تقارير وحوارات
استعصاء الأزمة المالية عن الحلّ يحوّل أنظار الشرعية اليمنية نحو المزيد من المساعدات السعودية
برز الدعم المالي السعودي المباشر للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا مجدّدا كحلّ وحيد وعاجل للتخفيف من حدّة الأزمة المالية والاقتصادية وتأثيراتها الاجتماعية وحتى السياسية التي قد تطال استقرار السلطة الشرعية بحدّ ذاتها وتماسها الداخلي والشراكة بين مكوّناتها.
وتحدّثت مصادر إعلامية عن منحة مالية كبيرة تستعد الرياض لتحويلها إلى البنك المركزي اليمني قريبا، فيما شكر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي السعودية على استجابتها لاحتياجات الشعب اليمني.
وتعقّدت خلال الفترة الماضية الأوضاع المالية والاقتصادية في مناطق سيطرة الشرعية اليمنية بشكل غير مسبوق وألقت بتأثيراتها على الأوضاع الاجتماعية والأحوال المعيشية لسكان تلك المناطق وقلّصت من الخدمات العامّة المقدّمة لهم وأشاعت حالة من الاحتقان في صفوفهم منذرة بانفجار وشيك في الشارع.
وباتت تلك الأوضاع تهدّد استقرار الشرعية وشراكتها مع أحد أبرز المكوّنات، المجلس الانتقالي الجنوبي الغاضب من أداء حكومة أحمد عوض بن مبارك في مناطق الجنوب التي يعتبرها الانتقالي مناطق نفوذ له ومجالا لتأسيس دولة الجنوب المستقلّة التي يرعى مشروعها.
وتحرص السعودية بما تقدّمه من دعم للحكومة اليمنية على ضمان استقرار الشرعية التي تعتبرها طرفا ضروريا في المعادلة اليمنية قام في السابق بدور في مواجهة جماعة الحوثي سياسيا وعسكريا، وتناط به حاليا المشاركة في مسار سياسي باتجاه إيجاد حلّ سلمي للصراع في اليمن.
وقالت المصادر إنّ المنحة السعودية لليمن قد ترتفع هذه المرة إلى مليار دولار. ورغم أنّ الرقم يبدو كبيرا إلاّ أنّه قد يكون مناسبا لحجم الأزمة وسدّ المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة المترتّبة عنها.
وقال الصحفي اليمني عبدالرحمن أنيس نقلا عن مصدر مصرفي وصفه بالخاص إن “محافظ البنك المركزي أحمد غالب المعبقي سيعود الأسبوع القادم إلى عدن، بالتزامن مع تعزيز البنك المركزي بمليار دولار كمنحة من السعودية.”
وأوضح في منشور عبر منصّة إكس أنّ المبلغ “سيتم تخصيصه لعشرين مزادا لبيع الدولار قيمة كل مزاد خمسين مليون دولار”، إلى أن “قيمة المزادات ستخصص لدفع مرتبات موظفي القطاع العام وتمكين الحكومة من الإيفاء ببعض التزاماتها.”
وشرح المصدر وفقا لأنيس أن “انقاذ العملة الوطنية وإعادتها الى مستوى يتناسب مع مرتبات الموظفين يتطلب ضخ ما لا يقل عن 8 مليارات دولار، ولا بوادر عن استعداد أي دولة شقيقة أو صديقة لضخ هذا المبلغ إلى السوق اليمنية.”
ونتجت الأزمة الحالية بشكل أساسي عن شحّ الموارد المالية بعد أن فقدت الشرعية اليمنية موردها الرئيسي المتمثّل في عائدات النفط الذي توقّف تصديره بسبب استهداف جماعة الحوثي لمنْفَذي تصديره، ميناء الضبة في حضرموت وميناء النشيمة في شبوة.
ولا يلوح إلى حدّ الآن أي استئناف وشيك للتصدير. وقال المصدر الذي نقل عنه الصحفي أنيس إنّ “طلب الحكومة بإعادة تصدير النفط الخام لا يلقى قبولا عند الأشقاء والأصدقاء الذين يرون أن التصدير قد يعني تصعيدا ضد الميليشيا الحوثية، وأنه يجب أن يتم التصدير بعد اتفاق اقتصادي شامل، وفقا لنصوص خارطة السلام المُجمّدة.”
وتواصل السعودية تقديم الدعم المالي للسلطة اليمنية المعترف بها دولها على الرغم من إعلانها في وقت سابق عن تخليها عن نهج تقديم الدعم المجاني وغير المشروط لأي أطراف خارجية.
وقامت المملكة منذ مطلع العام الجاري بضخّ أكثر من ربع مليون دولار إلى البنك المركزي اليمني في عدن في عملية تأتي بمثابة زخّة أوكسيجين في رئة الوضع الاقتصادي والمالي في مناطق السلطة الشرعية الذي شارف خلال الفترة القريبة الماضية على الانهيار.
