اخبار الإقليم والعالم
بغداد تدعو واشنطن للتراجع عن قرار تعليق الدعم للمنظمات الدولية
تستمر تداعيات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإلغاء نحو 90 بالمئة من تمويل برامج التنمية والمساعدات الخارجية التي تقدّمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بالانعكاس سلبا على العراق وتحديدا مخيم الهول السوري الذي يمثل قنبلة بشرية موقوتة تهدد أمن المنطقة بأكملها.
وطالبت مستشارية الأمن القومي وعدد من الوزارات، اليوم الخميس، الولايات المتحدة بإعادة النظر في قرار تعليق الدعم للمنظمات الدولية العاملة في العراق، وذلك بعد مناقشات حول آثار هذا القرار على عدة برامج إنسانية وتطويرية في البلاد.
وجاء ذلك خلال عقد المستشارية اجتماعا طارئا لجميع الوزارات ذات العلاقة بمجالات العمل التي حددتها رسالة الأمين العام للأمم المتحدة إلى رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بخصوص مركز "الأمل"، ومخيم "الهول"، وملف العوائل العراقية العائدة من شمال شرق سوريا، وبحث أثر تعديل تمويل الدعم الأميركي لبرامج الأمم المتحدة في العراق.
وكانت إدارة ترامب قد أعلنت، في 27 فبراير الماضي، تخفيض المساعدات الأميركية الخارجية بصورة كبيرة، ولا سيما من خلال إلغاء نحو 90 بالمئة من تمويل برامج التنمية والمساعدات الخارجية التي تقدّمها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وجاء ذلك بعدما وقّع ترامب أمرا تنفيذيا، في اليوم الأوّل من تسلّمه ولايته الثانية في البيت الأبيض، نص على تجميد كل المساعدات الأميركية الخارجية لمدّة 90 يوماً، من أجل إعطاء إدارته الوقت لمراجعة الإنفاق الخارجي، وأدّى هذا القرار إلى تعطيل عشرات المشاريع التي تمولها منظمات أميركية في العراق وسوريا.
ووفقا لبيان صادر عن المستشارية، "فقد ترأس الاجتماع الطارئ، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، فؤاد حسين، بحضور مستشار الأمن القومي، قاسم الاعرجي، ووزراء الهجرة، والشباب والرياضة، والعمل والشؤون الاجتماعية والتربية، وممثل وزارة الداخلية، ورئيس جهاز المخابرات، ورئيس جهاز الأمن الوطني، ونائب قائد العمليات المشتركة، ومستشاري رئيس مجلس الوزراء للشؤون الأمنية وحقوق الإنسان".
وذكر البيان أن "الاجتماع، ناقش ما جاء في رسالة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق والمتعلقة بتحديد فجوات العمل نتيجة تعديل التمويل الأميركي وأثره على برامج الأمم المتحدة في العراق".
وأوضح البيان أنه "خلال الاجتماع، أُتخُذت جملة قرارات مهمة لدعم وزارة الهجرة والمؤسسات العراقية العاملة ضمن هذا الملف، لضمان استمرار عمل نقل العوائل العراقية وإكمال عملية الإدماج بشكل طبيعي دون أن تتأثر بقرار التعليق".
كما شدد الاجتماع "على مسؤولية المجتمع الدولي بتقديم الدعم الكامل لإنهاء الصفحة الثانية في ملف داعش، من خلال عملية إعادة التأهيل للعوائل المتورطة"، مؤكدا أنها "مسؤولية تشاركية وليست مسؤولية العراق وحده، فضلا عن مطالبة الجانب الأميركي بإعادة النظر بقرار تعليق الدعم للمنظمات الدولية العاملة في العراق"، بحسب البيان.
ويبلغ مقدار الدعم الذي تقدمه واشنطن لبغداد من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID نحو مليار دولار من خلال 21 عقدا مقدما لمختلف الجهات.
وشدد مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، في 6 مارس الجاري، خلال اجتماع في مقر الأمم المتحدة بالعراق لبحث تعليق الدعم الأميركي للمنظمات الإنسانية، على ضرورة أن تقوم دول العالم بنقل رعاياها من مخيم الهول السوري تمهيداً لغلق المخيم.
وتتصاعد المخاوف في العراق من تحركات داعش في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة، خاصة مع الخطط الدولية لتفكيك السجون التي تقع في منطقة الإدارة الذاتية تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية شمال شرق سوريا، لاسيما وانه جاء بالتزامن مع عمليات عسكرية مستمرة، فقد نفذت القوات العراقية ضربات جوية استهدفت عناصر التنظيم في عدة مناطق، أبرزها كركوك وراوه.
وتضم سجون قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حوالي 10 آلاف معتقل من مقاتلي داعش بينهم حوالي 3 الاف أجنبي، وحوالي 4 آلاف عراقي، بحسب الأرقام الرسمية.
وحذر النائب محما خليل، في 19 فبراير الماضي، من خطورة الجيل الثاني لداعش الإرهابي على الأمن والاستقرار داخل العراق، لافتا الى أهمية الحذر من الدواعش الموجودين في سوريا وضمان عدم نقلهم لداخل العراق.
وأكد وزير الخارجية فؤاد حسين خلال لقائه مستشار الأمن القومي للمملكة المتحدة جوناثان باول، في 15 فبراير الماضي، بدء العراق بتسلم مجموعة من الإرهابيين، وهم مواطنون عراقيون، ونقلهم إلى السجون العراقية.
