اخبار الإقليم والعالم
قانون الأحزاب والجمعيات يهدد آخر قلاع الديمقراطية الجزائرية
تبدي العديد من القوى السياسية والحزبية في الجزائر، قلقها الكبير من مشروع قانون الأحزاب والجمعيات وذلك نتيجة القيود التي وضعتها السلطة على نشاط وتأسيس هذه الأحزاب الأمر الذي يهدد آخر قلاع الديمقراطية والتعددية في البلاد، ويكرس نية السلطة في التفرد بالمشهد وإزاحة كل من يعارضها.
وتسلمت الأحزاب نسخا من مسودة مشروع القانون الذي طرحته الحكومة بهدف استطلاع الآراء بشأنه واقتراح التعديلات التي يمكن أن ترى الأحزاب ما يناسبها فيها.
وانتقد الحليف السياسي للسلطة عبدالقادر بن قرينة، محتوى مشروع قانون الأحزاب السياسية الذي حصلت عليه حركة البناء الوطني، الموالية للسلطة والداعمة لترشيح الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، خلال استحقاق الولاية الرئاسية الثانية.
واستغرب بن قرينة في تصريح له، توجه السلطة لتحويل الحزب السياسي إلى مجرد جهاز تابع لوزارة الداخلية، وليس كيانا سياسيا واجتماعيا يحمل مشروعا لتقديم خدمة للمواطنين الجزائريين، وهو تصريح يمثل جرس إنذار بالنسبة للحكومة، كونه صدر عن ذراع حزبية للسلطة، وليس شخصية معارضة لها.
وحمل مشروع القانون الجديد، والذي أعقبه مشروع آخر يتعلق بالنشاط الجمعوي، العديد من الإشارات التي تنذر بتصحير المشهد السياسي في البلاد، ووأد آخر المكاسب الديمقراطية في البلاد، والمتمثلة في التعددية الحزبية والجمعوية.
واعتبر سفيان جيلالي رئيس حزب جيل جديد، في تدوينة على إكس، أنّ الحزب الذي يتكون مجلسه الوطني (الهيئة التداولية أو اللجنة المركزية) من 150 أو 200 عضو، ومكتبه الوطني (أو المكتب السياسي) من 10 إلى 30 عضواً، يجب على جميعهم مغادرة مناصبهم كحد أقصى بعد انتهاء الولاية الثانية.
وأوضحَ سفيان جيلالي، أن إنشاء حزب سياسي وتحديد خطه السياسي وتكوين إطارات سياسية بمستوى جيد، تتطلب ما بين 20 و30 سنة.
وقال في تدوينة أخرى “بينما يتجند الجزائريون للدفاع عن وطنهم ضد الهجمات الخارجية، تكشف السلطة عن مسودة قانون تمهيدية تلغي التعددية الحزبية بشكل غير مباشر. إذا تم اعتمادها سيُغلق قوس الديمقراطية.”
ورغم أن دستور العام 2020 ينص على أن تأسيس الحزب السياسي أو الجمعية أو الوسيلة الإعلامية، يحتاج إلى الإخطار فقط مع دخوله حيز التنفيذ، إلا أن البنود التي تضمنها مشروع القانونين (الأحزاب والجمعيات)، تشير إلى قيود واسعة تتعلق بحظر الجمع بين المهمتين الجمعوية والحزبية، أو عدم البقاء في منصب قيادي لأكثر من عهدتين، وحظر التجوال السياسي، والعودة إلى تأشير وزارة الداخلية للمشاركة في أي نشاط حزبي أو سياسي خارج تراب الجمهورية.
