اخبار الإقليم والعالم

خطاب الكراهية يؤدي إلى تطبيع العنف ضد المرأة في تونس

وكالة أنباء حضرموت

 ارتفع منسوب خطاب الكراهية ضد المرأة في الإعلام والمنصات الرقمية بصفة ملحوظة في تونس ما يمثل انعكاسا لارتفاع منسوب العنف ضد النساء في المجتمع من القتل إلى التحرش مرورا بتصاعد خطاب الكراهية في العالم الافتراضي وعلى أرض الواقع على حد سواء، حيث تواجه المرأة في تونس تحديات ومخاطر جمة، دفعت منظمات وجمعيات حقوقية في البلاد إلى دق ناقوس الخطر.

ويثير تصاعد العنف بمختلف أنواعه ضد المرأة مخاوف تحذر منها الجمعيات الحقوقية النسوية في تونس، التي تؤكد أنه نتيجة لارتفاع خطاب الكراهية في الإعلام والمنصات الرقمية بسبب غياب رقابة السلطة وضعف الإطار التشريعي.

وقدمت جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات الأربعاء تقريرها حول “الإعلام وخطاب الكراهية: تأثيره على النساء والأقليات في تونس”، وبينت الناشطة غفران الفريجي أن هذا التقرير اعتمد على رصد وتجميع ما يُعرض في وسائل الإعلام والمنصات الرقمية من برامج تم بثها بين عامي 2023 و2024 على قنوات تلفزيونية مختلفة.

وشمل الرصد 177 مقطع فيديو من البرامج المعروضة والتي تقدر بـ136 حلقة معروضة على شاشات التلفزيون ومنصات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى عدد من التقارير الصادرة عن الجمعية نفسها وعن منظمات حقوقية محلية ودولية تعنى بحقوق النساء.

في المئة من ضحايا العنف الاقتصادي في تونس صرحن بأنه تسبب لهن في آثار نفسية قاسية وصلت إلى حد الاكتئاب

وتعرض التقرير إلى 6 برامج إعلامية مختلفة منها 5 برامج تلفزيونية وبرنامج يعرض على المنصات الرقمية، حيث تم تحليل 181 مقطع فيديو للحلقات المعروضة على التلفزيون والمنشورة في المنصات الرقمية وتم رصد 99 حالة لخطاب الكراهية ضمن ما تم عرضه، أغلبها كان موجها للنساء إما بشكل مباشر عن طريق فتح نقاش يتعلق بالمرأة أو بشكل غير مباشر عن طريق الثلب والشتم بين الضيوف.

كما تم تصنيف أنماط هذا النوع من الخطاب إلى 50 حالة إهانة للمظهر الخارجي للمرأة، و22 حالة تتمثل في تقديم صورة نمطية عن المرأة و11 حالة تطبيع مع العنف والتحرش، فيما توزع بحسب جندر أصحاب التصريحات إلى 38 رجلا و18 امرأة.

وبينت الفريجي أن خطاب الكراهية الذي تم رصده كانت له جملة من الآثار الاجتماعية العميقة، حيث ساهم في خلق بيئة غير مرحبة بالنساء وعزز القوالب النمطية التي تقلل من أدوارهن داخل المجتمع.

ومن أبرز تداعيات هذا الخطاب تقييد حرية النساء في التعبير عن آرائهن، إذ تخشى العديد منهن التعرض للإساءة أو التهديد عند مشاركتهن في النقاشات العامة سواء عبر وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي.

كما ساهم الخطاب محل الرصد في شيطنة المدافعات عن حقوق النساء، مما زاد من تهميشهن داخل الفضاء الإعلامي والمجتمعي.

وعن آثار العنف المسلط على النساء، قالت الفريجي إن خطاب الكراهية ينتج آثارا سلبية وتنجم عنه آثار نفسية ضارة تظهر بشكل خاص في الصحة العقلية والعاطفية. كما يساهم في تطبيع السلطة الذكورية والأبوية مما يدفع بعض النساء إلى تبنّي هذه الخطابات من أجل نيل الرضا المجتمعي.

وفي ما يتعلق بآثاره الاجتماعية، أكدت أنه يساهم في خلق بيئة غير مرحبة بالنساء ويعزز القوالب النمطية التي تقلل من أدوارهن داخل المجتمع، وهو ما يجعل مشاركتهن في الفضاء العام أكثر صعوبة فضلا عن تقييد حرية النساء في التعبير عن آرائهن.

وحذرت المتحدثة من تصاعد وتيرة خطاب الكراهية في تونس خلال الأعوام الأخيرة مؤكدة أنه “أدى إلى تطبيع العنف ضد المرأة وجعله جزءا من الخطاب المقبول اجتماعيا.”

