اخبار الإقليم والعالم
السياسات الاقتصادية للحكومة تثير غضب رجال الأعمال في مصر
قررت الحكومة المصرية تشكيل مجموعة استشارية لبحث مقترحات وشكاوى رجال الأعمال، بعد موجة غضب ظهرت ملامحها خلال اجتماع رئيس الحكومة مصطفى مدبولي مع عدد من المستثمرين للخروج من الأزمة الاقتصادية.
وأظهر اللقاء عمق غضب رجال الأعمال في مصر من الرؤية الاقتصادية للحكومة، ودأب كل منهم خلال الاجتماع على إظهار مساوئ القرارات التي يُدار بها الاقتصاد، وكيف تسببت في تأزم الموقف حتى وصلت الأزمة إلى منحنى خطر يستوجب تغيير سياسات الحكومة تغييرا جذريا.
وتزامن الاجتماع مع معاناة البلاد من أزمة تضخم وديون خارجية وتذبذب في موارد الدولة من العملات الأجنبية، ما جعل النظام يستعين بوجوه قديمة لها خبرة اقتصادية، لكن الرسائل التي وصلت إلى الشارع كانت محبطة، لأن اللقاء أشّر على أن الحكومة أخفقت ولجأت إلى أقطاب الصناعة والاقتصاد لإنقاذها.
ورغم أن الاجتماع عُقد الأربعاء ظلت تداعياته الشعبية والسياسية مستمرة، حيث أذيع على الهواء مباشرة، وأظهرت المقترحات التي عرضها رجال الأعمال أن الخبراء والمواطنين العاديين أنفسهم كانوا على صواب عندما انتقدوا بعض السياسات.
واتهم رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى الحكومة بأنها سبب ارتفاع معدلات التضخم وليس القطاع الخاص، معقبا بأن “رجال الأعمال يدفعون فاتورة لا ذنب لهم فيها، عندما تصل معدلات الفائدة إلى مستوى 32 في المئة،” وهي الشكوى التي دعمها رجل الأعمال نجيب ساويرس رغم عدم حضوره.
وقال ساويرس عبر حسابه الشخصي على موقع إكس إن الشكوى التي تحدث عنها هشام طلعت مصطفى بشأن تأثير ارتفاع سعر الفائدة على أرباح القطاع الخاص “كلام صحيح تماما، نحن نعمل بخسائر، خاصة في قطاع البناء والتنمية العقارية، لأن التضخم والفوائد يأكلان الأرباح ويسببان خسائر.”
وانتقد رجل الأعمال أحمد عز، المحسوب على نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، الحكومة لأن سياساتها تسببت في انخفاض معدلات النمو في قطاع البناء إلى مستويات قياسية، وأصبح أغلب المصريين ممنوعين من البناء بسبب قرارات غير مبررة، كما انتقد وقف التوظيف في الحكومة حتى شاخ الجهاز الإداري للدولة.
وظهر رئيس الحكومة في تعقيبه على رجال الأعمال كأنه قليل الحيلة، لا يستطيع إقناعهم بالسياسة الاقتصادية التي تُدار بها الدولة، ما بعث برسائل سلبية عن الوضع المالي للدولة، بعد أن ظهر عمق الأزمة وتباعد المسافات بين ما تخطط له الحكومة وما يطرحه رجال الأعمال من أزمات معقدة.
وترى دوائر سياسية في القاهرة أن بث لقاء مدبولي برجال الأعمال، وما حمله من انتقادات حادة للحكومة، خطوة تُحسب للنظام وليس عليه، لكنها تسببت في توسيع الفجوة بين الشارع والحكومة في توقيت سياسي حرج، بعد أن ظهرت شبه عاجزة عن إيجاد حلول وتريد من رجال الأعمال إنقاذها بحلول ناجزة.
وترتبط المشكلة بأن اللقاء أحرج الحكومة في عدة ملفات بدت خلالها كأنها تخدر الرأي العام عبر الإيحاء بأن معدلات الاستثمار في مصر ترتفع، وأن الاقتصاد المصري قوي مهما بلغت التحديات، وهناك إنجازات حكومية كثيرة لا يشعر بها الناس بسبب الشائعات التي تحاك ضد مؤسسات الدولة.
