اخبار الإقليم والعالم
المحلف 2 يدخل عالم هيئة المحلفين وتحديات تطبيق العدالة
يتناول فيلم “المحلف 2” قصة المحلف جاستن كيمب الذي يجد نفسه في صراع أخلاقي بعد إدراكه تورطه المحتمل في جريمة قتل يناقشها مع هيئة المحلفين. ورغم جودة الفكرة، فإن الفيلم يعيد استخدام مشاهد تقليدية تكررت في أعمال مشابهة أضعفت عنصر التجديد، من بينها تكوين اللقطات الذي يبرز اعتماد المحلفين على كتابة آرائهم على أوراق وتوزيعها فيما بينهم كوسيلة للتصويت، وهو عنصر أساسي ظهر في فيلم “12 رجلا غاضبا” عام 1957، وأصبح متوقعا في أي دراما فيلمية تتناول هيئة المحلفين، كما نرى مجددا مشاهد يتم فيها خروج أحد المحلفين أو اثنين عن السياق الطبيعي بسبب تورطهم المباشر أو غير المباشر في الجريمة، مثل فيلم “هيئة المحلفين” عام 1996، عندما تتعرض إحدى المحلفات للابتزاز لإجبارها على التصويت بطريقة معينة.
ورغم أن غالبية طاقم التمثيل قدموا أداء جيدا ومقنعا، إلا أن الممثلة زوي ديوتش التي لعبت دور زوجة المحلف جاستن لم تتقن دور الحامل بشكل واقعي، فظهرت مكشوفة وغير متقنة في تقديم تعبيرات الجهد النفسي والجسدي المطلوب للشخصية، بينما كل من الممثل جي كي سيمونز في دور شرطي محلف، وكريس ميسينا في دور محامي، وتوني كوليت في دور المدعية العامة، وإيمي أكينو في دور القاضية، أضافوا مصداقية للصراعات النفسية والأخلاقية التي يواجهها المحلفون.
واعتمد كلينت إيستوود على إخراج كلاسيكي يرتكز على كاميرا تتابع الشخصيات بشكل هادئ مع لقطات تتنوع بين المتوسطة والقريبة سواء في لقطات الممثل جابريل باسو عندما تم اتهامه بقتل زوجته الممثلة فرانشيسكا ايستود، أو في استخدم زوايا تصوير عالية لإبراز الضغوط على الشخصيات مثل مشهد الجثة المرمية أسفل المنحدر، أو زوايا على مستوى العين لتعزيز الواقعية خاصة أثناء تكوين لقطات المحكمة.
هذا الأسلوب يعيد إلى الأذهان إخراج سيدني لوميت في فيلم “12 رجلا غاضبا”، الذي استثمر الزوايا البسيطة لبناء شحن نفسي، ولم ينجح إيستوود في تقديم ابتكار بصري جديد، جعل المشاهد مألوفة وثقيلة.
يعاني الفيلم من إيقاع بطيء خلال الخمسين دقيقة الأولى، ويركز على بناء الشخصيات وعلاقتها ببعضها البعض بشكل تدريجي ممل، إذ يبين استعراض تفاصيل الشخصيات وعلاقاتها وكأنه محشو ومتعمد للتمويه وغير مؤثر على التطور السريع للأحداث، وقد يعيد هذا البطء إلى الأذهان فيلم “12 رجلا غاضبا” للمخرج سيدني لوميت، الذي اعتمد على بناء التوتر بشكل تدريجي ومنظم، لكن ما كان فعالا في فيلم لوميت لم يكن له التأثير نفسه هنا، فكلينت إيستوود يخاطر برتابة تفقد الجمهور اهتمامه، بينما تبدأ الأحداث في النصف الثاني من الفيلم بالتسارع لخلق نوع من الإثارة وشد انتباه المشاهد، لكن هذا التسارع لا يعوّض عن الإيقاع البطيء الذي استغرق وقتا طويلا ليصل إلى هذه النقطة، فتظل الأحداث في الفيلم أقل تشويقا مقارنة بما كان يجب أن تكون عليه.
أما في فيلم “المحلف” للمخرج البريطاني برايان جيبسون، فكانت هناك إستراتيجية مختلفة تماما، فقد اختار المخرج التلاعب النفسي كوسيلة لجذب انتباه المشاهدين منذ اللحظة الأولى، فتبدأ افتتاحية الفيلم في تقديم طبقات من التوتر النفسي التي تشد الانتباه وتثير الفضول، وتدفع المشاهدين إلى التفاعل مع الحبكة منذ البداية، وهو ما لم يتحقق بنفس القدر في فيلم إيستوود.
