منوعات

شعبانة احتفاء مغربي بشهر الصيام قبل الأوان

وكالة أنباء حضرموت

 تستعد الأسر المغربية لموسم الصيام خلال شهر شعبان عبر مجموعة من الطقوس والعادات الاجتماعية التي تهدف إلى تطهير المنازل والروح استعدادًا للشهر الفضيل. من بين هذه الطقوس الإكثار من الزيارات المتبادلة بين الجيران والأقارب، حيث تجتمع الأسر لتبادل الوجبات والحلويات التي يتم تحضيرها خصيصًا لهذا الموسم، مثل الشباكية والغريوش والسلو (المخلوط باللوز والفول السوداني).

ويتميز شهر شعبان في المغرب بوجود طقوس نسائية فريدة، حيث تحرص الكثير من النساء على تزيين أيديهن بالحناء بعد النصف الأول من شعبان. وإذا كانت السيدة من علية القوم، فإنها تحضر قفطانًا مغربيًا، يُلبس استعدادًا لاستقبال صديقاتها اللاتي سيباركن لها بمناسبة شهر الغفران.

تأتي هذه العادة في إطار الاستعداد الروحي والجسدي لشهر رمضان، حيث تعقد الجارات وصديقاتهن جلسات للذكر والمديح. في هذه الجلسات، تتم تلاوة الأدعية والصلوات على النبي محمد، في جو مفعم بالروحانية والفرح. وتعتبر هذه التجمعات أيضًا فرصة للترويح عن النفس بعد التحضيرات الشاقة التي تسبق شهر الصيام.

فرحة بالحنة

بابتسامة خجولة لا تخلو من حسرة على الماضي، تعود السعدية، وهي امرأة سبعينية، بذكريات الاحتفال بـ”شعبانة”، وتقول “بمجرد أن يهل شهر شعبان نشمّر، نحن النساء، عن سواعدنا لمباشرة متطلبات ‘العواشر’ من تنظيف للمنزل وتلميع لأوانيه الفضية والنحاسية وتجديد للأفرشة بحسب القدرة الشرائية، وقضاء دين الصيام بالنسبة إلى النساء، وتحضير المأكولات والحلويات المغربية من ‘شباكية’ و’مخرقة’ و’سفوف’ أو ‘سلو’ وغير ذلك استعدادًا لشهر رمضان المبارك.”

وتتابع المتحدثة في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء قائلة إنه “بعد النصف الأول من شعبان تخضب النساء المتزوجات وكبيرات السن

أيديهن بالحناء، وتجتمع الجارات والصديقات والأقارب في أمسية احتفالية للذكر والمديح والصلاة على الرسول الكريم، مرتديات القفطان المغربي، فيما يُقدم الشاي والحلويات. فتكون هذه الأمسية مناسبة للترفيه والترويح عن النفس من تعب أشغال البيت والتحضير لشهر رمضان المبارك.”

أما السيدة فضيلة، وهي ستينية من ضواحي الرباط، فقالت في تصريح مماثل إنها درجت هي وجاراتها وصديقاتها على الاحتفال بـ”شعبانة”، بعد النصف الأول من شعبان، بإعداد الكُسْكسي بالقديد المحضر من لحم أضحية عيد الأضحى السابق، وتقديم الشاي وبعض الحلويات على إيقاع أغان ورقصات وأهازيج شعبية.

وفي حديثه عن أهمية هذا الموروث التقليدي قال الباحث المغربي في علم الاجتماع علي الشعباني إن “شعبانة” تظل متأصلة في الأرياف والمناطق الصغيرة، التي لا تزال تحتفظ بالتقاليد المرتبطة بشهر رمضان. وأضاف أن الكثير من الأسر في هذه المناطق ما زالت تحيي هذه الطقوس بكل تفاصيلها، مثل تبادل الزيارات وتحضير الأطعمة التقليدية وزيارة الأقارب.

وأشار الشعباني إلى أن هذه العادات قد تراجعت في المدن الكبرى نتيجة تأثيرات الحياة العصرية، لكن ذلك لا يعني أن هذه الطقوس قد اختفت بشكل كامل، حيث تظل بعض الفئات الاجتماعية المتشبعة بالموروث الثقافي تحافظ على طقوس “شعبانة”. وتظل الزيارات والملابس التقليدية جزءًا لا يتجزأ من هذا الموروث.