وفي العام الماضي سجلت البلاد نحو 22 جريمة قتل ضد النساء في مقابل 25 جريمة في عام 2023، بينما أشارت تقارير حقوقية وحكومية إلى أن العنف النفسي هو أكثر أنواع العنف المسلط على النساء في تونس. وقد بلغت نسبته 44.4 في المئة تلتها نسبة العنف اللفظي بـ26.7 في المئة ثم العنف الجنسي بـ15.6 في المئة والعنف الاقتصادي بـ11.4 في المئة ثم العنف الجسدي بـ5.3 في المئة، وفق تقرير المركز الحكومي “الكريديف”.

ويعرّف القانون التونسي العنف الاقتصادي بأنه “كل فعل أو امتناع عن فعل من شأنه استغلال المرأة أو حرمانها من الموارد الاقتصادية مهما كان مصدرها كالحرمان من الأموال أو الأجر أو المداخيل، والتحكم في الأجور أو المداخيل، وحضر العمل أو الإجبار عليه”.

وقد توصّلت دراسة تحليلية قدمتها جمعية النساء الديمقراطيات (حقوقية نسوية) مؤخرا، حول العنف الاقتصادي المسلط على النساء في تونس، إلى أن 93 في المئة من المبلغات عن العنف الاقتصادي هن نساء عاملات، مشيرة إلى “ضعف وصول النساء غير العاملات إلى خدمات الدعم”.

وتشير هذه الدراسة التي استندت إلى تحليل 35 ملفا للعنف الاقتصادي لدى النساء بمحافظتي تونس (شمال) وصفاقس (جنوب) تحت عنوان “نساء تونس في مواجهة التهميش والفقر والحقوق المسلوبة” إلى أن 70 في المئة من النساء اللواتي أبلغن عن العنف الاقتصادي لديهن مستوى تعليمي عال، في حين بلغت نسبة النساء اللواتي أبلغن عن العنف وتخلين عن متابعة الشكاوى ما يزيد عن 42 في المئة.

كما تبيّن أن 34 في المئة من النساء فقدن وظائفهن بسبب الطرد التعسفي أو الاستقالات الناجمة عن التحرش داخل فضاء العمل، فيما أبلغت 29 في المئة من النساء عن فقدان موارد مالية بسبب الاحتيال أو الحرمان من الميراث.

تراجع في تفعيل القوانين

وقالت الناشطة الحقوقية الباحثة في العلوم السياسية هيفاء ذويب إن نسب التبليغ عن العنف الاقتصادي مرتفعة لدى النساء العاملات واللاتي لديهن مستوى تعليمي عال، وذلك لتوفر الإمكانيات والفرص للوصول إلى الخدمات أكثر من غيرهن من غير العاملات.

وأضافت ذويب أن أكثر من 80 في المئة من ضحايا العنف الاقتصادي في تونس صرحن بأن هذا العنف تسبب لهن في آثار نفسية قاسية وصلت إلى حد الاكتئاب والتفكير في الانتحار، على اعتبار أنهن العائل الرئيسي لأسرهن.

وهناك أشكال فرعية للعنف الاقتصادي المسلط على النساء من ضمنها التحرش الجنسي في أماكن العمل والعنف الاقتصادي الزوجي والتمييز في النقابات.

ويقول مختصون إن المرأة العاملة في تونس تعاني الفقر والتهميش وغياب العدالة الاجتماعية النسوية في البلاد، بسبب ضعف السياسات العمومية والتشريعات في مجابهة “الهشاشة واللامساواة بين النساء والرجال في عالم العمل”.

وهناك تمييز على مستوى الأجور بين الرجل والمرأة في تونس، حيث تتقاضى النساء أجرا أدنى من الرجال، فضلا عن غياب التغطية الاجتماعية والصحية وعدم توفير نقل آمن إلى أماكن العمل.

تونس سجلت في الأعوام الأخيرة تراجعا كبيرا في تفعيل القوانين المتعلقة بحماية النساء ودعم حقوقهن

ويؤكد ناشطون أن تونس رغم تحقيق تقدم على المستوى التشريعي بشأن حقوق المرأة إلا أنها لا تزال بعيدة عن المعايير الدولية في إرساء عدالة اجتماعية تحقق المساواة بين المرأة والرجل على جميع المستويات، والجمعيات الحقوقية النسوية يساورها “شعور بالقلق” في هذا الجانب خصوصا بالنسبة إلى وضعية النساء العاملات في القطاع الفلاحي.

ويعتبر القطاع الفلاحي أقل الأنشطة دخلا من حيث الأجر الذي تتحصل عليه اليد العاملة النسائية بشكل خاص، وهو أحد أبرز أوجه الهشاشة واللاحماية الاجتماعية للعمالة بشكل عام. وإلى جانب تعرض العاملات الفلاحيات إلى حوادث سير تنجم عنها حالات وفاة أو تخلف أضرارا تؤدي إلى العجز والإعاقة، فإن العاملات معرّضات يوميا لكل المخاطر ومهدّدات بالإصابة بالأمراض الخطيرة والمزمنة وبالأمراض الجلدية بسبب استعمالهن للمبيدات والأدوية دون وسائل وقاية ويعملن في فضاء غير آمن تنعدم فيه أدنى شروط الصحة والسلامة المهنية.

