تقارير وحوارات
عودة اختطاف الأجانب تضع الجزائر أمام تحديات مركبة
شكل اختطاف مواطنين أوروبيين في إقليم الساحل والصحراء، إنذارا جادا لحكومات المنطقة، وعلى رأسها الجزائر التي اختطف مواطن إسباني على ترابها قبل أن ينقل إلى مالي، ما يطرح تساؤلات حول قدرة الجزائر على تأمين الأجانب الذين يزورونها، وخاصة مدى قدرتها على تأمين حدودها من تأثيرات التصعيد في منطقة الساحل.
ولا يزال الغموض يكتنف مصير المختطف الإسباني، الذي يرجح اختطافه في الصحراء الجزائرية من طرف جماعة إسلامية مسلحة، وتم تحويل وجهته إلى الأراضي المالية، حيث لم يعلن أيّ من التنظيمات الجهادية الناشطة في المنطقة عن مسؤوليته ولا عن المطالب المرفوعة، ما يزيد الأمر لبسا بسبب تزامنه مع اختطاف مماثل نفذ منذ أسبوع في دولة النيجر، كانت ضحيته امرأة من جنسية نمساوية.
كما لم يصدر أيّ تعليق أو تصريح رسمي في الجزائر، حول ما تناقلته وسائل إعلام اسبانية، يظهر في تقاريرها غياب أي معطيات حول العملية. لكن الأمر يبقى مفاجئا بالنسبة إلى الجزائر التي تردد باستمرار تحكمها في الوضع الأمني، ما يجعلها في موقف مرتبك قياسا بتجاذبات الوضع في إقليم الساحل والصحراء.
◄ وقوع عمليتي اختطاف في أسبوع واحد، وفي بلدين حليفين ومتشابهين، يعطي الانطباع بأنهما رسالة مشفرة للسلطتين العسكريتين الحاكمتين في البلدين وللقوى الداعمة لها
وتشكل العملية رغم طابعها المعزول اختراقا للآلة الأمنية التي حشدت لها الجزائر إمكانيات مادية وبشرية ضخمة، كما تضعها أمام موقف حرج كون الخاطفين تمكنوا من نقل الضحية إلى التراب المالي الواقع ضمن مواجهات ميدانية بين قوات الجيش والمعارضة الأزوادية المسلحة، والذي قد يستغل لإثبات مزاعم الدعم أو التواطؤ بين الجزائر وبين من تصفهم باماكو بـ”الإرهاب”.
وتعد جبهة نصرة الإسلام والمسلمين المقربة من تنظيم القاعدة، أقوى الجماعات الناشطة في المنطقة، وتنفذ عمليات من حين إلى آخر ضد الجيوش الرسمية في مالي والنيجر، ولا يستبعد أن تكون وراء عملية الاختطاف، رغم إحراجها للطرف الجزائري في ظل تنفيذها على ترابها.
وتتمسك الجزائر بعقيدتها ومواقفها الثابتة في رفضها للإرهاب بكل توصيفاته ومصادره، كما تجرّم دفع الفدى للخاطفين حتى ولو تعلق الأمر باختطاف مواطنيها، لكن المجلس العسكري الحاكم في مالي لم يتوان في اتهامها بـ”رعاية الإرهاب وتوفير الدعم واللوجيستيك،” بحسب ما جاء في تصريح لممثل مالي في الأمم المتحدة.
ويشكل التقارب القائم بين الجزائر والأطراف الانفصالية الأزوادية المناوئة لمالي فرصة لتعزيز اتهامها برعاية الإرهاب وتوفير الوسائل والإمكانيات لهم، كما يمنحهم ورقة جديدة حول شرعية الحرب التي يخوضونها ضد الإرهاب، بما أن المسألة لم تعد تقتصر على مواجهات ثنائية، بل تستهدف الجنسيات الأجنبية.
ولا زالت الجزائر تصر على أن الأزمة في مالي ليست حربا على الإرهاب، وإنما هي صراع سياسي بين الحكومة المركزية والفاعليات المعارضة في شمال البلاد، وأن الحل لن يكون إلا عبر الحوار السياسي، والعودة إلى اتفاق المصالحة المبرم العام 2015، بحسب ما صرح به وزير الخارجية أحمد عطاف، في آخر ظهور إعلامي له.
وكانت وزارة الخارجية الإسبانية قد أكدت بأن “رجلا إسبانيا اختطف في شمال أفريقيا، دون تقديم تفاصيل،” وهو ما يوحي بعدم امتلاك مدريد للمعطيات الكافية حول القضية، حتى ولو أن صحيفة “الباييس” أكدت أن “الرجل اختطفته جماعة إسلامية في جنوب الجزائر ونقل إلى مالي”.
وقال متحدث باسم الخارجية الاسبانية إن عدة مصادر موثوقة أكدت أن “مواطنا إسبانيا محتجز حاليا رغما عنه في شمال أفريقيا. وتعمل الحكومة بنشاط لاستيضاح جميع الجوانب وحل المسألة”.
◄ العملية اختراق للآلة الأمنية التي حشدت لها الجزائر إمكانيات ضخمة، كما تقدم ورقة مجانية لمالي والنيجر لدعم حربهما ضد الإرهاب
وفي سياق متصل، أفادت تقارير محلية بأن امرأة نمساوية تعرضت للاختطاف في النيجر. ووفقًا للمعلومات، فقد قام مجهولون باختطاف السيدة، في مدينة أغاديز الصحراوية الواقعة في وسط البلاد، باستخدام سيارة دفع رباعي، حسبما صرّح مسؤول أمني.
ونقلت وكالة الأنباء النمساوية تأكيد وزارة الخارجية في فيينا للتقارير المذكورة، وأنها على علم بالحادث. وأوضحت أن السفارة النمساوية في الجزائر، المسؤولة عن النيجر، على اتصال بشركاء الاتحاد الأوروبي والبعثة الأوروبية والسلطات المحلية.
ولم تكشف وزارة الخارجية عن تفاصيل إضافية حول السيدة المختطفة، لكن صحيفة “كرونان زيتنوغ” ذكرت على موقعها الإلكتروني أن المرأة تبلغ من العمر 73 عاما، وقد عملت في مجال المساعدات التنموية لمدة 30 عاما.
وفيما لم يصدر أيّ تعليق عن حكومة النيجر، فإن تقارير إعلامية محلية، أكدت عملية الاختطاف، وأشارت إلى أن السيدة النمساوية معروفة جدا في أكبر مدن شمال النيجر، حيث تحظى هناك بشعبية بسبب دعمها للمزارعين المحليين ومبادراتها التعليمية للشباب، بما في ذلك مجالات الموسيقى والخياطة.
ويجهل متابعون فرضية أيّ علاقة بين عمليتي الاختطاف، وعمّا إذا كانتا ذات رسائل وأهداف واحدة، غير أن وقوعهما في أسبوع واحد، وفي بلدين حليفين ومتشابهين، يخيم عليهما نفس المناخ الجيوسياسي، يعطي الانطباع بأن العمليتين رسالة مشفرة للسلطتين العسكريتين الحاكمتين في البلدين وللقوى الداعمة لها، مفادها أن الحسم في مصير المنطقة لن يكون بمعزل عن أصحابها.