اخبار الإقليم والعالم
سلطة الجولاني.. ما بين اكتساب الشرعية ومواجهة تحديات الداخل والخارج
يوما بعد يوم يزداد الحراك الدبلوماسي الذي تشهده سوريا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، مع تقاطر الوفود العربية والأجنبية على دمشق للقاء مسؤولي حكومة الأمر الواقع، وهو ما يضفي عليها نوعا من الشرعية.
وزار وزراء خارجية ودبلوماسيون ومسؤولون رفيعو المستوى سوريا ما بعد الأسد بأسباب وتوجهات مختلفة، ولكن تلك الزيارات في حد ذاتها تمثل اعترافا ضمنيا بالإدارة الموجودة حاليا وهو ما يشكل قوة دفع لها. وأعلن وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة أسعد الشيباني الجمعة أنه سيقوم بزيارات رسمية إلى قطر والإمارات والأردن، وذلك بعدما أجرى هذا الأسبوع أول زيارة خارجية له إلى السعودية منذ تولّيه منصبه.
وتتطلّع الإدارة السورية الجديدة إلى جذب استثمارات من الدول الخليجية للمساعدة في إعادة الإعمار بعد أكثر من عقد على الحرب وتعزيز اقتصاد البلاد المنهك. وقال الشيباني في منشور على منصة إكس “سأمثّل بلدي سوريا هذا الأسبوع في زيارة رسمية إلى الأشقّاء في دولة قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة الأردنية الهاشمية”.
وأضاف “نتطلّع إلى مساهمة هذه الزيارات بدعم الاستقرار والأمن والانتعاش الاقتصادي وبناء شراكات متميّزة”. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، ترأّس الشيباني وفدا سوريا رفيع المستوى إلى الرياض ضمّ وزير الدفاع مرهف أبوقصرة ورئيس جهاز الاستخبارات العامة أنس خطاب.
وكانت هذه أول زيارة رسمية للسلطات الجديدة في دمشق إلى الخارج بعد الإطاحة بحكم بشار الأسد. والشهر الماضي، التقى وفد سعودي رفيع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق، وفق ما أفاد مصدر مقرّب من الحكومة السعودية وكالة فرانس برس في ذلك الوقت.
ويرى مراقبون أن إكساب الشرعية لتلك الإدارة يمثل فرصة جيدة لها لتثبيت أركانها، ربما لم تتوفر في حالات سابقة كثيرة أطيح فيها بأنظمة حاكمة، وكانت الإجراءات العقابية كتعليق العضويات في منظمات دولية حاضرة، بدلا من الاعتراف بالحكام الجدد.
لكن ربما يفسر البعض ازدواجية المعايير في التعامل مع حالات مماثلة لكون نظام حكم الأسد لم يكن يحظى بقبول معظم اللاعبين المؤثرين على الساحة الدولية، في حين يذهب فريق آخر إلى كون تغيير أنظمة الحكم في معظم الأحيان يجري عبر تحركات من المؤسسات العسكرية، ولكن المفارقة مع النموذج السوري هو أن من أطاح بنظام الأسد هي فصائل مسلحة تضم في صفوفها أجانب ومعظمها مدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية حتى الآن، وفي مقدمتها ما تعرف بهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ورأت مجلة فورين أفيرز الأميركية أن السقوط المفاجئ والصادم لنظام الأسد على يد “هيئة تحرير الشام” أثار ابتهاج السوريين الذين عانوا 13 عاما من ويلات الحرب الأهلية وعقودا أخرى من الحكم القمعي، لكنها ألقت الضوء على التحديات التي ربما تواجه الإدارة الانتقالية.
وذكرت المجلة أنه “مع تبلور حكومة جديدة في دمشق، يشعر السوريون والمراقبون الأجانب على حد سواء بالقلق بشأن مدى شموليتها وتمثيلها وإسلاميتها، فالقائد الفعلي للبلاد، أحمد الشرع، هو مقاتل سابق في تنظيم القاعدة، على الرغم من أنه يدّعي أنه نبذ الإرهاب. كما أن هيئة تحرير الشام نفسها مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة“.
وتابعت “هناك مخاوف من أن التوترات التي لم يتم حلها بين الجماعات العرقية والدينية في سوريا يمكن أن تعرقل جهود الشرع لتوحيد البلاد وتوطيد حكمه“. واعتبرت فورين أفيرز أن الخيارات التي ستتخذها الولايات المتحدة على المدى القريب “ستؤثر على قدرة النظام الجديد على بسط سلطته في جميع أنحاء سوريا وإعادة الإعمار“.