وسجل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 87 حادثا منذ سنة 2015 إلى حدود الخامس عشر من يناير 2025، وخلفت هذه الحوادث وفاة 65 ضحية وإصابة 955 عاملا بجروح متفاوتة، 59 في المئة منها جدّت بعد إصدار القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل خاص بالعملة الفلاحيين.

ورغم القوانين التي سنّتها تونس عقب ثورة 2011 والهادفة إلى القضاء على العنف المسلط على النساء وحماية حقوقهن الاجتماعية والاقتصادية، من ذلك القانون عدد 58 الصادر في 2017 والمتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة، فضلا عن إصدار القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل خاص بالعملة الفلاحيين، فإن الجمعيات الحقوقية النسوية تنتقد ما تعتبره غياب الإرادة السياسية في تفعيل هذه القوانين.

وأكدت عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حياة عطار أن ترسانة التشريعات “لم ترافقها إرادة جادة للتغيير والإنفاذ، على غرار اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بالمساواة في الأجور، والاتفاقية المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية وكل الاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.”

من جهتها، ترى رئيس جمعية “بيتي” سناء بن عاشور أن تونس سجلت في الأعوام الأخيرة تراجعا كبيرا في تفعيل القوانين المتعلقة بحماية النساء ودعم حقوقهن، مشيرة إلى تسجيل أكثر من 20 حالة قتل نساء في البلاد في العام 2024.

ولمجابهة العنف المسلط على النساء، أعلنت السلطات التونسية في نوفمبر الماضي عن مشاريع تشييد 17 مركزا لإيواء النساء ضحايا العنف وأبنائهن، بطاقة استيعاب تفوق 220 سريرا، ضمن القرارات التي تبنتها في مشروع قانون الميزانية للعام 2025.

وبخصوص الإجراءات التي تطالب الجمعيات الحقوقية النسوية في تونس بتكريسها من أجل دعم حقوق المرأة والقضاء على العنف الاقتصادي المسلط عليها، فتتلخص في ضرورة تحسين الإطار القانوني وتطبيق القوانين الموجودة بفعالية، وتعزيز دور النقابات والعمل على إدماج النساء في مواقع القيادة.

وتشدد الجمعيات الحقوقية على ضرورة إطلاق حملات توعوية وتثقيفية على نطاق واسع يشمل مختلف محافظات البلاد، وذلك لكسر الصمت حول العنف الاقتصادي الذي يمارس على النساء.

يشار إلى أن عدد العاملين في تونس في عام 2023 بلغ نحو 3 ملايين و400 ألف من ضمنهم ما يقارب 970 ألفا من الإناث أي ما يعادل 28 في المئة من مجموع السكان العاملين، وفق مؤشرات قدمها المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) في فبراير 2024.

ووجه تقرير جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات توصيات إلى الدولة التونسية تتعلق بتعديل التشريعات بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وتوفير برامج تدريبية متخصصة للقضاة والشرطة حول كيفية التعرف على خطاب الكراهية على الإنترنت وجمع الأدلة الرقمية ومتابعة الجرائم الإلكترونية المتعلقة به وتجريم خطاب الكراهية والاعتراف به كشكل من أشكال العنف المبني على النوع الاجتماعي.

كما دعا المجتمع المدني إلى رصد وتوثيق حالات خطاب الكراهية ضد النساء والأقليات على الإنترنت، ونشر تقارير دورية حولها والضغط على الحكومة لتبني تشريعات فعّالة لمكافحة خطاب الكراهية، وإطلاق حملات مناصرة لتغيير الخطابات التمييزية في المجتمع.

وفي ما يتعلق بالمجتمع الدولي، فقد نصت توصيات تقرير الجمعية على ضرورة حث الدولة التونسية على تطوير التشريعات والسياسات المتعلقة بمكافحة خطاب الكراهية في الفضاء الرقمي وتوفير الدعم اللازم لدعم مشاريع منظمات المجتمع المدني الرامية إلى مناهضة خطاب الكراهية وحماية النساء والأقليات، بالإضافة إلى مراقبة وضع حقوق الإنسان في تونس.

نتنياهو يعقد اجتماعا مصغرا لبحث المرحلة المقبلة من اتفاق غزة


أزمة أنبوب النفط من كردستان إلى تركيا تراوغ جميع الأطراف


تهديدات الدبيبة بهجوم قواته على الجنوب تثير سجالا بين طرابلس وبنغازي


خسارة النفوذ في سوريا توتر علاقة إيران بتركيا