منوعات
إيلون ماسك يصوب سهامه نحو ويكيبيديا لخروجها عن سيطرته
شن إيلون ماسك وغيره من الشخصيات اليمينية في مجال التكنولوجيا حملة ضد الموسوعة الرقمية ويكيبيديا، عبر سيل من المنشورات على إكس، تحت عنوان “اقطعوا التمويل عن ويكيبيديا حتى تتم استعادة التوازن!”.
وتزامن هجوم ماسك الأخير مع تحديث لصفحته الخاصة على ويكيبيديا، وصف حركة الذراع التي قام بها أثناء خطاب تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذكرت “مد ماسك ذراعه اليمنى مرتين نحو الحشد بزاوية لأعلى”، وجاء في المقدمة “تم مقارنة هذه الإشارة بالتحية النازية أو التحية الفاشية. نفى ماسك أي معنى وراء هذه الإشارة”.
ورغم أنه لم يكن هناك ما يدعو إلى الانزعاج، إذ لم تتهم صفحة ويكيبيديا ماسك بهذه التحية. لكن هذا لم يكن مهما بالنسبة لماسك، الذي واصل هجومه بالقول “ويكيبيديا هي امتداد للدعاية الإعلامية القديمة!”
وكانت حرب ماسك على الموسوعة جزءا من حملة مستمرة ضدها في الأشهر الأخيرة، فقد حاول مرارا وتكرارا نزع الشرعية عن ويكيبيديا، مشيرا على منصة إكس التي يملكها إلى أن الموسوعة “تخضع لسيطرة نشطاء من أقصى اليسار” ودعا أتباعه إلى “التوقف عن التبرع للموسوعة”، كما وجهت شخصيات بارزة أخرى تشترك في سياساته أنظارها إلى المنصة.
وكتب شون ماجواير، الشريك في سيكويا كابيتال، بعد لفتة ماسك الشهر الماضي “لقد تم الاستيلاء على ويكيبيديا أيديولوجيا لسنوات.” بينما نشر شاماث باليهابيتيا، وهو مستثمر آخر في مجال التكنولوجيا، “ويكيبيديا تكذب”، أما “بايرت وايرز” وهي مطبوعة شائعة بين اليمين التكنولوجي فقد نشرت ما لا يقل عن ثماني قصص تنتقد ويكيبيديا منذ أغسطس الماضي.
وبحسب تقرير لموقع ذي أتلانتيك، قالت الكاتبة ليلى شروف أنه لا شك أن ويكيبيديا ليست محصنة ضد المعلومات السيئة أو الخلاف أو الحروب السياسية، لكن قواعد الانفتاح والشفافية التي تتبناها جعلتها منصة موثوقة بشكل ملحوظ في عصر غير موثوق به على الإطلاق. والدليل على أنها ذراع دعائية صريحة لليسار، أو لأي حزب سياسي، ضئيل.
وأضافت شروف أن أحد أكثر الأشياء الجديرة بالملاحظة في موقع الموسوعة هو كيف ابتعد نسبيا عن الفوضى الخوارزمية التي تحركها الأرباح والتي غمرت محركات البحث ومنصات التواصل الاجتماعي بمعلومات سيئة أو مشحونة سياسيا. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الموقع الذي تديره منظمة غير ربحية ويديره متطوعون، أصبح بمثابة ملجأ في مشهد إلكتروني ممزق أكثر من كونه سجنا أيديولوجيا.
كما أطلق عليه الكاتب أليكسيس مادريجال ذات مرة بأنه “معقل أخير للواقع المتعدد”، ويبدو أن هذا هو السبب بالتحديد وراء تعرضه للهجوم.
◙ الحملة ضد ويكيبيديا تفسر باعتبارها تأليها لوجهة نظر رائجة بين أوساط التكنولوجيا المناهضة لـ"اليقظة"
وتشكل بنية موقع ويكيبيديا مصدر إزعاج لأي شخص يستثمر في التحكم في كيفية نشر المعلومات. وعلى هذا الأساس، ربما يكون من الأفضل فهم الحملة ضد ويكيبيديا باعتبارها تأليها لوجهة نظر رائجة بين أوساط التكنولوجيا المناهضة لـ”اليقظة” وحرية التعبير.
وكان الحديث عن إمكانية انحياز مقالات ويكيبيديا سياسيا، مثار تحقيق لفترة طويلة، حيث استمرت اتهامات التحيز الليبرالي لفترة طويلة، ففي عام 2006، أطلق ابن الناشطة المحافظة الشهيرة فيليس شلافلي حملة ضدها.