كما كرس المشروع أحقية الإدارة في طلب وثائق إضافية، أو استبدال أي عضو لا يستوفي الشروط، وتعديل نسبة تمثيل الولايات في المؤتمرات التأسيسية، إذ يتطلب أن يكون المؤتمر ممثلاً بنسبة 50 في المئة من عدد الولايات كحد أدنى، كما تمنع أي ارتباط للأحزاب مع النقابات أو الجمعيات أو تنظيمات غير سياسية في وقت تسمحُ بالتعاون مع أحزاب أجنبية شرط عدم تعارضها مع الدستور والقوانين المحلية، على أن يتم ذلك بموافقة سابقة من وزير الداخلية وبالتشاور مع وزير الخارجية.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، قد انتقد بعض القيادات الحزبية الداعية إلى التغيير بينما ظلّ هؤلاء متمسكين بمواقعهم ومناصبهم الحزبية منذ سنوات دون أن يشير إليهم، في تلميح إلى رئيسة حزب العمال لويزة حنون، التي تتصدر حزبها منذ تأسيسه في 1990، وعبدالله جاب الله، الذي أسس عدة أحزاب سياسية ظل قائدا لها كلها.
وتضمن القانون الجديد تعديلا جديدا يتعلق بحلّ الأحزاب السياسية، حيث ينص القانون المعمول به حاليا، على حل الحزب السياسي لعدم تقديمه مرشحين لأربعة انتخابات متتالية تشريعية ومحلية على الأقل، في حين ينص مشروع القانون الجديد على إمكانية حل أي حزب سياسي في حال عدم تقديمه مرشحين لموعدين انتخابيين متتاليين على الأقل.
كما عدّل المشروع الجديد نسبة تمثيل الولايات في المؤتمر التأسيسي، إذ يشترط القانون الساري المفعول بأن يجمع المؤتمر التأسيسي 400 مؤتمرا على الأقل منحدرين عن ثلث عدد الولايات على الأقل، دون أن يقل عدد المؤتمرين عن 16 مؤتمرا عن كل ولاية.
ويوجب المشروع الجديد، أن يكون المؤتمر ممثلا على الأقل بـ25 ولاية، ما جعله يطابق عدد المؤتمرين مع عدد الولايات الممثلة، من خلال إعادة النظر في النسبة الممثلة للولايات في المشروع التمهيدي لهذا القانون لتبلغ 50 في المئة + 1 من عدد الولايات على الأقل.
ويرى متابعون للشأن السياسي أن أبرز المستجدات التي تضمنها مشروع القانون الجديد شملت تأسيس وتنظيم وسير وعمل الأحزاب السياسية وصلاحيات ومهام واختصاصات الأحزاب السياسية وطبيعة العلاقات الوظيفية والعضوية للأحزاب السياسية لاسيما مع منظمات وهيئات المجتمع المدني، إلى جانب ما يتعلق بتمويل ومسؤولية الأحزاب السياسية وآليات الرقابة، لاسيما المالية منها، وإذ يستهدف المشروع عقلنة العمل السياسي والحزبي، ينتظر أن يتقلص العدد الكبير للأحزاب المتواجدة على الساحة السياسية.
وبالموازاة مع ذلك سلمت الحكومة، مشروع قانون جديد ينظم عمل الجمعيات، الذي تضمن سبعة أبواب تشرح أحكام إنشاء الجمعيات، إجراءات تسميتها، أسباب حلّها أو تعليقها والتسيير المالي وحقوق وواجبات الجمعيات.
وأبرز ما جاء في المشروع، حظر الجمع بين وظيفتين في جمعية وحزب سياسي، في إطار ما أسماه الرئيس تبون، بـ”أخلقة العمل السياسي” في برنامجه السياسي، لكن مسؤولا قياديا في حزب جيل جديد، اعتبر المشروع إعلانا عن نهاية التعددية الحزبية والجمعوية في البلاد، واستحواذ السلطة على المشهد العام، وبشكل لا يسمح لكل من يخالفها الرأي أن يعبر عن رأيه أو أفكاره.
وينشط في الجزائر 63 حزباً سياسياً تختلف أيديولوجياتها بين الوطنيين والديمقراطيين والإسلاميين وغيرها من التوجهات. لكن 14 حزباً فقط تحظى بتمثيل نيابي في مجلس النواب إضافة إلى النواب المستقلين (الأحرار)، وفقاً لنتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2021.