اخبار الإقليم والعالم
وزارة الرياضة تكافح واتحاد كرة القدم متورط
تسبب الكشف عن تورط محمد زيدان نجم المنتخب المصري لكرة القدم سابقا والمحلل الرياضي في قنوات أون تايم سبورت في الترويج لموقع مراهنات رياضية في إزاحة الستار عن تفاصيل مثيرة في ملف المراهنات الكروية بمصر.
ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية حول حجم سوق المراهنات الرياضية لأن هذه الأنشطة غير مقننة في مصر، إلا أن هناك تقديرات غير رسمية نشرها موقع “مايتي تيبس” الليتواني والمتخصص في تقديم نصائح وتوقعات رياضية مجانية للمراهنات، أشارت إلى أن سوق المراهنات الرياضية المصرية بلغت قيمتها نحو 1.2 مليار دولار عام 2020، مع إنفاق متوسط يبلغ حوالي 100 دولار شهريا لكل مستخدم منخرط في هذه الأنشطة.
يعود تاريخ الإعلان عن تعاون محمد زيدان مع موقع المراهنات الرياضية إلى العاشر من شهر أكتوبر الماضي، ثم أعاد الموقع نشر الإعلان مجددا قبل أيام على صفحته في إنستغرام، حيث ذكر فيه أن نجم منتخب الفراعنة السابق سيكون سفيرا له في مصر داعيا المواطنين إلى المشاركة في المراهنة على نتائج مباريات الدوري المصري.
الصفحة التي نشرت الإعلان تحمل عنوان Melbet مصر، وهي بحسب التعريف المرفق في الصفحة الممثل الرسمي للشركة العالمية التي تحمل نفس الاسم، وهي الشريك الإقليمي الرسمي لنادي يوفنتوس الإيطالي، بحسب ما ذكرته.
ضجة متأخرة
اندلعت الضجة حول الموضوع أخيرا، بعد أن تناولته بالنقد بعض القنوات التي تصدر من تركيا، والمحسوبة على جماعة الإخوان المحظورة في مصر، ما دفع وسائل الإعلام المصرية إلى مناقشة الموقف القانوني للاعب السابق، وما إذا كان ما فعله يضعه تحت طائلة العقوبات أم لا، كما قوبلت مشاركة زيدان مع موقع المراهنات بغضب واضح من المئات على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروا محمد زيدان يشجع الشباب على المقامرة من أجل كسب المال الحرام، ويساهم في “خراب” بيوت المصريين.
سارعت وزارة الشباب والرياضة المصرية إلى التنصل من علاقتها ونفي ما تردد عن قيام الوزارة بمنح ترخيص لموقع المراهنات الذي ظهر زيدان في الإعلان عنه.
وأكد المتحدث باسم الوزارة محمد الشاذلي أنها قامت باتخاذ عدة إجراءات تجاه الشركة التي قام زيدان بالترويج لها، وتم التأكد من عدم وجود ترخيص أو إشهار لأي شركة تتعامل مع شركة المراهنات، وتم حجب العديد من التطبيقات داخل مصر.
وأضاف المتحدث “اكتشفنا أن بعض الشباب المصري يعمل في تلك الشركة وترخيصها من قبرص، وللأسف يتم الدخول لها عبر الإنترنت، وتم القبض على أكثر من 25 شخصا من خلال وزارة الداخلية، يعملون في موضوع المراهنات، وقمنا بالتواصل مع الجهات المعنية في الدولة لإغلاق كل السبل التي تسمح للشباب بالوصول إلى مواقع المراهنات.”
وذكر موقع “مايتي تيبس” أن أبرز الفئات المشاركة هي من الشباب في الفئة العمرية من 20 إلى 35 عاما، يقدمون على مواقع المراهنة مدفوعين بحلم الربح السريع وسهولة الوصول إلى التطبيقات والمنصات المخصصة.
وعبر حسبة رياضية بسيطة يمكن تقدير عدد المشاركين في مواقع المراهنة من المصريين بحوالي 12 مليون شخص، بمعدل إنفاق مئة دولار لكل مراهن، وهو رقم كبير وغير منطقي، ولم يوضح الموقع ما إذا كانت التقديرات التي ذكرها تخص المراهنات على المسابقات المحلية في مصر فقط، أم تشمل المراهنات على المباريات في الدوريات الأوروبية، والأحداث الرياضية العالمية.
