اخبار الإقليم والعالم
تضخم قياسي لديون العالم على وقع تعدد الأزمات
حمل تقرير حديث لمعهد التمويل الدولي المؤشرات متشائمة حيال نسبة الدين العالمي إلى الناتج المحلي الإجمالي والذي زاد العام الماضي للمرة الأولى منذ 2020.
وسجل رصيد الدين العالمي مستوى قياسيا جديدا في نهاية العام 2024 بلغ 318 تريليون دولار في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من تباطؤ النمو.
وكان ارتفاع الدين العالمي سبعة تريليونات دولار وهي زيادة أقل من نصف الزيادة التي حدثت في 2023، حين أدت توقعات خفض أسعار الفائدة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) إلى موجة من الاقتراض.
لكن المعهد، ومقره واشنطن، حذر من أن من يسمون بمراقبي السندات قد يعاقبون الحكومات إذا استمرت العجز المالي المتزايد.
وقال خبراء المعهد “التدقيق المتزايد في الأرصدة المالية، وخاصة في البلدان ذات الأنظمة السياسية شديد الاستقطاب، كان سمة بارزة للسنوات القليلة الماضية.”
وأدت ردود فعل السوق تجاه السياسات المالية في المملكة المتحدة إلى إنهاء فترة الولاية القصيرة لرئيسة الوزراء ليز تروس في عام 2022، كما أدت ضغوط مماثلة في فرنسا إلى الإطاحة برئيس الوزراء ميشيل بارنييه العام الماضي.
واقتربت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو مؤشر على القدرة على سداد الديون، من 328 في المئة بزيادة 1.5 نقطة مئوية، حيث تعارضت مستويات الدين الحكومي البالغة 95 تريليون دولار مع تباطؤ التضخم والنمو الاقتصادي.
ومع ذلك، يتوقع المعهد تباطؤ نمو الديون هذا العام في غمرة عدم اليقين غير المسبوق في السياسة الاقتصادية العالمية وتكاليف الاقتراض التي ما زالت مرتفعة.
لكنه حذر من أنه رغم ارتفاع تكاليف الاقتراض وعدم اليقين في السياسة الاقتصادية، فقد ترتفع توقعاته بزيادة الدين الحكومي بنحو 5 تريليونات دولار هذا العام بسبب المطالبات بالتحفيز المالي وزيادة الإنفاق العسكري في أوروبا.
وقال إمرى تيفتيك، مدير أبحاث الاستدامة في المعهد “أعتقد أن نشهد على الأرجح مزيدا من التقلبات في أسواق الديون السيادية، وخاصة في البلدان التي نشهد فيها استقطابا سياسيا كبيرا.”
وساهمت الأسواق الناشئة، بقيادة الصين والهند والسعودية وتركيا، بنحو 65 في المئة في نمو الدين العالمي في العام الماضي.
ويؤدي هذا الاقتراض، إلى جانب ديون قياسية تبلغ 8.2 تريليون دولار تحتاج الأسواق الناشئة إلى تجديدها هذا العام، منها 10 في المئة بالعملة الأجنبية، إلى إرهاق قدرات البلدان على مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية التي تلوح في الأفق.
وجاء في التقرير “تصاعد التوترات التجارية وقرار إدارة ترامب تجميد المساعدات الخارجية الأميركية، مثل تقليص الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، قد يؤدي إلى إثارة تحديات كبيرة في السيولة والحد من القدرة على تجديد الديون والوصول إليها بالعملة الأجنبية.”
وأضاف “هذا يؤكد الأهمية المتزايدة لتعبئة العائدات المحلية لبناء القدرة على الصمود في مواجهة الصدمات الخارجية”.
ويرى تيفتيك أن التقلبات الشديدة تؤكد الحاجة إلى زيادة قدرات بنوك التنمية المتعددة الأطراف على تعبئة رأس مال القطاع الخاص.
في المئة نسبة مساهمة الأسواق الناشئة، بقيادة الصين والهند والسعودية وتركيا، في نمو الدين العالمي في العام الماضي
ويواجه عدد من الاقتصادات النامية، مثل كينيا ورومانيا، صعوبة في تعزيز العائدات المحلية بسبب الغضب الشعبي من زيادات الضرائب في حالة كينيا والانتخابات المقبلة في حالة رومانيا.
ويرى خبراء أن الحل لمشكلات الديون في البلدان النامية يتمثل في تخفيف أعبائها، بحيث يمكن إعادة توجيه مدفوعات خدمة القروض نحو الإنفاق على الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.
ولكن تبين في ضوء تجارب سابقة أن هذا الأسلوب ليس مضمونا، فعندما أعفيت أفقر بلدان من ديونها ضمن مبادرة أطلقها صندوق النقد والبنك الدوليين في 1996، لم تتبعها إصلاحات اقتصادية كافية. ومرة أخرى، تعاني العديد منها مديونية عالية للغاية.
وتشتد الحاجة إلى تخفيف الديون، ولكن إعطاء القروض، حتى بشروط مخففة، لحكومات لا تستطيع أو لا ترغب في اتباع سياسات ومحفزة، لن يؤدي سوى إلى زيادة التزاماتها بخدمة الديون. ولهذا يجب أن يكون تخفيف الديون مرتبطا بمثل هذه الإصلاحات.
وهذه الفكرة ليست وليدة اليوم، حيث في منتصف القرن الماضي عندما أسس الدائنون السياديون تجمع “نادي باريس” لإيجاد حل للصعوبات التي تواجهها الحكومات في خدمة ديونها، كانوا يعتمدون على صندوق النقد لتقييم التوقعات الاقتصادية.
وعلاوة على ذلك، العمل على تحديد التعديلات السياسية اللازمة لتحسين الأداء الاقتصادي. وكان الدائنون يدركون أنه دون إصلاحات ستتراكم الديون مجددا إلى أن تنشأ أزمة أخرى.