ويتكرر في فيلم “المحلف رقم 2” مشهد كتابة الآراء على الأوراق وتوزيعها بين المحلفين، وهو عنصر شائع في فيلم “12 رجلا غاضبا”، فهذا العنصر كان محوريا في بناء التوتر وخلق عقبات بين الشخصيات، بينما لم يقدم إيستوود أي تحديث أو إضافة جديدة لهذا المشهد، بل اكتفى بإعادة استنساخه بشكل آلي دون تقديم لمسة إبداعية جديدة، وكانت تلك فرصة ضائعة لتحسين عمق الحبكة وتقديم شيء مبتكر يعكس تطور الأساليب السينمائية القديمة.
ويعود مشهد خروج أحد المحلفين عن السياق بسبب تورطه في الجريمة إلى أفكار مشابهة ظهرت في “المحلف” سنة 1996، عندما يتعرض أحد المحلفين لضغوط خارجية هائلة، تضعه في موقف نفسي معقد يدفعه إلى التخلي عن حياديته، وهذا النوع من التوتر النفسي يصبح محوريا في تشكيل الحبكة، ويمنح الفيلم أبعادا أعمق، لكن مع المخرج كلينت إيستوود بدت هذه الفكرة مستهلكة دون إضافة أي طبقات نفسية جديدة تساهم في بناء التشويق بشكل فعال فكان التمويه هو العنصر الذي ركز عليه المخرج.
ويعتبر الفيلم جيدا عموما لكنه يتطلب نفسا طويلا من المشاهدين لمتابعته حتى النهاية، فخلال أول 50 دقيقة كان الإيقاع بطيئا للغاية، حيث أخذ المخرج وقتا طويلا في بناء الشخصيات والتعريف بالفضاءات المحيطة والفكرة الرئيسية، ورغم أهمية هذا الأسلوب في خلق عمق درامي، لكن هذا الأسلوب يشكل مغامرة أشبه بالانتحار في عصر السرعة، حسب السيناريست سيد فيلد، تحديدا في العشر دقائق الأولى الانتحارية في كتابة السيناريو، لأن الجمهور يواجه صعوبة في الحفاظ على تركيزه واهتمامه إذا لم يتم تقديم عناصر جذب فورية، ومع تسارع الأحداث لاحقا تتحسن وتيرة الفيلم لكنه قد يكون قد فقد جزءا من جمهوره في البداية بسبب هذا البطء.
وكلينت إيستوود هو ممثل ومخرج ومؤلف موسيقي للأفلام ومنتج سينمائي أميركي، حائز على أربع جوائز أوسكار، منها اثنتان لأفضل مخرج واثنتان لأفضل فيلم، بدأ مشواره الفني في التمثيل بأدوار ثانوية قبل أن يحقق الشهرة من خلال مسلسل الغرب الأميركي “روهايد”. لاحقا، تألق في ثلاثية “الرجل بلا اسم”، ومع مرور الوقت أصبح أحد أبرز نجوم أفلام الغرب والأكشن، خاصة خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. ومع بداية اتجاهه نحو الأفلام الدرامية، حصد العديد من الترشيحات والجوائز، بما في ذلك الأوسكار والغولدن غلوب. بدأ مسيرته الإخراجية والإنتاجية بفيلم “اعزف ميستي من أجلي”.
وحصل إيستوود على جائزتي أوسكار عن فيلم “غير المسامح” كأفضل مخرج وأفضل فيلم، كما فاز بالجائزتين نفسيهما عن فيلم “فتاة المليون دولار”، ورُشِّح مجددا للجائزة عن فيلم “رسائل من إيوو جيما”. اشتهر بأدواره في شخصيات قوية وصارمة، مثل المفتش هاري كالاهان في سلسلة “هاري القذر”، والرجل الغامض في ثلاثية “الدولار” للمخرج سيرجيو ليون، التي تنتمي إلى موجة أفلام “سباغيتي وسترن”.
يرى إيستوود أن الإخراج السينمائي هو لغة تفسيرية تجمع بين التأويل والتعبير عن الرواية والنص بأسلوب إبداعي، ويعتبر أن شغف الجمهور بمتابعة أعمال جديدة هو ما يحفزه على تقديم أفلام تحافظ على عنصر التشويق والمتعة، مؤكدا أنه يستمتع بهذه العملية بنفس القدر.
ويسعى إلى مشاركة أفكاره والتعبير عن رؤيته، معتبرا أن السينما ابنة عصرها بلا حدود لمزج تقنياتها وأساليبها المختلفة، في نظره الإخراج أشبه بصياغة لحن أغنية جديدة حيث يتيح له تقديم رؤى سينمائية متعددة في إطار ما يعرف بصناعة الأفلام.