وأشارت المجلة إلى أن “هناك أسبابا تدعو إلى منح القادة الجدد في سوريا ميزة الشك. أحدها هو الحالة المزرية للبلد الذي مزقته الحرب: فأكثر من 70 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي لسوريا من 60 مليار دولار إلى 10 مليارات دولار منذ عام 2011، ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة إعادة الإعمار 400 مليار دولار“.
ومضت المجلة تقول إن الشرع “أثبت أيضا قدرته على التكيف مع الظروف الجديدة، فبعد استيلائه على محافظة إدلب السورية عام 2017، مضى في بناء دولة أولية من الصفر، وطرد العديد من المقاتلين الأجانب من هيئة تحرير الشام لتبنّي أجندة وطنية سورية. وتبرّأ من الطموحات الجهادية السابقة لكسب الدعم العسكري والمالي من تركيا وقطر، الأمر الذي مكن هيئة تحرير الشام من الزحف نحو دمشق في نهاية المطاف. كما تواصل الشرع مع المجتمعات المسيحية والدرزية الصغيرة في المحافظة وتبنّى تعليم المرأة، وفتح الباب أمام المساعدات الإنسانية من الدول الغربية والمنظمات غير الحكومية“.
ولعل الأمر الأكثر أهمية بالنسبة إلى واشنطن هو أن أهداف الولايات المتحدة في سوريا تحققت إلى حد كبير، فحكم الأسد انتهى وانسحبت القوات الإيرانية والروسية من البلاد، بحسب المجلة التي رأت في التغيير الذي شهدته سوريا خسارة كبيرة بالنسبة إلى إيران، على وجه الخصوص، وقالت إن “خسارة حكومة صديقة في سوريا تشكل ضربة كبيرة، فقد خسرت طهران طريقها الرئيسي لنقل الأسلحة إلى حزب الله في لبنان، وبالتالي خسرت طريقها لإعادة بناء ‘محور المقاومة‘ الذي أضعفته بشدة“.
◙ المفارقة أن من أطاح بنظام الأسد هي فصائل مسلحة تضم في صفوفها أجانب ومعظمها مدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية حتى الآن
وعددت المجلة الأسباب التي ربما تفسر موقف واشنطن وعدم حاجتها إلى الإبقاء على وجودها العسكري أو العقوبات الساحقة التي كانت تهدف في البداية إلى إضعاف نظام الأسد، فتحدثت عن إلحاق القوات الأميركية وما تسمى بقوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، أضرارا بالغة بتنظيم داعش في شمال سوريا.
وفي ظل مخاوف وجدل أثارته قرارات وتصريحات لمسؤولين في حكومة الأمر الواقع في سوريا خلال أسابيع قليلة من توليها زمام الأمور، رأت المجلة الأميركية أن أفضل سيناريو لسوريا الجديدة وجيرانها هو قيام “دولة موحدة ومتماسكة يمكنها التفاوض على اتفاقات دبلوماسية تعزز الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل“.
وحذرت من أن البديل هو “سوريا ضعيفة ومنقسمة ومعرضة للصراع، وهي نتيجة قد تتطلب وجودا عسكريا أميركيا طويل الأمد ومكلفا بشكل متزايد في المنطقة، وتخلق مشاكل لتركيا (حليفة الولايات المتحدة)، وتعرض عملية إعادة البناء الحساسة في العراق للخطر، وتنجم عنها موجة أخرى من الهجرة السورية“.
ورأت أنه لتجنب هذا السيناريو “ينبغي على الولايات المتحدة أن تمنح الحكومة السورية الجديدة فرصة، وعليها أن تسحب قواتها من البلاد، مما يسمح لدمشق باستعادة السيطرة على المحافظات الزراعية والغنية بالنفط في شمال شرق سوريا. ومع ذلك، تحتاج واشنطن أولا إلى ضمانات بأن لدى الشرع وهيئة تحرير الشام القدرة والإرادة لإبقاء داعش تحت السيطرة، وأن الحكومة الجديدة ستضمن سلامة أكراد سوريا ودمجهم، وإذا لزم الأمر تنأى بنفسها عن أنقرة للقيام بذلك."
وقالت المجلة إن رفع الولايات المتحدة العقوبات المفروضة "سيسمح بالاستثمار الأجنبي في سوريا ويتيح للحكومة الوصول إلى النظام المصرفي الدولي."
ويرى محللون أنه يتعين الآن على الشرع ورجاله استغلال الفرصة وإثبات أنهم خرجوا من عباءة التنظيمات المسلحة إلى آفاق أرحب لبناء دولة جديدة تتسع لجميع مكوناتها، وعدم السماح لتضارب المصالح بإدخال سوريا في دوامة جديدة ربما تكون أشد وطأة مما شهدته خلال السنوات الماضية.