اخبار الإقليم والعالم
خطط روسيا لإنشاء ممر تجاري مع إيران تواجه مشاكل متزايدة
منذ أن أصبح زعيما لروسيا، جعل فلاديمير بوتين تطوير ممر تجاري من الشمال إلى الجنوب محورا لبرنامجه الجيوسياسي والاقتصادي. وهذا من شأنه أن يوازن بين تأثير الطرق من الشرق إلى الغرب ويوحد الجنوب العالمي ضد الغرب.
وقد أعلن الآن أن هذا الممر يشكل الأساس لتحالف إستراتيجي جديد مع إيران، وهو التحالف المصمم لمساعدته في حربه ضد أوكرانيا، وهو ما أزعج الكثيرين في الغرب باعتباره علامة على أنه سيكون قادرا على إنهاء العقوبات وقلب النظام العالمي الحالي.
وتواجه الخطط التي طال انتظارها لإنشاء ممر تجاري بين روسيا وإيران العديد من المشاكل. ومن غير المرجح أن تتحقق حتى العقد المقبل ما لم تنته العقوبات الغربية وتتدفق الاستثمارات الخارجية لتمويل هذا المشروع.
وقبل خمسة وعشرين عاما، وبضجة كبيرة، وقعت روسيا وإيران اتفاقا لفتح ممر للنقل متعدد الوسائط من الشمال إلى الجنوب بين روسيا في الشمال والمحيط الهندي في الجنوب. ولكن المحللين الروس يقولون في هذه الذكرى إن التقدم كان بطيئا، ومن غير المرجح أن يتسارع في أي وقت قريب.
ويتناقض هذا الاستنتاج بشكل صارخ مع التفاؤل الذي أبداه الرئيس الروسي وزعماء إيران هذا الشهر ومع المخاوف الغربية بشأن ما قد يعنيه تطوير هذا الطريق للعلاقات الدولية.
◙ من غير المرجح أن تتحقق الخطط حتى العقد المقبل ما لم تنته العقوبات الغربية وتتدفق الاستثمارات لتمويل المشروع
إن الفوائد الاقتصادية التي قد تحصل عليها روسيا وإيران إذا أصبح هذا الطريق يعمل بكامل طاقته وفيرة، لذا فإن المخاوف بشأن هذا التطور تفسر لماذا أصبحت العديد من التعليقات الغربية أكثر إثارة للذعر.
وتشمل المشاكل المتعلقة بهذا الطريق السياسة التي تنتهجها الدول الواقعة بين روسيا وإيران، والصعوبات الطبوغرافية التي ينطوي عليها بناؤه، ونقص الأموال اللازمة لبناء نقاط العبور متعددة الوسائط وخطوط السكك الحديدية.
وكل هذا يعني، كما يعترف المحللون الروس، أن الممر لن يعمل بكامل طاقته حتى وقت ما في ثلاثينات القرن الحادي والعشرين ما لم ينه الغرب نظام العقوبات ضد موسكو ويسمح بتدفق الاستثمارات التي قد تمنح روسيا وإيران النصر على جبهة حاسمة لكليهما.
وكان التقدم نحو استكمال هذا الممر على مدى العقدين الماضيين بطيئا على الرغم من التزام بوتين ببناء ممر عبور من الشمال إلى الجنوب والدعم الذي تلقاه من إيران، وبدرجة أقل من الهند ودول جنوب آسيا الأخرى.
ولا يوجد ما يكفي من خطوط السكك الحديدية والبحرية في الشمال أو الجنوب مما كان ذات يوم حدودا سوفييتية ليكون الوضع مختلفا، كما أن تضاريس المنطقة تجعل بناء طرق جديدة أمرا صعبا ومكلفا للغاية، كما أجبرت السياسات المتغيرة للدول الواقعة بينهما موسكو على الاستمرار في تغيير خططها بشأن المكان الذي سيمتد فيه الممر من غرب بحر قزوين إلى الشرق إلى بحر قزوين نفسه.
وعلاوة على ذلك، واجه تطوير الطريق في إيران مشاكل خطيرة. ولا يقتصر الأمر على أن خطوط السكك الحديدية لديها ذات مقياس مختلف عن تلك الموجودة في روسيا ودول ما بعد الاتحاد السوفيتي الأخرى، ولكن إيران لديها عدد قليل من خطوط السكك الحديدية على الإطلاق في الشمال وبالتالي لا يمكنها التعامل مع التجارة التي تريد روسيا جعل الممر يعمل بكامل طاقته.
