اخبار الإقليم والعالم
أزمة أنبوب النفط من كردستان إلى تركيا تراوغ جميع الأطراف
بدا أن استئناف صادرات النفط من إقليم كردستان العراق سيحدث بعد انقطاع دام قرابة عامين، لكن الأزمة ما تزال مستمرة وتراوغ مختلف التوقعات. وتعزز التفاؤل بعودة ضخ النفط بالتعديلات على قانون الموازنة الاتحادية، التي عرضت تعويضات أعلى للمنتجين، وبددت مخاوف الأكراد بشأن الميزانية وديمومة الرواتب. كما لعبت التهديدات والضغوط المتزايدة من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجديدة دورا في التسريع بالاتفاق.
واستمرت الخلافات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان حول السيطرة على النفط المنتج في الإقليم لسنوات. ففي 2014، اختارت أربيل التصرف بشكل مستقل وبدأت تصدير النفط عبر خط أنابيب إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط. ووقّعت العديد من عقود تقاسم الإنتاج مع شركات النفط العالمية، حيث اعتبرت هذا أكثر ربحية من عقود الخدمات الفنية التي قدمتها الحكومة الاتحادية.
ورفعت بغداد دعوى قضائية دولية ضد أنقرة لتسهيلها الصادرات، وردّت على أربيل بوقف صرف مخصصات الميزانية. وكانت الضربة المالية التي تلقاها إقليم كردستان فورية، وأدت إلى ركود اقتصادي استمر عقدا. لكن القضية المرفوعة ضد تركيا لم تُحسم إلا في 2023 حين كان قرار هيئات التحكيم الدولية لصالح العراق.
ولم يعد أمام تركيا حينها خيار سوى إغلاق خط الأنابيب. وشرعت بغداد في تشديد قبضتها على قطاع النفط في إقليم كردستان، بما في ذلك مراجعة بنود اتفاقيات أربيل مع شركات النفط العالمية. ولا يزال نفط إقليم كردستان يشق طريقه إلى الأسواق العالمية رغم توقف خط الأنابيب، حيث يتم نقله بالشاحنات إلى إيران في ظل غياب آلية مشروعة لتصدير النفط.
وتدعم بغداد وأربيل وشركات النفط العالمية عودة الصادرات عبر خط أنابيب كركوك – جيهان، لكنها لا تزال على خلاف بشأن العديد من المسائل المترابطة، فلكل طرف أولوياته الخاصة رغم أن الأطراف الثلاثة (بغداد وأربيل والشركات المنتجة) يُعربون بحماس عن “استعدادهم” للتوصل إلى اتفاق، بينما لا يبدو أن أيا منهم مستعد له حقا.
وفي 2 فبراير، وافق البرلمان العراقي على تعديل قانون الموازنة الذي رفع قيمة المدفوعات للمنتجين إلى 16 دولارا للبرميل، مقارنة بـ7.90 دولار في القانون الحالي. وتهدف هذه التعديلات إلى تلبية بعض مطالب شركات النفط العالمية، وتسوية خلافات الدفع بين بغداد وأربيل بشأن رواتب القطاع العام.
ولا تستطيع حكومة إقليم كردستان تغطية الرواتب بمفردها، وتتهم الحكومة الاتحادية باستغلال سيطرتها على الميزانية لممارسة الضغط عليها. ويبدو أن التعديل قد حلّ هذا الخلاف، وفتح الباب أمام استئناف صادرات خط الأنابيب ودفع الرواتب. كما تحث إدارة ترامب بغداد على استئناف الصادرات. أولا، تبقى العديد من شركات النفط العالمية مؤسسات مقرها الولايات المتحدة، وتستجيب واشنطن لمخاوفها بشأن خسارة الدخل. ثانيا، أحيت واشنطن إستراتيجية "الضغط الأقصى" على إيران التي تحتفظ بمصالح مالية وتجارية كبيرة في العراق.
