تقارير وحوارات
تصاعد الصراع بين الانتقالي الجنوبي ودعاة الحكم الذاتي في حضرموت
اتّخذت الزيارة التي قام عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي إلى محافظة حضرموت بعدا استثنائيا على الرغم من كونها جاءت جزءا من سلسلة زيارات شملت محافظات الجنوب التي يعتبرها المجلس جزءا من دولة الجنوب المستقّلة التي يعمل على تأسيسها.
وجاء ذلك كانعكاس للوضع الاستثنائي للمحافظة ذات الأهمية الكبيرة بفعل ثرائها بالموارد الطبيعية واتساع مساحتها وموقعها الإستراتيجي المنفتح على بحر العرب، والتي جعلتها مختلف تلك المعطيات مدار صراع شرس للسيطرة عليها والظفر بثرواتها.
وأخرجت الزيارة إلى العلن الصراع المكتوم بين المجلس وكل من مؤتمر حضرموت الجامع وحلف قبائل حضرموت الذي تدرج من مجرّد المطالبة ببعض الحقوق والمكاسب لأبناء المحافظة نحو تشكيل سلطة موازية ذات قدرات تنفيذية وصولا إلى المطالبة بالحكم الذاتي.
وانتقد الزبيدي خلال الزيارة مؤتمر حضرموت الجامع الذي يرأسه إلى جانب حلف القبائل عمرو بن حبريش، علانية واتهمه بعدم الاستجابة للحوار، وقال في كلمة له أمام تجمع لأنصار المجلس الانتقالي بمدينة المكلا مركز المحافظة إنّ فريق الحوار التابع للمجلس حاول التواصل مع قيادات المؤتمر لكنهم “رفضوا ولا نعلم إلى أين يتجهون”.
وعرض ضمنا إلى مبالغة حلف قبائل حضرموت في تصعيده باستخدام مطالب أبناء المحافظة مشيرا إلى أن مجلس القيادة الرئاسي شكل لجنة خاصة لمعالجة الأوضاع الاجتماعية والخدمية، قائلا إنّ هناك بالفعل مشكلة قائمة، لكنه تعهد من موقعه في المجلسين الرئاسي والانتقالي بالسعي الجاد لحلها.
كما حذّر رئيس الانتقالي الجنوبي من محاولات إعادة سيطرة العناصر الإرهابية على مدن حضرموت قائلا “لن نسمح بعودة ثلاثمة عنصر من تنظيم القاعدة إلى المكلا أو أي مدينة أخرى في حضرموت”، مشدّدا على رفض أي دعم تقدمه جماعة الحوثي لأي قيادي في المحافظة ومؤكّدا أن هناك تحركات مشبوهة تحاول نقل الصراع إلى حضرموت من خلال ضخ الأموال إلى داخلها وأن المجلس الانتقالي لديه معلومات مؤكدة عن اليد الإيرانية والحوثية في المحافظة وأنّه لن يسكت عن ذلك.
ولوّح الزبيدي لخصوم الانتقالي الجنوبي ومنافسيه في حضرموت بالقوة الجماهيرية للمجلس قائلا إنّ الأخير يتمتع بقاعدة جماهيرية قوية داخل حضرموت تمنحه شرعية التحرك داخلها.
وفيما بدا أنّه تحذير لحلف قبائل حضرموت رفض رئيس الانتقالي الجنوبي أي محاولات لتسليح الميليشيات أو خلق مظاهر مسلحة غير قانونية داخل المحافظة، مؤكدا أن هناك إجراءات سيتم اتخاذها قريبا لضمان استقرار الأوضاع.
وأظهر حلف القبائل توجّها واضحا نحو امتلاك قوة عسكرية خاصة به وقطع مؤخّرا خطوة في ذلك الاتجاه بالإعلان عن تشكيله قوات حماية حضرموت، مبررا ذلك بـ”ما تقتضيه المصلحة العامة وترسيخ الأمن والاستقرار ولمواجهة الإرهاب والجهات التخريبية الشريرة والحفاظ على الوطن وثرواته”.
وتم اختيار اللواء مبارك أحمد العوبثاني قائدا للقوة الجديدة التي تنظر إليها بعض الجهات باعتبارها استكمالا لتمرّد الحلف على السلطة الشرعية، فيما مثّلت بالنسبة للانتقالي الجنوبي تجاوزا لخطّ أحمر باعتبارها تضيف طرفا آخر منافسا لقواته في حضرموت إلى جانب القوات المحسوبة على الشرعية والمسيطرة على بعض مناطق المحافظة والتي يرى المجلس أنّها في الحقيقة قوات تابعة لجماعة الإخوان المسلمين وتُستخدم لبسط سيطرة “الشماليين” على أراضي الجنوب.