◙ التقدم نحو استكمال هذا الممر على مدى العقدين الماضيين كان بطيئا على الرغم من التزام بوتين ببناء ممر عبور من الشمال إلى الجنوب
وأعلنت إيران عن خطط لبناء تسعة ممرات سكك حديدية إستراتيجية للتغلب على هذه المشاكل، لكنها تفتقر إلى الأموال للقيام بذلك.
وأدت حرب روسيا في أوكرانيا والعقوبات المفروضة عليها إلى تقويض قدرة روسيا على مساعدتها، كما أن اعتمادها على الصين يقوض التزام طهران ببناء الممر الشمالي الجنوبي، حيث إن بكين لديها أجندة مختلفة عن موسكو في ما يتعلق بالطرق.
وما لم يتم رفع العقوبات المفروضة على كل من روسيا وإيران، فمن غير المرجح أن يأتي التمويل اللازم لهذا المشروع من الغرب. ولا يزال قادة روسيا وإيران يتحدثون وكأن الطريق يعمل بالفعل بكامل طاقته بسبب المزايا التي سيجلبها إكمال الطريق من الشمال إلى الجنوب لكل من موسكو وطهران. وقد أدت هذه التصريحات، إلى جانب شحن الأسلحة الإيرانية شمالا إلى روسيا، إلى إثارة الذعر في الغرب
ويجعل هذا النمط التصحيح الذي اقترحه أليكسي سيدلنيكوف، المتخصص الروسي في القوقاز وطرق النقل الخاصة به، مهما بشكل خاص. وبعد مسح ما قالته كل من موسكو وإيران على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية عن الممر مقارنة بما حدث بالفعل، يقترح أنه من الأهمية بمكان أن ندرك أن الادعاءات غالبا ما تفوق الحقائق.
ويقترح أن هذا النمط من المرجح أن يستمر نظرا لأهمية الممر بمجرد اكتماله والصعوبات التي تواجهها موسكو وطهران الآن ومن المرجح أن تستمر في مواجهتها في العقد المقبل. ويشير سيدلنيكوف إلى خمس صعوبات يقول إنها تشكل على الأرجح عقبات أمام تحقيق ما تأمله موسكو وطهران: أولا، العقوبات والتوترات الجيوسياسية التي أنتجتها.
وتعني هذه الاتجاهات أن الأموال الخارجية من غير المرجح أن تصبح متاحة وأن موسكو وطهران لن تكونا قادرتين على جمع المزيد من الأموال بمفردهما بسبب التزاماتهما الأخرى، بما في ذلك التوترات المتزايدة بين البلدين والغرب.
وثانيا، الخلافات غير المحلولة بين الشركاء في مشروع الممر حول مساره، وخاصة حول أي دولة ستبني ماذا على أراضي الآخرين. وقد أدى هذا بالفعل إلى تأخير البناء في شمال غرب إيران.
وثالثا، الافتقار إلى البنية الأساسية القائمة في كل من روسيا وإيران وفي البلدان الواقعة بينهما. ولا يشمل هذا النقص خطوط السكك الحديدية الرئيسية فحسب، بل يشمل أيضا طرق التغذية ومحطات النقل البيني.
ورابعا، فشل الجانبين وشركائهما في التوصل إلى سياسة تعريفة واحدة أو حتى اتفاقيات بشأن توحيد إجراءات الحدود. وكل هذا يؤدي إلى إبطاء تدفق السلع ومن ثم أهمية استكمال البنية الأساسية للممر بالنسبة للمشاركين، وخامسا، المخاوف المتزايدة في هذه البلدان وغيرها من البلدان الأبعد من ذلك بشأن التأثير البيئي للممر.
وقد تبدو هذه المخاوف صغيرة الآن ولكنها تتزايد مع تحول المزيد والمزيد من التجارة المخطط لها من الأرض إلى بحر قزوين، الذي يعاني بالفعل من تدهور بيئي خطير، ومع تعامل إيران مع نقص المياه والنمو السكاني المتزايد في مقاطعاتها الشمالية الغربية المنقسمة عرقيا.
وطالما أبقى الغرب على العقوبات المفروضة على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا، وإيران بسبب برنامجها النووي ودعمها للإرهاب، فمن غير المرجح أن تتمكن موسكو وطهران من تحقيق الاختراق الذي تأملانه في الممر الشمالي الجنوبي.