وكانت المفاجأة أن مئات الشركات الكبرى خرجت من مصر إلى دول عربية بسبب القيود الحكومية، وارتفاع معدلات الديون، والسياسات التي أعلنتها الحكومة لتذليل عقبات الاستثمار وخفض الدين وزيادة معدلات التنمية لم تتحقق على الأرض.
ولم تفلح ردود مدبولي وتصحيح بعض المغالطات التي ذكرها عدد من رجال الأعمال في تبييض صورة الحكومة أمام الشارع عقب تأكيده انخفاض الدين المحلي والخارجي، حيث بدت الأرقام التي تداوم الحكومة على إعلانها للرأي العام مغايرة لما يسوقه بعض المستثمرين، لأن الكثيرين صدقوا رجال الأعمال.
وجرى توظيف اللقاء وفق أهواء كل شريحة، فهناك من حاول تبريره بأنه محاولة لعودة رجال مبارك إلى المشهد الاقتصادي ثم السياسي، باعتبار أنهم يمتلكون حلولا للأزمة الراهنة، وآخرون فسروا الحدث على أنه مقدمة لإقالة الحكومة بعد أن تم حرقها على الهواء مباشرة، وظهرت غير قادرة على إنقاذ البلاد، وهناك فئة اعتبرت اللقاء مع رجال القطاع الخاص ومناقشتهم رسالة إيجابية لصندوق النقد الدولي.
وقال أمين عام حزب المحافظين طلعت خليل إن “الحكومة لا تحتاج إلى من يحرقها سياسيا وشعبيا، لأنها حرقت نفسها بأيديها،” ولقاء مدبولي مع رجال الأعمال محاولة أخيرة لإنقاذ الموقف قبل فوات الأوان.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة ترفض الاعتراف بأن الأزمة السياسية أساس الأزمة الاقتصادية، مفسرا ذلك بقوله “عندما يغيب مجلس النواب ولا يمارس دوره الرقابي والتشريعي على سياسات الحكومة، من الطبيعي أن تصل الأزمة إلى طريق مسدود.”
ولفت إلى أن غياب الرقابة السياسية وهيمنة الصوت الواحد في الإعلام والأحزاب أقنعا الحكومة بأنها تسير في طريق الصواب، رغم أن المعارضة بح صوتها وهي تنادي بضرورة إجراء مراجعات وتقديم الأولويات على الإنفاق التنموي والمشروعات وتغيير دفة التنمية، لكن الحكومة لم تستمع لها.
واستثمرت منابر إخوانية ما جاء في لقاء مدبولي ورجال الأعمال إلى حد تصعيد الخطاب ضد الرئيس عبدالفتاح السيسي نفسه، رغبة في البحث عن ثغرة أو موقف لإحراجه سياسيا، واتهام حكومته بالفشل في حل الأزمة الاقتصادية، ما دفعه إلى اللجوء إلى رجال نظام مبارك الذين اتهم بعضهم بالسرقة وإهدار المال العام.
وترتبط مخاوف البعض بأن رجال أعمال مبارك 2011 لديهم رؤية اقتصادية تختلف عن توجهات السيسي، لكن هناك من يرى أن تلك نقطة إيجابية تعبر عن عدم تمسك السلطة بوجهة نظر تسببت في بعض العثرات ودليل مراجعة للسياسات الخاطئة.
وعبّر معارضون عن مخاوفهم من أن يكون وجود رجال أعمال من النظام القديم في صدارة حل الأزمة الاقتصادية مقدمة للزواج بين السلطة والثروة ليحتكر أصحاب المال حلول المشكلة بشكل يجعلهم يمتلكون قوة سياسية يحافظون بها على مصالحهم.
وكسب النظام إشادة من كثيرين اعتبروا الخطوة إيجابية، لأنها تبدد الاتهامات التي توجه للحكومة بشأن تعمدها تقويض دور القطاع الخاص ولا تستمع للمختلفين معها، وأظهرت أن السلطة لا تتحرك بأهواء أشخاص ومستعدة للاستعانة بوجوه قديمة لها خبرات بعيدا عن الحقبة السياسية التي عملت من خلالها.
وبقطع النظر عن تبعات اللقاء سياسيا، ظهر النظام أكثر صلابة في مواجهة الحملة التي طالته بعد لقاء مدبولي ورجال الأعمال، حيث لم يكترث بخطاب تحطيم المعنويات، وتعامل بعقلانية دون أن يحشد ضد أي مستثمر انتقد الحكومة.