ووجد استطلاع أجرته مؤسسة ويكيميديا عام 2020، وهي مؤسسة غير ربحية تدير ويكيبيديا، أن ما يقرب من 87 في المئة من المساهمين في الموقع كانوا من الذكور، أكثر من نصفهم يعيشون في أوروبا. وفي السنوات الأخيرة، وضعت المؤسسة تركيزا متزايدا على تحديد وملء هذه الفجوات المعرفية المزعومة. وقد أظهرت الأبحاث أن التنوع بين محرري ويكيبيديا يجعل المعلومات الموجودة على الموقع أقل تحيزا، بحسب أحد المتحدثين باسم المؤسسة. ولكن بالنسبة لمعارضي ويكيبيديا، فإن مثل هذه الجهود تشكل دليلا على أن اليسار استولى على الموقع. وكما قال موقع “بايرت وايرز”، فقد أصبحت ويكيبيديا “آلة للنشاط الاجتماعي والدعوة من أعلى إلى أسفل.”
وفي عام 2016، فحص باحثان في كلية هارفارد للأعمال أكثر من 70 ألف مقالة على ويكيبيديا تتعلق بالسياسة الأميركية ووجدوا أنها بشكل عام “أكثر ميلا قليلا نحو وجهة نظر الديمقراطيين” من مقالات الموسوعة البريطانية المماثلة.
ومع ذلك، كانت النتيجة دقيقة. فالمقالات المتعلقة بالحقوق المدنية أكثر ميلا إلى الديمقراطيين، وكانت المقالات المتعلقة بالهجرة أكثر ميلا إلى الجمهوريين.
◙ ماسك حوّل منصته إكس إلى مكبر صوت شخصي، يستخدمه للتعبير عن آرائه السياسية اليمينية المتطرفة
وبحسب شين جرينشتاين، الخبير الاقتصادي الذي شارك في تأليف الدراسة، فإن “أي تهمة بالتحيز اليساري المتطرف لا يمكن دعمها بالبيانات.” وأضاف أن الأمور ربما تغيرت منذ ذلك الحين، لكنه “متشكك للغاية” في أنها تغيرت.
ونشر معهد مانهاتن، وهو مركز أبحاث محافظ، تقريرا يشير إلى أن مقالات ويكيبيديا عن منظمات وشخصيات عامة معينة منحازة إلى اليمين تميل إلى الارتباط بقدر أكبر من المشاعر السلبية مقارنة بالمجموعات والشخصيات المماثلة على اليسار.
وعندما سُئل عن التحيز في الموقع، قال المتحدث باسم ويكيميديا إن “ويكيبيديا لا تتأثر بأي شخص أو مجموعة” وأن محرري الموقع “لا يكتبون لإقناع الناس بل للشرح وإعلامهم.”
وفي الحقيقة أن ماسك في أحدث هجوم له على ويكيبيديا، لم يشر إلى أي أخطاء محددة في المقدمة التي نشرت عن التنصيب، فهي حقيقة واضحة. فبينما يشتكي من الظلم، يبدو أن القضية الأساسية التي يواجهها هو وآخرون في دائرته مع ويكيبيديا تتعلق بالسيطرة. وبفضل نهجه الاستحواذي على التكنولوجيا والمنصات العالمية، اكتسب ماسك نفوذا على جزء كبير من الحياة على الإنترنت.
لقد حوّل ماسك منصته إكس إلى مكبر صوت شخصي، يستخدمه للتعبير عن آرائه السياسية اليمينية المتطرفة. ومن خلال ستارلينك، شركته للإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، يحكم ماسك حرفيا وصول بعض الأشخاص إلى الويب، حتى منصات التكنولوجيا الأخرى التي لا يملكها ماسك انضمت إليه. ففي أوائل يناير أعلن مارك زوكربيرغ أن شركته ميتا ستتراجع عن التحقق من الحقائق من قبل طرف ثالث على منصاتها، مستشهدا صراحة بإكس كمصدر إلهام.
وذكر تقرير ذي أتلانتيك أن الشيء الوحيد الذي لا يسيطر عليه ماسك هو ويكيبيديا. ورغم أن الموقع بعيد كل البعد عن الكمال، فإنه يظل مكانا حيث لا تزال الحقائق مهمة، على عكس الكثير من منصات الإنترنت. ويبدو أن كون الأشخاص الذين يكتبون ويعيدون كتابة مدخلات ويكيبيديا باستمرار هم متطوعون منفصلون ــ وليسوا خاضعين لوجهات نظر أيديولوجية لرجل واحد ــ يصب في المصلحة العامة.