تقارير وحوارات
بوادر أزمة سياسية تداهم الحكومة اليمنية وتهدد وحدتها واستقرارها
تلوح في المناطق التابعة للسلطة الشرعية اليمنية ملامح أزمة سياسية من شأنها أن تزيد من تعقيد الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية في تلك المناطق وتكرّس العجز الحكومي عن معالجتها والتخفيف من وطأتها على السكّان.
وتتحدّث مصادر محلية عن تزايد رغبة قوى منضوية ضمن إطار الشرعية في إقالة رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك على خلفية اتهامها له بالضعف وعدم القدرة على إيجاد الحلول الضرورية والعاجلة للأزمة المركبة الآخذة في المزيد من التعمّق.
وقالت وسائل إعلام محلية نقلا عن “صادر متعدّدة” إن قصر معاشيق الذي تتخذ منه الحكومة مقرّا لها في العاصمة المؤقتة عدن يعيش “حالة شلل شبه تام” رغم عودة بن مبارك مؤخّرا إلى المدينة لممارسة عمله انطلاقا منها وكان ذلك أحد مطالب القوى المنتقدة للحكومة وأدائها. وتعزى حالة الشلل تلك، وفقا لما أورده موقع “المصدر أونلاين” إلى رفض معظم الوزراء التجاوب مع دعوات وتوجيهات رئيس الحكومة.
ضعف الحكومة يتجلى في عدم قدرتها على السيطرة على الثروات والموارد واستعادة زمام التحكم بها من أيدي سلطات موازية
ويأتي المجلس الانتقالي الجنوبي في مقدمة منتقدي حكومة بن مبارك، وأحيانا للشرعية اليمنية برمتّها، كونه يراها مسؤولة عن إيجاد وضع اقتصادي واجتماعي بالغ السوء في مناطق نفوذ المجلس نفسه والتي يعتبرها مجالا لدولة الجنوب المستقلة التي يعمل على تأسيسها، فيما يرى في سكان تلك المناطق خزانه البشري ورافعة تنفيذ مشروعه وهو يخشى تراجع شعبيته بينهم باعتباره شريكا رئيسيا للشرعية ويشغل مواقع قيادية في هيكليتها.
ويبدو أن رئيس الحكومة أصبح يواجه العزلة ويفقد سيطرته بالتدريج على أعضاء حكومته الأمر الذي يطرح تساؤلات عن إمكانية ومدى صموده في المنصب واستمراره في أداء مهامه على رأسه.
وقالت المصادر إن معظم الوزراء قاطعوا دعوة وجهها لهم بن مبارك الأربعاء لحضور مأدبة إفطار ولم يحضر سوى ثلاثة منهم. وأوضحت أنّ تلك الدعوة جاءت ضمن محاولات رئيس الحكومة إنهاء حالة الشلل التي تصيب حكومته.
وعدا عن اجتماع استثنائي عقد عن بعد في السادس والعشرين من شهر ديسمبر الماضي لإقرار الخطة الاقتصادية الحكومية للأولويات العاجلة، لم ينجح رئيس الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في جمع أعضاء حكومته في اجتماع مباشر منذ السابع من نوفمبر الماضي.
ويبدو أن مقاطعة دعوات بن مبارك تحولت إلى وسيلة مفضلة لدى القوى السياسية للتعبير عن موقفها من الرجل، فرغم إقامة ثلاثة عشر وزيرا في الحكومة البالغ عدد وزرائها خمسة وعشرين وزيرا في عدن، فإنّ ستة منهم فقط استجابوا لدعوة وجهها رئيس الحكومة لحضور “جلسة مقيل ودية” وجهها إليهم الأسبوع الماضي.
وتناقص عدد المستجيبين لمثل تلك الدعوات حيث لم يستجب لدعوة الإفطار سوى وزير الداخلية إبراهيم حيدان، ووزير التربية والتعليم طارق العكبري، ووزير الصناعة والتجارة محمد الأشول، بالإضافة إلى نائب وزير المالية هاني وهاب.
وتشهد مناطق الشرعية اليمنية أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة بسبب شح الموارد الناتج عن حالة عدم الاستقرار الأمني وتوقف تصدير النفط منذ حوالي عامين ونصف بسبب استهداف جماعة الحوثي لمنافذ تصديره عبر البحر.
