اخبار الإقليم والعالم
علاقات تخدم سير العجلة التجارية
تبادل دول عربية لمصالح تجارية مع سوريا ليس مكافأة للأسد
أعرب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد عن استعداد بلاده للتعاون مع لبنان في كافة المجالات، فيما تأخذ هذه التصريحات أبعادا أخرى تتعلق بإعادة العلاقات السورية مع عدد من الدول العربية في ظل وجود شبكة مصالح تجارية تفرض التعاون مع سوريا.
وجاءت تصريحات المقداد أثناء لقائه مع نظيره اللبناني عبدالله بوحبيب على هامش الاجتماع رفيع المستوى لحركة عدم الانحياز المنعقد حاليا في بلغراد ، وهو واحد من ضمن لقاءات عديدة عقدها المقداد مؤخرا مع وزراء خارجية عرب في نيويورك.
وزاد الحديث مؤخرا عن احتمال عودة دمشق إلى الجامعة العربية، مع تزايد الدعوات لذلك من قبل دول عربية، واستئناف التواصل السياسي والتعاون الاقتصادي بين دمشق وبعض هذه الدول.
وانقسمت الآراء بشأن جدوى هذا التواصل، وإمكانية بدء إخراج سوريا من عزلتها التي استمرت طوال سنوات على خلفية أحداث رافقت الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد، وسط انتقادات لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإذعانها بهدوء للأعمال التي تقوم بها دول المنطقة مع سوريا، على الرغم من أن الولايات المتحدة نفسها لا تتحرك نحو استعادة العلاقات مع دمشق.
وقال المحلل الأكاديمي الأميركي بول بيلار في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنتريست الأميركية، إن هذه الانتقادات تستند على ما يبدو إلى الفكرة المضللة ولكنها مألوفة تماما والتي تقول إن الحديث أو التفاوض مع حكومة أخرى يكافأ بطبيعته تلك الحكومة. لكن في حقيقة الأمر لا تعتبر التبادلات الدبلوماسية أو التجارية بطبيعتها مكافأة يمنحها أحد الطرفين للطرف الآخر، فهي بمثابة شوارع ذات اتجاهين تنطوي على استخدام الأدوات العادية من جانب كل طرف لتحقيق مصالحه وأهدافه الخاصة.
ويرى البعض أن أيّ علاقة مع سوريا في عهد بشار الأسد من شأنها أن “تعتبر تطبيعا للفظائع التي ارتكبها نظامه”، لكن بولار يقول إن العلاقات الدبلوماسية أو التجارية العادية لا تفعل شيئا من هذا القبيل، مشيرا إلى أن العلاقات الطبيعية مع نظام الحزب الشيوعي الصيني، على سبيل المثال، لا “تطبع الفظائع التي ارتكبها النظام في ميدان تيانانمين أو شينجيانج أو في أيّ مكان آخر”.
وهناك تطور حدث مؤخرا فيما يتعلق بالعلاقات مع سوريا، وهو عبارة عن صفقة من أربعة أطراف سيتم فيها نقل الغاز الطبيعي من مصر عبر الأردن وسوريا إلى لبنان. ومن شأن ذلك أن يخفف من حدة النقص في الوقود الذي أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي لفترة طويلة، والذي بدوره هو جزء من الأزمة الاقتصادية الحادة التي حلت بلبنان وأفقرت معظم سكانه خلال العام الماضي.
ويرى الكاتب أن الانتقادات للتقارب مع حكومة الأسد ليست في محلها بالنظر إلى صفقة الغاز المصرية التي ستخدم مصالح الشعب اللبناني المنكوب بشدة، كما أنها ستحول دون “تملق” حزب الله للبنانيين من خلال نقل وقود الديزل الإيراني من سوريا.
وأشار إلى أن الاستراتيجية الأردنية، التي تعكس بوضوح الكثير من التفكير المتأني في عمان، هي انعكاس واقعي للحقائق على الأرض في سوريا. ومن المؤكد أن نهج الأردن التدريجي والمشروط لديه فرصة أفضل للتأثير على السلوك السوري إلى الأفضل من طريقة الضغط التي أثبتت بالفعل عدم فعاليتها.
والمصلحة الكبيرة للأردن في تحسين آثار الحرب السورية تجعل من الجدير الاستماع إليها. فبالإضافة إلى استضافة 1.3 مليون لاجئ سوري، وقد تحمّل الأردن ضررا اقتصاديا كبيرا، بما في ذلك في الميزان التجاري مع سوريا. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة فإن تحقيق الاستقرار والازدهار الاقتصادي لدول مثل الأردن ولبنان لا يقل أهمية على الأقل عن مسعاها لأهداف جماعات المعارضة السورية.
وقال “بالتالي فإن اللغة المبالغ فيها التي تقول إن العلاقات الطبيعية بين سوريا والدول الإقليمية الآن ستكون كارثية أو تحطم المعايير الدولية ليست مقنعة”.
وثمة حقيقة أخرى هي أن نظام الأسد بمساعدة حلفائه الإيرانيين وخاصة الروس قد تعافى من النكسات السابقة في الحرب الأهلية وضمن السيطرة على معظم سوريا بطريقة يبدو من غير المرجّح أن يتم الارتداد عنها. ويبدو أن نظام دمشق راض في الوقت الراهن عن عدم سيطرته على بعض الحدود والمجال الجوي السوري، ويحكم حاليا ثلثي الأراضي السورية، ونسبة مماثلة من سكانها المقيمين، وجميع مدنه الرئيسية. ويقول بولار إن النظام لن يذهب إلى أي مكان ولا يمكن التخلص منه، “على الرغم من الوحشية”.
ويريد المنتقدون أن تكون الولايات المتحدة نشطة دبلوماسيا في عملية سياسية دولية بشأن سوريا في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
ولكن ليس من الواضح تماما كيف سيؤدي إثناء دول المنطقة مثل مصر والأردن ولبنان ودول الخليج عن التعامل مع الحكومة السورية إلى تسهيل هذه العملية. ويدعو القرار 2254 نفسه إلى إشراك الحكومة السورية في العملية.
ولا تحتاج إدارة بايدن إلى أن تكون في عجلة من أمرها لتطبيع علاقاتها مع دمشق، ومن الواضح أنها ليست كذلك. ولكن لا يوجد سبب وجيه للضغط على الدول المجاورة كي لا تفعل ذلك. وفي الشرق الأوسط كما هو الحال في المناطق الأخرى، فإن العلاقات الطبيعية والتعاونية بين الجيران هي عموما في مصلحة الولايات المتحدة أكثر من المواجهة.
وهذه العلاقات تحسن إمكانيات إحراز تقدم في المسائل التي تمتد عبر الحدود مثل اللاجئين والمساعدات الإنسانية، وتقلل من فرص خروج الصراعات المحلية عن نطاق السيطرة، وتحد من اعتماد الأنظمة المحلية على القوى الخارجية، وتقلل من فرص المتطرفين في استغلال الصراعات.