وتخشى بغداد من أن ترد واشنطن بسلسلة من العقوبات والإجراءات العقابية بسبب علاقاتها مع طهران. ورفضت الإدارة الأميركية بالفعل تمديد إعفاء يسمح للعراق بشراء الغاز الطبيعي الإيراني اللازم لتوليد الطاقة وتزويد العراقيين بالكهرباء. ويُعدّ استئناف عمليات خط الأنابيب وسيلة محتملة لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لتخفيف بعض هذا الضغط الأميركي.
ويتساءل وينثروب رودجرز في تقرير لموقع عرب دايجست تساؤلا إنكاريا "هل انتهى الجمود مع معالجة مخاوف أربيل وتحفيز بغداد سياسيا؟" ثم يجيب بأن الأمر ليس كذلك تماما. فشركات النفط العالمية ليست مستعدة لاستئناف تصدير النفط عبر خطوط الأنابيب دون تنازلات إضافية من بغداد. وتطالب الشركات بضمانات رسمية بشأن العقود. كما تطالب بتعويض عن الخسائر المالية الكبيرة التي تكبدتها خلال إغلاق خط الأنابيب.
لكن روايتها تتجاهل حقيقة أن توقيع الصفقات مع حكومة إقليم كردستان بدلا من الحكومة الاتحادية كان دائما مخاطرة متوقعة. ومع أن لها الحق في حماية مصالحها، إلا أن هذا السعي يأتي على حساب الآخرين.
◙ شركات النفط العالمية ليست مستعدة لاستئناف تصدير النفط عبر خطوط الأنابيب دون تنازلات إضافية من بغداد، وتطالب الشركات بضمانات رسمية بشأن العقود
وما يبقى واضحا هو أن كل طرف معني مدفوع بمصالح جيوسياسية، وتوازنات القوة النسبية، والنتائج النهائية التي تخدم مصالحه الذاتية. ولا يزال الجمود بشأن استئناف تصدير النفط عبر خطوط الأنابيب قائما منذ حوالي سنتين، ويبدو من غير المرجّح أن يُرضي أيّ حل نهائي بغداد وأربيل وشركات النفط العالمية على حد سواء.
وكان علي شداد المتحدث باسم لجنة النفط والغاز في البرلمان العراقي قد أكد أن “وزارة النفط استكملت كافة الإجراءات لتصدير النفط الخام عبر ميناء جيهان وأبلغت الجانب التركي بإنهاء استعداداتها لاستئناف التصدير وذلك بعد تعديل قانون الموازنة لتصبح كميات النفط المصدرة تتراوح بين 300 ألف إلى 325 ألف برميل يومياً”، مشددا على أن “الوفود التفاوضية قد انتهى دورها أمام مادة قانونية لا تقبل المفاوضة أو الاتفاق.”
وأعلنت ثماني شركات نفطية دولية عدم استئناف التصدير عبر ميناء جيهان التركي رغم تأكيدات سابقة من وزير النفط العراقي حيان عبدالغني عن قرب تفعيل عملية التصدير، مع إمكانية زيادة الصادرات من نفط البصرة عبر هذا المسار.
وكانت وزارة النفط الاتحادية قد دعت الشركات النفطية العاملة في الإقليم إلى اجتماع موسع لبحث المسائل الفنية واللوجستية الضرورية لاستئناف عمليات التصدير، بينما تتمسك هذه الشركات بالحصول أولا على مستحقاتها المالية مسبقا وهي شروط رفضتها الحكومة الاتحادية التي تمسكت أولا بتسوية كافة المتعلقات المالية.
وكشفت رويترز الشهر الماضي أن العراق تعرض لضغوط أميركية متزايدة للسماح بتصدير النفط من إقليم كردستان عبر تركيا وبالتالي تعزيز الإمدادات إلى السوق العالمية في وقت تريد فيه واشنطن خفض صادرات النفط الإيرانية في إطار جهودها لكبح البرنامج النووي لطهران.