ويلقي الوضع الاقتصادي والمالي بتبعاته المباشرة على الوضع الاجتماعي وحتى السياسي حيث تشهد ثقة السكان في السلطة الشرعية تراجعا حادا تجسّده موجة التظاهر التي انطلقت مؤخرا في عدد من المدن والمناطق احتجاجا على سوء الظروف المعيشية وتردي الخدمات العمومية بما في ذلك خدمتا الكهرباء والماء.
وتبدو الحكومة قليلة الحيلة ومنعدمة الوسائل في مواجهة ذلك الوضع الذي ازدادت حدّته وتأثيراته خلال شهر رمضان الحالي مع ارتفاع أسعار السلع والمواد الأساسية. واكتفى بن مبارك قبل أيام بتوجيه السلطات المحلية في المحافظات بمراقبة “الوضع التمويني والسعري” لتلك السلع دون ذكر أي إجراءات عملية محدّدة، وذلك في مظهر على قلّة خيارات الحكومة وضعف قدراتها ووسائلها في مواجهة الوضع الاقتصادي والمعيشي بالغ السوء حيث وصلت عملية تزويد الأسواق بالسلع والمواد الأساسية والتحكّم بأسعارها مرحلة خروج شبه كامل عن سيطرة السلطات.
رئيس الحكومة بات يواجه العزلة ويفقد سيطرته بالتدريج على أعضاء حكومته الأمر الذي يطرح تساؤلات عن إمكانية ومدى صموده في المنصب واستمراره في أداء مهامه على رأسه
ويتجسد ضعف الحكومة في عدم قدرتها على السيطرة على المقدّرات المادية والثروات في بعض المحافظات والتي باتت تسيطر عليها قوى محلية وتمنع نقلها وتحويل إيراداتها إلى الحكومة وإلى باقي مناطق الشرعية، وهو ما يتجسّد في تعطيل تجمعات قبلية في حضرموت ومأرب لنقل مشتقات النفط الأمر الذي خلق أزمة حادّة في غاز الطهي والوقود المخصّص لتوليد الكهرباء في بعض المناطق.
وتزامن حلول شهر رمضان مع عودة قيمة عملة الريال المحلية إلى مسار التراجع بعد فترة وجيزة من التحسّن الطفيف. ويساهم انهيار قيمة العملة اليمنية في تعميق الأزمة الاجتماعية والإنسانية إذ يترافق مع ارتفاع مهول في نسبة التضخّم ويتسبّب في ازدياد أسعار السلع والمواد الأساسية وانهيار مستمر في المقدرة الشرائية للسكان.
وتلقي أزمة الريال اليمني بظلالها على الأمن الغذائي في مناطق الشرعية وفق تقرير حديث لبرنامج الغذاء العالمي جاء فيه أن العملة اليمنية تراجعت بنسبة ستة وعشرين في المئة على أساس سنوي وخسرت سبعة وأربعين في المئة من قيمتها منذ تعليق صادرات النفط الخام في أكتوبر 2022 بسبب استهداف الحوثيين لمنافذ التصدير البحرية في مناطق الشرعية، ما أدى إلى خسائر تجاوزت ستة مليارات دولار في الإيرادات الحكومية.
وبدأت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تترجم إلى أزمة سياسية مؤثّرة على استقرار الحكومة وتضامن مكوناتها، حيث يُفسّر عدم استجابة الوزراء لدعوات رئيسهم باعتباره جزءا من ضغوط بعض القوى السياسية لإقالته من منصبه.
وقالت المصادر إنّ سيناريو الإقالة طرح بالفعل وأن قرارا بذلك ظل على طاولة مجلس القيادة خلال الأشهر الماضية وكان على وشك التنفيذ لكن تمّ تأجيله للمزيد من البحث عن شخصية بديلة تكون مقبولة محليا وإقليميا.
وقال مصدر حكومي تحدّث للموقع الإخباري المذكور إن معظم الوزراء توصلوا إلى قناعة بأن بن مبارك عطل عمل الحكومة ويدفع بها نحو الفشل الكامل، مستدلين بالتراجع الحاد في الإيرادات المالية غير النفطية نتيجة “دخول رئيس الحكومة في إشكالات مع المحافظين ومسؤولي الوزارات والمؤسسات الإيرادية.”
ويقع على عاتق رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي تدارك حالة الشلل الحكومي بأقصى سرعة. وفي هذا السياق يتوقّع أن يصل الرئيس إلى عدن قريبا لمعالجة الأمر مع شركاء الشرعية وخصوصا المجلس الانتقالي الجنوبي الأصعب مراسا والأكثر امتعاضا من الأزمة وتبعاتها.