وكان وكيل الأمين العام لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، فلاديمير فورونكوف، قد حذر، مؤخرا، في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، من قدرة تنظيم "داعش" على مواصلة أنشطته وتكييف أسلوب عمله.
وأكد أن "الوضع المتقلب في سوريا يمثل مصدر قلق بالغ، في ظل مخاوف من وقوع مخزونات من الأسلحة المتقدمة في أيدي التنظيم الإرهابي"، مشيرا إلى أن "منطقة البادية السورية لا تزال تمثل مركزًا للتخطيط العملياتي الخارجي لداعش ومنطقة حيوية لأنشطته".
وأضاف فورونكوف أن "عدم الاستقرار في سوريا يؤثر مباشر في المعسكرات ومراكز الاحتجاز، حيث لا يزال 42.500 فرد محتجزين في شمال شرقي البلاد، من بينهم 17.700 مواطن عراقي و16.200 مواطن سوري، فضلًا عن 8.600 شخص من جنسيات أخرى".
وفي 16 يناير الماضي، قدم العراق طلبا رسميا لتفكيك مخيم الهول في سوريا، محذرا من خطورته كقنبلة بشرية موقوتة تهدد أمن المنطقة بأكملها.
وتتخوف الأوساط السياسية والأمنية في العراق، من استخدام الجهاديين في مخيم الهول كورقة لخلخلة الوضع الأمني من جديد، إذ يسعى العراق منذ سنوات، لإغلاق مخيم الهول في سوريا الذي يؤوي عشرات الآلاف من زوجات وأبناء مسلحي تنظيم داعش، ويضم أيضا مناصرين للتنظيم المتشدد، وذلك بهدف الحد من مخاطر التهديدات المسلحة عبر الحدود مع سوريا.
ويستغل تنظيم داعش المساحات الشاسعة في البادية وضعف التواجد الأمني لترسيخ وجوده ويسعى للحصول على أسلحة متطورة تعزز قدرته على تنفيذ هجمات واسعة بينما يشكل وجود عناصره في السجون السورية خطرا دائما في ظل احتمالات هروبهم أو إطلاق سراحهم.
ووصلت إلى مدينة الموصل دفعة جديدة من نازحي مخيم الهول، في 11 يناير الماضي، هي الأولى بعد إسقاط نظام بشار الأسد، فيما وردت أنباء عن تحضير وزارة الهجرة عبر مستشارية الأمن القومي على إعادة وجبات جديدة من هؤلاء النازحين خلال المرحلة المقبلة.
وكانت مصادر سورية أفادت في 31 ديسمبر الماضي، بأن مخيم الهول السوري والذي يضم آلاف من عوائل داعش سجل خلال الـ48 ساعة الماضية ثلاث حالات قتل من خلال النحر أحدهم عراقي.
ويشكل تنامي نشاطات داعش في عمق البادية السورية المحاذية للحدود العراقية، مع سقوط نظام الأسد، تهديدا على العراق، إذا تمكن مسلحو التنظيم من السيطرة على الحدود السورية العراقية، ونجحوا مجددا من اجتيازها.
ويسعى السوداني إلى إبعاد الساحة العراقية عن أن تصبح ساحة لتصفية الحسابات، بالإضافة إلى محاولاته لموازنة الوضع الجديد في سوريا، والانخراط العراقي في الجهود الدبلوماسية العربية والدولية، كما يسعى إلى إبعاد إيران، التي تمتلك أذرعاً قوية في العراق، عن الشأن السوري.
ويخشى العراق من عودة سيناريو أواسط العام 2014 عندما تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مناطق تُقدر بثلث البلاد على خلفية امتداد الصراع في سوريا بين النظام والفصائل المعارضة في السنوات الماضية.
ويعود تاريخ إنشاء مخيم الهول، إلى تسعينيات القرن الماضي، حيث أسس من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على مشارف بلدة الهول بالتنسيق مع الحكومة السورية، ونزح إليه ما يزيد عن 15 ألف لاجئ عراقي وفلسطيني، هاجر الكثيرون منهم إلى مختلف أرجاء العالم بمساعدة الأمم المتحدة، خاصة بعد أحداث عام 1991 عندما استباح النظام العراقي السابق دولة الكويت، وقادت ضده الولايات المتحدة حربا عبر تحالف دولي.
ويضمّ مخيم الهول المكتظ الذي تديره قوات سوريا الديمقراطية، وعمادها القوات الكردية المدعومة من واشنطن، بحسب أرقام إدارة المخيم في يناير 2024، أكثر من 43 ألف سوري وعراقي وأجنبي من 45 دولة على الأقل، بينها فرنسا والسويد وهولندا وروسيا وتركيا وتونس ومصر. وجميع هؤلاء من أفراد عائلات عناصر في التنظيم المتطرف.
وتُشكّل النساء والأطفال الجزء الأكبر من نزلاء المخيم الممنوعين من الخروج منه. لكنه يؤوي أيضا حوالي ثلاثة آلاف رجل في الجزء الأكبر والمخصص للعراقيين والسوريين، بينهم نازحون ولاجئون، ومنهم من تلاحقه شبهات بالعمل لصالح التنظيم المتطرف.