اخبار الإقليم والعالم
مسعود بارزاني يوظف مكانته كمرجع كردي لتجنيب أكراد سوريا صداما خطرا مع تركيا وحلفائها
دشّنت قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة المرجع الكردي المخضرم مسعود بارزاني حراكا سياسيا هادفا لنزع فتيل صدام متصاعد بين أكراد سوريا وحلفاء تركيا الممسكين حديثا بزمام السلطة السورية في ظلّ إصرار تركي شديد على مواجهة المسلحين الأكراد السوريين الذين تصنّفهم أنقرة كامتداد لحزب العمال الكردستاني الإرهابي وفق توصيفها، وإنهاء سيطرتهم على أجزاء من المناطق السورية.
وانطلق ذلك الحراك بعملية جس نبض واختبار للنوايا عبر إيفاد ممثل بارزاني حميد دربندي إلى شمال شرق سوريا حيث عقد لقاءين منفصلين مع قيادتي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والمجلس الوطني الكردي في سوريا.
وتقيم قسد المدعومة من الولايات المتحدة باعتبارها في نظر واشنطن قوة مضادّة لتنظيم داعش، منذ سنوات، علاقات متينة مع الاتحاد الوطني الكردستاني ثاني أكبر حزب في إقليم كردستان العراق بعد الحزب الديمقراطي الكردستاني، الأمر الذي كلّف قيادة الاتحاد بزعامة بافل طالباني ضغوطا تركية شديدة واتهامات باحتضان الإرهاب ودعمه وصولا إلى التهديد باستهداف محافظة السليمانية معقل حزب طالباني التي تقول أنقرة إنّ الأخير فتح مناطقه لإيواء عناصر حزب العمّال وتدريبهم وتسليحهم.
وتحمل اتّصالات قسد مع قيادة الحزب الديمقراطي ملامح انقلاب في الصورة باتجاه تزايد ثقة أكراد سوريا في حزب بارزاني وقدرته على تجنيبهم خطر الصراع المسلح ضدّ أركان الحكم الجديد في سوريا ومن ورائه تركيا، وذلك على حساب علاقتهم بالاتحاد الوطني الذي قد لا يملك لهم الكثير مستقبلا نظرا إلى ضعف موقفه باعتباره صديقا لمحور إيران في العراق والمنطقة وهو المحور المهزوم والمتراجع حاليا بعد هزيمة حزب الله في لبنان وسقوط نظام آل الأسد في سوريا.
وكانت وسائل إعلام عراقية قد تناقلت منذ فترة أنباء عن بدء قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني وساطة بين أكراد سوريا والإدارة الجديدة في دمشق بقيادة أحمد الشرع. ونُقل عن مصدر مطّلع قوله إنّ الوساطة التي يقودها زعيم الحزب الديمقراطي تهدف إلى إجراء حوار بين الطرفين، متوقّعا قيام قيادات كبيرة من إقليم كردستان العراق بزيارات إلى سوريا تشمل شمال شرق البلد معقل الأكراد السوريين.
وتوقّع مصدر ثان قيام قائد قسد بزيارة إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق ومعقل الحزب الديمقراطي لعقد اجتماعات مع المجلس الوطني الكردي في سوريا، ذلك أن الوساطة تشمل أيضا محاولة تقريب الهوّة بين المجلس وقوات سوريا الديمقراطية لغرض تشكيل وفد تفاوضي كردي مشترك مع دمشق.
ويمكن لتلك الوساطة أن تأخذ منحى دعم وتشجيع التواصل الذي بدأ فعلا بين القيادة السورية الجديدة وقسد والتي تحدّث عنها مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن مشيرا إلى أنّ اجتماعا عقد بين الشرع ومظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية في مطار ضمير العسكري الواقع بشمال شرق العاصمة دمشق. ولم يفصح الجانب السوري عن محتوى ذلك الاجتماع لكنّه لم ينف وجوده حيث رفض وزير التجارة في الحكومة السورية ماهر خليل الحديث عن مفاوضات مؤكّدا أنّ الأمر لم يتجاوز بعد مرحلة التشاور.
