تقارير وحوارات
انتفاضة نوفمبر 2019 في إيران: ميثاق فشل نظام ولاية الفقيه
في 15 نوفمبر 2024، أحيا الإيرانيون ذكرى انتفاضة نوفمبر 2019، وهي حدث اتسم بشدة راديكاليته وتضحيات أكثر من 1500 شهيد. وتُعد هذه الانتفاضة، وفقاً للخبراء في الحركات الاجتماعية، امتداداً لاحتجاجات ديسمبر 2017، وقد وجهت ضربة أخرى لنظام ولاية الفقيه. ووُصفت هذه الانتفاضة بأنها اختبار مهم لـ«استراتيجية وحدات الانتفاضة» التي كانت قيد التنفيذ.
بعد هذه الاحتجاجات، خرج نظام خامنئي أضعف من أي وقت مضى، حيث ظهرت أركانه هشة ومنهكة، بينما نجحت وحدات الانتفاضة في اجتياز اختبارها الصعب. الراديكالية التي هيمنت على هذه الانتفاضة كانت بلا شك تجسيداً للغضب الثائر الذي تم توجيهه عبر أدوات المقاومة، بما في ذلك زجاجات المولوتوف والوسائل الأخرى.
وعمّقت انتفاضة نوفمبر 2019 الانقسامات السياسية داخل إيران. إذ أصبح التمييز بين المدافعين عن الإصلاح داخل النظام ودعاة البديل الديمقراطي أكثر وضوحاً. ولم تقتصر هذه الاستقطابات على الداخل فقط؛ ففي الخارج، ندد مؤيدو النظام بالانتفاضة ووصفوها بأنها «كارثة»، متهمين المقاومة بتشجيع العنف. وجاءت هذه الانتقادات مشابهة تماماً لما حدث في أعقاب احتجاجات 2022.
هذه المواقف كشفت مراراً خداع ما يسمى بالتيار المعتدل الذي يظهر كحامٍ للنظام. وتحذيراتهم المتكررة من سقوط النظام وظهور بديل ديمقراطي تظهر انحيازهم للحفاظ على النظام. ورغم ذلك، لا تزال مقاومة الشعب الإيراني ثابتة، مدفوعة بطموحات الحرية والديمقراطية وإقامة حكومة مدنية غير دينية.
وأبرزت شعارات وانتفاضة نوفمبر 2019 طبيعتها الثورية وهدفها للإطاحة الكاملة بنظام ولاية الفقيه. وعلى الرغم من القمع الشديد والدعوات للاستسلام، عززت الحركة صلاتها بالمقاومة المنظمة، مما منحها مزيداً من القوة والاستمرارية. وقد ساهمت هذه المقاومة، من خلال جهودها السياسية والعسكرية، في ضرب النظام في عمق استقراره.
واستعراض جذور هذه الانتفاضة يكشف عن تاريخ طويل من المقاومة، التي رفضت عبر السنين كافة أشكال التهادن مع النظام. ويعكس هذا التاريخ التزاماً واضحاً بالوسائل الثورية كاستراتيجية وحيدة للإطاحة بالنظام. في نوفمبر 2019، تجسدت هذه الاستراتيجية بشكل جماهيري وواسع النطاق، مما عكس الإرادة الجماعية للتغيير الجذري.
وأقر مسؤولون بارزون في النظام، مثل مجتبى ذو النوري، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان آنذاك، بالطبيعة المنظمة للاحتجاجات. ووصف ذو النوري المتظاهرين بأنهم «مدربون» ومنظمون في «فرق من أربعة إلى ثمانية أفراد»، مجهزين بأدوات خاصة قادرة على تعطيل البنية التحتية الحيوية. كما أشار إلى انتشار المواجهات بشكل واسع، مع تسجيل 147 اشتباكاً في طهران وحدها و800 اشتباك في أنحاء البلاد في يوم واحد.
وأضاف ذو النوري أن النظام اضطر إلى قطع الإنترنت لتعطيل تنسيق المتظاهرين، وهي خطوة تعكس حجم الخوف من التنظيم والإعداد لهذه الانتفاضة. وأشار أيضاً إلى نجاح المتظاهرين في السيطرة على مراكز الشرطة والحصول على الأسلحة، مما زاد من قلق النظام من احتمال توسع الانتفاضة.
ومع مرور الذكرى الرابعة لانتفاضة نوفمبر 2019، لا تزال أحداثها محفورة في ذاكرة الإيرانيين. وقد أظهرت احتجاجات 2022، التي استمرت لأكثر من عشرة أشهر، مستوى أعلى من الراديكالية والخطر على النظام. ورغم استمرار القمع، يظل عزم الشعب الإيراني على التغيير قوياً.
وتشير الأوضاع الاجتماعية المتفجرة في إيران إلى أن انتفاضة جديدة قد تلوح في الأفق. إن الذاكرة الجماعية للشعب تجاه جرائم النظام، إلى جانب التزامه المشترك بالحرية والديمقراطية، يشكلان وقوداً لهذه التحركات. يظل الإيرانيون ثابتين على عهدهم بإسقاط النظام وتحقيق إيران حرة وديمقراطية، وهو وعد يجمع كافة المواطنين الأحرار والمقاومين في البلاد.