وهناك 5 مواقع دولية للمراهنات على الأقل تتيح إمكانية المراهنة على نتائج مباريات المسابقات المحلية في مصر، مثل الدوري الممتاز والكأس، وتزعم تلك الموقع أنها مضمونة في التعامل معها بموجب تراخيص دولية تحصل عليها، مثل ترخيص كوراساو، وهي هيئة تنظيمية تقوم بفرض رقابة دائمة على مواقع مراهنات الدوري المصري والتأكد من عدم قيامها بالاحتيال على المشاركين فيها.
وتتيح تلك المواقع للراغبين في المراهنة الدفع باستخدام بطاقات الائتمان والعملات المشفرة والتحويلات البنكية، بجانب المحافظ الإلكترونية على غرار السكريل والنتلر، من أجل تسهيل التعامل معها بعيدا عن الرقابة البنكية المصرية.
وتشمل المراهنة على نتائج المباريات، وتفاصيل أكثر تحديدا، مثل عدد الأهداف أو اللاعبين الذين يسجلون أو نتيجة الشوط الأول، وعدد البطاقات الملونة في المباراة.
حاول محمد زيدان الذي سبق وأن لعب لعدة أندية ألمانية خلال مسيرته الاحترافية أبرزها بروسيا دورتموند، الدفاع عن نفسه بالقول إنه لم يكن هدفه الترويج للمراهنات، بل للمسابقات الرياضية مثل توقع نتائج المباريات، واتفاقه مع الموقع لم يكن من أجل الدعاية للمراهنات، لكن فقط لتوقيع القمصان التي سيجري توزيعها على الفائزين، وأنه عربي ومسلم ولا يسمح لنفسه بالترويج للمراهنات غير القانونية والمحرمة.
ولا يعد زيدان أول نجم كروي مصري يرتبط أسمه بمواقع المراهنات، إذ سبق وأن تحدث باسم مرسي مهاجم الزمالك ومنتخب مصر السابق، خلال مقابلة على بودكاست
رياضي بعنوان “من الجول للجول” في يوليو الماضي عن أن بعض اللاعبين يشاركون في مراهنات تتضمن تعليمات بتنفيذ أفعال محددة، مثل الحصول على إنذار في وقت معين مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 10 و20 ألف جنيه (الدولار= 50 جنيها) أو المساهمة في استقبال أهداف لصالح مراهنين، مؤكدا أن هذه الظاهرة منتشرة بين لاعبين في أندية مختلفة، بما في ذلك أندية كبرى في الدوري المصري.
من المتورط؟
نفت رابطة الأندية المصرية المحترفة وجود أدلة تثبت صحة الادعاء بانتشار المراهنات، داعية اللاعبين والإعلاميين إلى تجنب الحديث في موضوعات شائكة مثل هذه من دون امتلاك أدلة منعا لإثارة البلبلة في الوسط الرياضي المصري.
اللافت أن اتحاد الكرة الحالي سمح بنشر إعلان على موقعه الرسمي في يوليو من عام 2023 تحت عنوان “توقع واكسب مليون جنيه”، دعا فيه جمهور الكرة المصري إلى المشاركة في مسابقة توقعات رياضية تشمل الدوري الممتاز، وتضمن الإعلان إمكانية شراء “عملات توقعات” للمشاركين عبر الإنترنت.
ورغم تدخل وزارة الشباب والرياضة لإجبار اتحاد الكرة على حذف الإعلان من منصاته، بجانب تشكيل لجنة لتقصي الحقائق والتحقيق في الأمر، لم تعلن نتائج التحقيق حتى الآن رغم أن المدة القانونية لانتهاء عمل مجلس إدارة الاتحاد الحالي تنتهي في العاشر من ديسمبر المقبل.
وتم تداول مقطع فيديو في أكتوبر الماضي ظهر فيه النجم المصري محمد صلاح لاعب ليفربول الإنكليزي، وهو يروج لمنصة مراهنات رياضية، وانتشر الفيديو بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن يكشف الخبراء عن بعض الدلالات التي تثبت أنه غير حقيقي (مزيف) وتمت معالجته باستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث لاحظوا أن حركات الشفاه لم تكن متناسقة مع الكلام المسجل.
قال محمد قطب المحامي المتخصص في قضايا المراهنات إن النجم السابق محمد زيدان لم يخالف قانونا محددا في مصر، مشيرا إلى أن القانون المصري لا يملك نصوصا واضحة ومحددة تتعلق بعقوبة المشاركين في المراهنات الإلكترونية، لكنه يعتبر المراهنات عموما شكلا من أشكال القمار الذي يُجرم بموجب قانون العقوبات.