ولا ترغب السعودية في ارتخاء قبضة السلطة اليمنية على المناطق الخارجة عن سيطرة الحوثيين في وقت تعمل فيه على الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الهدوء في تلك المناطق بانتظار التمكّن من الدفع بالحل السياسي المنشود لليمن ككل.
وفشلت إلى حدّ الآن جميع محاولات وقف الانحدار المتواصل في قيمة الريال اليمني والذي تسبب بموجة غلاء غير مسبوقة في أسعار المواد الأساسية، في بلد تجاوزت فيه نسبة الفقر متعدد الأبعاد ثمانين في المئة بحسب تقرير سابق لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومبادرة أكسفورد للتنمية البشرية.
وبدأت الأزمة تلقي بظلالها على مزاج الشارع المرهق أصلا من الغلاء المشطّ في الأسعار بسبب ارتفاع نسبة التضخّم، ومن سوء الخدمات الذي أصبح الانقطاع المتكرر والمتواصل للكهرباء عنوانا رئيسيا له.
وانطلقت في الأسابيع الأخيرة شرارة احتجاجات شعبية في عدد من المدن من بينها تعز بجنوب غرب اليمن، والمكلا بمحافظة حضرموت شرقا رُفعت خلالها شعارات منذرة بتفجر ثورة جياع.
السعودية تحرص بما تقدّمه من دعم للحكومة اليمنية على ضمان استقرار الشرعية التي تعتبرها طرفا ضروريا في المعادلة اليمنية
ويشكّل شمول الاحتجاجات لمناطق جنوبية واقعة ضمن نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي الساعي لتأسيس دولة الجنوب المستقلّة مبعث قلق للمجلس الشريك للشرعية اليمنية والممثل في مؤسّساتها بما في ذلك مجلس القيادة الرئاسي بقيادة رشاد العليمي، على استقرار مناطقه وأيضا على شعبيته وسمعته لدى سكّانها.
وتأتي المساعدات الخارجية بما في ذلك الودائع السعودية بمثابة مسكنات ظرفية تبقي على الأزمات الاقتصادية والمالية في مناطق الشرعية اليمنية عند سقف محدّد لكنّها لا تحلّها بشكل جذري، كونها غير مخصصة للاستثمار في التنمية وخلق الثروة وتوفير مناصب الشغل، بل موجّهة رأسا إلى الاستخدام في صرف رواتب الموظّفين وسدّ العجز في المخصّصات التشغيلية للأجهزة الحكومية.
وتحوّل البحث عن مصادر للمساعدات بمثابة متوالية تحكم عمل الهياكل القائمة على إدارة الأوضاع المالية في مناطق الشرعية.
وبذل محافظ البنك المركزي أحمد المعبقي ووزير المالية سالم بن بريك قبل فترة محاولات للحصول على تمويل خارجي عربي ودولي وذلك من خلال عقدهما سلسلة من الاجتماعات في واشنطن مع رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي فهد التركي بهدف النظر في إمكانية حصول اليمن على موارد مالية من الصندوق.
كما وضع المعبقي وبن بريك، رئيسةَ بعثة صندوق النقد الدولي إلى اليمن استر بيريز رويز والممثل المقيم للصندوق في اليمن والعراق محمد جابر في صورة “مستجدات الوضع الاقتصادي والإنساني في اليمن في ظل النقص الحاد في الموارد الحكومية نتيجة توقف الصادرات النفطية وزيادة الطلب على العملة الأجنبية لتغطية فاتورة الاستيراد، وتأثيرات ذلك على العجز في ميزان المدفوعات.”
ودخلت الشرعية بسبب الأزمة في ما يشبه حالة طوارئ سياسية، حيث استدعت صعوبة الوضع متابعة مستمرة من قبل الرئيس العليمي.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية اليمنية “سبأ” في نسختها التابعة للشرعية إنّ رئيس مجلس القيادة الرئاسي المتواجد حاليا خارج اليمن أجرى اتصالا هاتفيا برئيس الوزراء أحمد عوض بن مبارك للاطلاع على مستجدات الأوضاع الاقتصادية والخدمية وفي المقدمة المتغيرات المتعلقة بتقلبات أسعار الصرف والسلع الأساسية والجهود الحكومية لتسريع تنفيذ خطة الانقاذ الاقتصادي.
وفي إشارة أوحت بوجود مساعدة مالية سعودية جديدة قالت الوكالة إنّ رئيس مجلس القيادة الرئاسي عبّر “عن عظيم شكره وتقديره للأشقاء في المملكة العربية السعودية على استجابتهم الكريمة لاحتياجات الشعب اليمني، بما في ذلك دعمهم المستمر للموازنة العامة للدولة من أجل الوفاء بالالتزامات الحتمية وفي المقدمة دفع رواتب الموظفين وتأمين السلع والخدمات الأساسية للملايين من اليمنيين في جميع أنحاء البلد.”