كثيرا ما توجّهت الانتقادات صوب السلطة الشرعية اليمنية وحكومتها بسبب سلبيتها إزاء الارتخاء التدريجي لسيطرتها على أجزاء من محافظة حضرموت
وفجرّت تصريحات الزبيدي موجة من ردود الفعل من قبل أعضاء ومقربين من مؤتمر حضرموت الجامع وحلف قبائل حضرموت. وقال عبدالعزيز صالح جابر رئيس الدائرة السياسية بالمؤتمر إنّ الأخير هو “الممثل الشرعي لحضرموت والمظلة الحقيقية لتطلعاتها المشروعة” كونه تأسس بـ”توافق واسع بين مختلف المكونات الحضرمية السياسية والاجتماعية والثقافية والمدنية.”
واعتبر في تصريحات صحفية أورتها مواقع إخبارية محلية أنّ “أي محاولات لتقليص دور مؤتمر حضرموت الجامع أو تجاوزه تعد انتهاكا صارخا لحقوق أبناء حضرموت السياسية والاقتصادية والاجتماعية”، مؤكّدا أن المؤتمر إلى جانب حلف قبائل حضرموت “صامدان على أرضهما وبين أهلهما ولن يسمحا بأي محاولات لطمس دورهما أو المساس بحقهما في الشراكة العادلة والتمثيل الشرعي.”
ورد أكرم نصيب العامري الأمين العام لمؤتمر حضرموت الجامع على تصريحات رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي بشأن مبادرته بالحوار قائلا إنّ “الحوار يمثل قيمة إنسانية وحضارية مرحبا بها لكنه مشروط بتهيئة الظروف والمبادئ التي تضمن نجاحه”، رافضا ما سمّاه “التخوين والتشويه ورمي الاتهامات دون دليل.”
أما الإعلامي صبري بن مخاشن المقرب من حلف قبائل حضرموت فوجّه نقده لقيادة السلطة المحلية في حضرموت ممثلة بالمحافظ مبخوت مبارك بن ماضي الذي اتهمه الإعلامي المذكور بالاستسلام لرئيس الانتقالي وإفساح المجال له لـ”إطلاق الوعيد والتهديد.”
سلبية الشرعية إزاء ما يجري في حضرموت تعود إلى قلّة وسائلها في مواجهة القوى المحلية الناشئة المستندة إلى نفوذ القبائل وقدراتها البشرية والمادية
وفي ردة فعل عاجلة من قبل قيادة مؤتمر حضرموت الجامع دعا رئيس الحلف عمرو بن حبريش العليي “مشائخ القبائل والمناصب والوجهاء والشخصيات الاجتماعية إلى لقاء عاجل عصر يوم الأربعاء في منطقة العليب بالهضبة لمناقشة آخر المستجدات والتطورات على الساحة في حضرموت.”
لكنّ عقد اللقاء أصبح موضع شكّ بعد أن بادرت المملكة العربية السعودية شديدة الاهتمام بالوضع في حضرموت المجاورة لأراضيها والتي يمكن أن تشكّل لها منفذا على بحر العرب، بدعوة بن حبريش إلى زيارتها.
وقالت وسائل إعلام محلية إنّ بن حبريش رئيس حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع غادر الثلاثاء إلى الرياض مصحوبا باللواء مبارك أحمد العوبثاني.
ونشرت مواقع إخبارية محلية صورة للرجلين في مطار سيئون إلى جانب طائرة صغيرة تابعة للقوات الجوية الملكية السعودية.
وأثارت تلك الدعوة أسئلة حول ما إذا كانت تعني انحيازا سعوديا إلى صف مؤتمر حضرموت وحلف القبائل على حساب الانتقالي الجنوبي باعتبار مشروع الأخير لا يتلاءم مع طموحات المملكة في حضرموت، أم أنّها تدخل عاجل من قبل الرياض لوضع حدّ للخلاف ونزع فتيل توتّر متصاعد وصراع جانبي جديد داخل مكونات الشرعية اليمنية بما يتناقض والمساعي السعودية للحفاظ على تماسك السلطة المعترف بها دوليا ووحدتها الداخلية.
وكثيرا ما توجّهت الانتقادات صوب السلطة الشرعية اليمنية وحكومتها بسبب سلبيتها إزاء الارتخاء التدريجي لسيطرتها على أجزاء من محافظة حضرموت جرّاء تزايد نفوذ القبائل وتشكيلها سلطة موازية تنازع الحكومة اختصاصاتها في إدارة الثروات الطبيعية والتحكّم بمواضع إنتاجها ومسالك نقلها إلى وجهات التحويل والتسويق والاستغلال.
ويقول متابعون للشأن اليمني إنّ سلبية الشرعية إزاء ما يجري في حضرموت تعود إلى قلّة وسائلها في مواجهة القوى المحلية الناشئة المستندة إلى نفوذ القبائل وقدراتها البشرية والمادية، وأيضا إلى عدم رغبتها في إثارة المزيد من القلاقل في ظل وضع اقتصادي واجتماعي بالغ التعقيد، بينما يلمّح آخرون إلى سياسة ممنهجة تتبعها الشرعية وتقوم على إفساح المجال لإنشاء المزيد من الكيانات السياسية والاجتماعية والقبلية لمعادلة نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت مستدلّين على هذا الرأي بأن الشرعية بحدّ ذاتها شاركت بشكل مباشر في إنشاء أحد تلك الكيانات متمثّلا بمجلس حضرموت الوطني.