وتنص المادة 339 من قانون العقوبات المصري على أن من يدير مكانا للمراهنات أو القمار أو يشجع الآخرين على ذلك يعاقب بالسجن أو الغرامة.
أما بالنسبة للمراهنات الإلكترونية فيتم التعامل معها باعتبارها نوعا من الجرائم الإلكترونية إذا استُخدمت فيها منصات على الإنترنت، وفقا لقانون الجرائم الإلكترونية رقم 175 لسنة 2018، وتشمل العقوبات الغرامات المالية أو السجن.
وعلى الرغم من وجود مواد قانونية تكفل التعامل مع مواقع المراهنات، إلا أن هناك ضعفا في الرقابة على المراهنات الإلكترونية بسبب صعوبة تتبع العمليات التي تتم عبر مواقع دولية أو باستخدام العملات الرقمية.
لم يفوت الأزهر فرصة الجدل الدائر حول زيدان ومواقع المراهنات الرياضية لإلقاء الضوء مجددا على تحريم المراهنة، حيث قال الشيخ إبراهيم رضا من علماء الأزهر الشريف إن المراهنات نوع من أنواع المقامرة المحرمة شرعا، والاشتراك في الترويج لتلك التطبيقات يأثم فاعله ويتحمل وزر خسارة أموال من تم تضليلهم.
وجدد الشيخ رضا بتصريحه موقف الأزهر الذي كان قد نشر في مارس من العام الحالي فتوى عبر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بأن المراهنات التي يجريها المشاركون على المواقع والتطبيقات المختلفة ويدفعون أموالا في حساباتها، ثم يأخذ هذه الأموال الفائز منهم فقط، ويخسر الباقون، لهي عين القمار المحرم.
ويعد كسب القمار مالا خبيثا يرد على أصحابه، ولا يخلو من شقاق وتشاحن وبغضاء، ويؤثر سلبا على الدخل الأسري والاستقرار المادي ما يهدد الاستقرار العائلي، ويؤدي إلى كثرة المشكلات الزوجية وارتفاع نسب الطلاق.
عقوبات الفيفا
عدد المشاركين في مواقع المراهنة يقدر بنحو 12مليون شخص، مع متوسط إنفاق يصل إلى 100 دولار لكل مراهن
يتعامل الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) مع قضية المراهنات بجدية بالغة من خلال لوائح الانضباط والأخلاقيات الملزمة للاتحادات القارية والمحلية التابعة له، وتمنع تلك اللوائح كل لاعب، ومدرب، وحكم، ومسؤول مرتبط بكرة القدم، المراهنة على المباريات أو المسابقات التي ينظمها “الفيفا” أو أي اتحاد محلي أو قاري ويفرض على المخالفين عقوبات تتراوح بين الغرامات المالية والإيقاف عن ممارسة أي نشاط رياضي لفترة محددة، وفي بعض الحالات يمكن شطب اسم اللاعب أو المسؤول من الفيفا ومن ثم منعه من ممارسة كرة القدم الاحترافية نهائيا.
ويعد الدولي الإيطالي ساندرو تونالي لاعب نيوكاسل الانجليزي واحدا من أشهر اللاعبين الذين عوقبوا بسبب تورطه في المراهنات عندما كان لاعبا في صفوف ميلان الإيطالي قبل ثلاثة مواسم، حيث تم إيقافه عن ممارسة أي نشاط رياضي لمدة عشرة أشهر بعد اعترافه بالمشاركة في المراهنة على مباريات الدوري الايطالي، مع إلزامه بالخضوع لدورات تأهيلية تهدف إلى علاجه من إدمان القمار، والمشاركة في أنشطة توعية عامة في المجتمع الرياضي بإيطاليا ضد المراهنات.
ويواجه الدولي البرازيلي لوكاس باكيتا لاعب وست هام الإنجليزي عقوبة محتملة قد تصل إلى شطبه من سجلات “الفيفا” نهائيا، إذا جرت إدانته في الاتهامات التي يتم التحقيق فيها منذ فترة وأكدت تعمد اللاعب الحصول على بطاقات ملونة خلال مباريات فريقه لتحقيق مكاسب من رهانات أو مساعدة آخرين على ذلك، وتم اكتشاف أن بعض هذه الرهانات جرت من حسابات مسجلة باسمه في جزيرة قريبة من ريو دي جانيرو في البرازيل.