موسم عمل

وفي حديث عن تحول بعض طقوس “شعبانة” أكدت الأخصائية النفسية والباحثة في علم النفس الاجتماعي بشرى المرابطي أن هذا التقليد قد شهد بعض التغييرات في أشكال الاحتفال، ولكن دون أن يشكل ذلك قطيعة مع الماضي. وأوضحت أن “شعبانة” لا تزال تحافظ على طابعها الخاص في العديد من المناطق، حيث يتم إحياؤها في الزوايا الدينية التي تشهد مجالس للذكر والمديح، ما يتيح للمجتمع فرصة الاستعداد الروحي لرمضان.

وأضافت أن “شعبانة” تعد رمزًا ثقافيًا ودينيًا يعبر عن التحول من “المدنس إلى المقدس”، أي الانتقال من الحياة اليومية العادية إلى روحانية شهر رمضان، الذي يعتبره المغاربة شهر المغفرة والتوبة. ويسهم هذا الاحتفال في تعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية من خلال تجديد صلة الرحم والتصالح بين الأفراد.

أما بالنسبة إلى المغاربة المقيمين في الخارج، فإن طقوس “شعبانة” لا تقتصر على المغرب فقط؛ إذ يتم تنظيم احتفالات شعبانية في بعض الولايات الأميركية التي تضم جالية مغربية كبيرة، مثل نيويورك وفلوريدا وفرجينيا. وتحرص النساء المغتربات على تنظيم هذا الحدث السنوي، الذي يجسد روح التلاحم والتواصل مع الوطن الأم.

في حفل “شعبانة” تحضر الكثير من النساء المغربيات اللاتي يرتدين القفطان التقليدي بألوانه الزاهية، في أجواء من الذكر الطيب والإنشاد الديني. كما يشهد الحفل تقديم الأطباق المغربية التقليدية مثل الشباكية والطواجن والحلويات التي تميز المائدة الرمضانية المغربية.

وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء قالت إيمان الزهر، منسقة حفل “شعبانة” في فرجينيا، “إنه تعبير عن تشبث النساء المغربيات بالتقاليد العريقة وعدم التفريط في مقومات هويتهن وتمريرها إلى الأجيال اللاحقة، لاسيما تلك المرتبطة بالمناسبات الدينية.”

وأكدت الزهر أن هذه اللقاءات “فضلاً عن كونها فرصة للنساء المغتربات لتقاسم لحظات فرح يكسرن بها روتين الحياة اليومية في بلاد الغربة، فإنها تثبت قدرتهن على التكيف مع واقع ومتطلبات الحياة العصرية التي يحيينها في واحد من أكثر بلدان المعمورة تقدمًا، والحفاظ في نفس الوقت على روابط وعرى الانتماء إلى الوطن الأم وصون عاداته وتقاليده الأصيلة.”

وبدورها أبرزت سعاد أمجاهدي، رئيسة جمعية “مني لكم” في فلوريدا، أن أجواء حفل “شعبانة” الذي أقيم في هذه الولاية التي تشهد حضورًا مهمًا للجالية المغربية “لا تختلف في شيء عن تلك التي يعيشها المغاربة في البلد الأم، حيث حجت الأسر المغربية بكثافة لتقاسم لحظات فرح وألفة وتقاسم الأطباق والأكلات المغربية الأصيلة والاستمتاع بفواصل موسيقية في فن المديح والسماع.”

وأشارت أيضًا إلى أن الجالية المغربية في ولاية فلوريدا تغتنم مثل هذه اللقاءات لتأكيد انخراطها في مختلف المبادرات التضامنية التي تميز الشهر الفضيل، ومنها عمليات الإفطار الجماعي في المساجد والتكفل ببعض الحالات الاجتماعية الصعبة سواء في الولايات المتحدة أو في أرض الوطن.

بإصرارهن على إقامة حفل “شعبانة” سنويًا ترسم نساء الجالية المغربية في الولايات المتحدة ملمحًا مشرقًا عن موروث حضاري وثقافي صنع على مر السنين فرادة النموذج المغربي وشكل جوهر هويته متعددة الروافد.

تنفيذ عقوبة الجلد لأول مرة في جنوب اليمن ضد متهم.. ما قصته؟


مؤتمر دولي في باريس يوحّد الأصوات لدعم نضال الإيرانيات من أجل الحرية


سيناريو جنوني في قمة برشلونة وأتلتيكو مدريد


الإمارات تترشح لعضوية مجلس حقوق الإنسان للفترة «2028-2030»