وأرجع لقمان حسين الباحث في الشأن السياسي حراك حزب بارزاني تجاه القضية الكردية في سوريا إلى “كون الإدارة الجديدة في دمشق حليفة لتركيا.” وأوضح لوكالة بغداد اليوم الإخبارية أنّ السبب الآخر يعود إلى رغبة رئيس الحزب الديمقراطي في استثمار الوضع الجديد في سوريا لـ”تبني الأحزاب والجماعات الكردية السورية وليصبح مسعود بارزاني والحزب الديمقراطي بمثابة مرجع للأكراد في دول المنطقة”. واعتبر أن من ضمن أهداف الحزب الديمقراطي وقيادته إنهاء الحرب الممتدة منذ سنوات بين تركيا وحزب العمال وبينها وبين أكراد سوريا كمقدمة لإنجاز مصالحة تاريخية بين الطرفين.
◙ الاتحاد الوطني أصبح في نظر الأكراد ضمن المحور المهزوم بفعل انقلاب الوضع لمصلحة تركيا على حساب إيران
وقرن الباحث في الشأن الكردي ميران سليم المسألة بصراع النفوذ الأشمل في المنطقة وامتداداته إلى العراق بما في ذلك إقليم كردستان قائلا إنّ “إيران تعرضت لاهتزازات كبيرة وخسارات متوالية وهذا حتما سيؤدي إلى إضعاف قوتها وبالتأكيد سيؤثر على أصدقائها وشركائها والموالين لها. وطبعا كردستان من ضمن المتأثرين والاتحاد الوطني سيخسر كثيرا من زيادة النفوذ التركي وقوة أنقرة في المنطقة على حساب ضعف طهران وتوالي خساراتها”.
وفي ضوء هذه الانقلابات في المشهد الإقليمي أوفدت قيادة الحزب الديمقراطي حميد دربندي إلى شمال شرق سوريا حاملا رسالة من الرئيس بارزاني إلى قيادتي سوريا الديمقراطية والمجلس الوطني الكردي في سوريا لم يكشف عن محتواها سوى قول وسائل إعلام مقربة من الحزب إنّها تعلّقت بـ”أهمية توحيد الصف الكردي لمواجهة التحديات الراهنة في سوريا.” كما أوردت تلك المنابر الإعلامية تعبير قائد قسد مظلوم عبدي عن تقديره لرسالة الرئيس مسعود بارزاني، مشددا على أن “المرحلة الحالية تتطلب تضافر الجهود بين جميع الأطراف الكردية لتحقيق الاستقرار وضمان حماية مصالح الشعب الكردي”.
وكان الرئيس بارزاني قد اجتمع قبل أيام مع وفد من المجلس الوطني الكردي حيث أكّد لأعضاء الوفد “على أهمية مشاركة الشعب الكردي في رسم مستقبل سوريا وضرورة الاتفاق على رؤية كردية مشتركة حول حقوق الشعب الكردي والتفاعل مع مختلف القوى الوطنية السورية والإدارة الحالية،” وفقا لما ورد في بيان للمجلس.
وجاء في بيان صدر عن مقر بارزاني أنّه “جرى خلال اللقاء تبادل الرؤى ووجهات النظر حول الأوضاع الراهنة وآخر المستجدات والتغيُّرات في سوريا، إضافة إلى موقف الأطراف الكردية إزاء التحوّلات الحالية،” مضيفا أنّ زعيم الحزب الديمقراطي أكّد خلال اللقاء “دعمه لقضية الشعب الكردي في سوريا وضرورة توحيد الصف والموقف بين الأطراف الكردية، مع الأخذ بنظر الاعتبار مصالح الشعب الكردي في سوريا، واتخاذ الحوار والوسائل السلمية سبيلا لمعالجة الخلافات.”