل تكلفة تركيب لوح شمسي في شقتهم المكونة من غرفتين في جرمانا على مشارف العاصمة دمشق.
وفي منزل الأحمد، لم تتمكن هي وزوجها إلا من الحصول على بطارية صغيرة تُمكّن من تشغيل بعض المصابيح.
وقالت الأحمد “البطارية التي لدينا صغيرة، وشحنها ينفد بسرعة.” وهذا يكفيها بالكاد أن يجتمع أطفالها في غرفة المعيشة لإنهاء واجباتهم المدرسية.
وليس هذا حال العائلة وحدها. ففي كل مكان في سوريا، من دمشق إلى درعا جنوبًا، يغمر الأحياء ظلام دامس بمجرد غروب الشمس، لا تُضاء إلا من خلال مصابيح الشوارع ومآذن المساجد ومصابيح السيارات.
وجلب سقوط الأسد في ديسمبر الماضي أملًا نادرًا للسوريين. لكن السلطات المؤقتة الجديدة سارعت إلى بسط سيطرتها على البلاد وإقناع الدول الغربية برفع العقوبات الاقتصادية لجعل اقتصادها قابلًا للاستمرار من جديد.
وخفّفت الولايات المتحدة في يناير بعض القيود لمدة ستة أشهر، وسمحت ببعض المعاملات المتعلقة بالطاقة، لكن لا يبدو أن هذا قد أحدث فرقًا ملموسًا على أرض الواقع حتى الآن.
وتواجه واشنطن والحكومات الغربية الأخرى توازنا دقيقا مع السلطات السورية الجديدة، ويبدو أنها حريصة على رفع القيود فقط إذا كان الانتقال السياسي في البلاد التي مزقتها الحرب ديمقراطيا وشاملًا للمجتمع المدني والنساء والمجتمعات المسلمة غير السنية.
ويقول الخبير الاقتصادي السياسي كرم شعّار إن التركيز على محاولة توفير الوقود في ظل غياب التمويل اللازم لإجراء إصلاحات جذرية للبنية التحتية هو أفضل ما يمكن لدمشق فعله نظرًا لخطورة الوضع.
وشدد على أن “الكهرباء حجر الزاوية في الانتعاش الاقتصادي. فدونها لا يمكن أن يكون هناك قطاع إنتاجي، أو أي صناعات ذات قيمة.”
ويستغرق إصلاح محطات الطاقة وحقول النفط المتضررة في سوريا وقتًا، لذا تُسارع دمشق للحصول على أكبر قدر ممكن من الوقود لإنتاج المزيد من الطاقة.
وتتطلع دمشق الآن نحو المحافظات الشمالية الشرقية، حيث من المقرر أن تعزز حقولها النفطية الخاضعة للسلطات التي يقودها الأكراد طاقتها الإنتاجية، خاصة بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار تاريخي معهم.
وصرّح شعّار، الذي زار السلطات الجديدة والتقى بها، بأن 85 في المئة من إنتاج البلاد من النفط يتركز في تلك المناطق، وأن سوريا كانت تُصدّر النفط الخام مقابل النفط المُكرر لتعزيز الإنتاج المحلي، رغم أن الحقول مُتضررةٌ جراء سنوات الصراع.
مليار دولار خسائر قطاع الطاقة، ثلثها تقريبا في قطاع الكهرباء، وفق تقديرات البنك الدولي
وسقطت حقول النفط الحيوية هذه في أيدي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) المتطرف الذي أقام ما يسمى بـ”الخلافة” على مساحات شاسعة من سوريا والعراق بين عامي 2014 و2017.
وقال شعّار لأسوشيتد برس “خلال تلك الفترة، وقع معظم الضرر الذي لحق بالقطاع (النفطي)،” مسلطًا الضوء على الغارات الجوية المكثفة والقتال الذي شنه التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد التنظيم.
وبعد سقوط داعش، سيطرت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة الأكراد المدعومة من الولايات المتحدة، على حقول رئيسية، تاركةً إياها بعيدًا عن الحكومة المركزية في دمشق.
وتأمل السلطات الجديدة في حل هذه المشكلة من خلال اتفاق تاريخي مع قوات سوريا الديمقراطية وُقع في وقت سابق من هذا الشهر.
ويقول كامران عمر، الذي يشرف على إنتاج النفط في حقول رميلان النفطية في مدينة الحسكة شمال شرق البلاد، إن نقص المعدات والإمدادات والاشتباكات المستمرة مع تركيا والقوات المدعومة من تركيا قد أبطأت الإنتاج.
لكن عمر أخبر وكالة أسوشيتد برس أن بعض هذا الإنتاج سيذهب في النهاية إلى المنازل والمصانع في أجزاء أخرى من سوريا.
ولا تنتج الحقول سوى جزء ضئيل ممّا كانت تنتجه سابقًا. يُرسل حقل رميلان 15 ألف برميل فقط من أصل حوالي 100 ألف برميل تُنتجها إلى مناطق أخرى في سوريا لتخفيف بعض العبء عن الدولة.
كما تأمل السلطات في دمشق أن تكون الصفقة الأخيرة مع قطر لتزويدها بالغاز عبر الأردن إلى محطة رئيسية جنوب العاصمة، هي الأولى من بين اتفاقيات أخرى.
ولم تُقرّ السلطات السورية بتقارير عن إرسال روسيا شحنات نفط إلى البلاد. وساعدت موسكو الأسد سابقًا في الصراع ضد جماعة هيئة تحرير الشام الإسلامية المسلحة التي أطاحت بالرئيس السابق، لكن هذا يُظهر استعدادها لتخزين الوقود من أيّ جهة تُقدّم له الدعم.
وأقرّ وزير الكهرباء المؤقت عمر شقروق في مؤتمر صحفي مؤخرا بأن إعادة الكهرباء إلى المنازل السورية على مدار الساعة ليست في الأفق. وقال “ستكون أربع ساعات قريبًا، ولكن ربما أكثر في الأيام المقبلة.”
وستكون زيادة هذا الإمداد أمرًا بالغ الأهمية للبلد المنهك، الذي يأمل في تخفيف المعاناة الاقتصادية عن الملايين من السوريين وتحقيق الهدوء والاستقرار.