اخبار الإقليم والعالم
صدام القوى الصلدة والناعمة.. لماذا تخسر أوروبا في حديقة روسيا؟
يصطدم ما يعرف بـ"الحلم" الأوروبي بـ"القبضة الروسية"، والقوة الناعمة بتلك الصلدة، في الدول المنتمية لأوروبا الشرقية، وتسعى للانضمام للتكتل الأوروبي.
وفي يونيو/حزيران 2022، أي بعد أربعة أشهر من بداية الحرب في أوكرانيا، رد الاتحاد الأوروبي بأقوى سلاح في ترسانته. إذ مدت بروكسل يدها إلى جرابها وأخرجت منه جزرة.
وبالتحديد، أعلن مسؤولو الاتحاد الأوروبي أنه سيُسمح لأوكرانيا ومولدوفا ببدء المفاوضات لتصبحا جزءًا من الاتحاد.
وفي ديسمبر/كانون الأول من العام التالي، مُنحت جمهورية سوفياتية سابقة ثالثة، وهي جورجيا، نفس "وضع المرشح".
وقبل الهجوم الروسي، حتى مثل هذه الدعوة البعيدة للانضمام إلى التكتل كانت ستوفر تشجيعا قويا للأوكرانيين والمولدوفيين والجورجيين المتلهفين للحصول على جزء من الحلم الأوروبي.
لكنّ الآن يقابل الأوكرانيون الترشح لعضوية التكتل، بتنهيدة يائسة، فالأشياء التي تحتاجها كييف الآن، الذخيرة، وأنظمة الدفاع الجوي، والضغط الحقيقي على الكرملين، غير متوفرة.
تلاشي الحلم
في مولدوفا وجورجيا أيضا تُظهر عمليتان انتخابيتان هذا الأسبوع تلاشي قوة الحلم الأوروبي، وفق مجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
والأحد الماضي صوّت المولدوفيون في استفتاء حول إذا كان ينبغي تثبيت الاندماج في الاتحاد الأوروبي في دستور البلاد. والسبت المقبل سيدلي الجورجيون بأصواتهم في انتخابات برلمانية يشارك فيها حزب حاكم يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه حزب الكرملين.
وفي كلتا الحالتين فإن التصويت بمثابة اختيار بين مستقبل منحاز إلى موسكو أو بروكسل، الشرق أو الغرب -وهو قرار كان من الممكن أن يكون لصالح الاتحاد الأوروبي بشدة منذ وقت ليس ببعيد.
ومع ذلك، بالنسبة لبروكسل فإن النتائج المبكرة أقل من مشجعة، ففي حين تُظهر استطلاعات الرأي وجود أغلبية كبيرة مؤيدة للاتحاد الأوروبي في كلا البلدين، فإن هذا الشعور لا يظهر في صناديق الاقتراع.
وفي مولدوفا، فازت الأصوات المؤيدة للاتحاد الأوروبي بأقل هوامش ممكنة، مما وجه ضربة غير متوقعة لرئيسة البلاد الموالية للغرب مايا ساندو.
أما في جورجيا فمن المتوقع أن يحصل حزب الحلم الحاكم، المسؤول عن تمرير مجموعة من الإجراءات القمعية التي تهدد بترجيح كفة البلاد نحو موسكو، على أكبر عدد من الأصوات.
هنا، علقت مجلة "بوليتيكو" قائلة "في كلتا الحالتين يُعتبر أن التضليل الإعلامي الروسي والحرب الهجينة قد لعبا دورا مهما في التأثير على الرأي العام".
لكن روسيا تنفي مثل هذه الاتهامات، بل ترفض كلية أي اتهامات بالتدخل في شؤون الدول التي كانت تنتمي للكتلة الشرقية السابقة قبل انهيار الاتحاد السوفياتي.
وفي معرض تنديدها بالنتيجة المخيبة للآمال في مولدوفا اشتكت الرئيسة ساندو من "معركة غير عادلة" ضد "القوات الأجنبية".
ويقدّر المسؤولون المولدوفيون أن روسيا أنفقت نحو 100 مليون يورو على حملة التأثير، بما في ذلك شراء نحو 130 ألف صوت من خلال شبكة مشبوهة من الوكلاء المدعومين من موسكو.
فيما يقول النقاد إن العوامل المحلية لعبت دورا أيضا، إذ استخدم العديد من المولدوفيين الاستفتاء للتعبير عن غضبهم من الحكومة.
وبصفة عامة، يطرح التصويت في مولدوفا السؤال: في الوقت الذي تستعرض فيه روسيا عضلات قوتها الصلبة، هل لا يزال بإمكان الاتحاد الأوروبي الاعتماد على وعود القوة الناعمة؟
الحرب والسلام
في كل من مولدوفا وجورجيا تهديد القبضة العسكرية الروسية ليس افتراضياً، فالقوات الروسية متمركزة في منطقة ترانسنيستريا في مولدوفا منذ انفصال المنطقة بدعم من موسكو في التسعينيات.
كما أن القوات الروسية موجودة في منطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا، بعد توغلها هناك في عام 2008.
لكن الحرب في أوكرانيا سلطت الضوء على التهديد بشكل أكثر حدة، إذ لن يفوت الجورجيون ولا المولدوفيون رسالة الكرملين إلى ما يعتبره فناءه الخلفي: تحدونا على مسؤوليتكم.
وقبيل الانتخابات، استغل وكلاء موسكو هذا الخوف من أن تأتي الحرب إلى الديار في البلدين، لجعل الناخبين يشككون في جدوى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ففي نهاية المطاف، وعد الاتحاد بالأمان والازدهار غير مباشر وبعيد المنال، أما احتمال العنف الروسي فهو مباشر وحقيقي، على حد قول "بوليتيكو".
في مولدوفا، استخدم أولئك الذين يشجعون على التصويت بـ"لا" في استفتاء الاتحاد الأوروبي تكتيكا يعكس هذا الخيار المزدوج، إذ قال ديونيس سينوشا، الخبير المشارك في مركز دراسات أوروبا الشرقية "كانت الدعاية واضحة: إذا لم تختاروا ساندو رئيسة، فستنعمون بالسلام".
معلومات مغلوطة
يقول النقاد إنه على الرغم من أن التهديد بالحرب هو أحد المجازات الشائعة التي تنشرها المعلومات المضللة المرتبطة بروسيا في كلا البلدين، فإنه ليس الوحيد.
فقبل الانتخابات في مولدوفا حذّرت مجموعة من الأخبار المزيفة على "تيك توك" و"تليغرام" من أن التصويت لصالح الاتحاد الأوروبي سيطلق العنان لـ"جميع أنواع الشياطين".
وكانت إحدى الخرافات الشائعة هي أن الأوروبيين الأغنياء سييشترون الأراضي. وخرافة أخرى مفادها أن الأطفال المولدوفيين سيخضعون لما يسمى بالقيم غير التقليدية، وفق "بوليتيكو".
بدوره، قال أرتور غوراو، متطوع مولدوفي يبلغ من العمر 38 عاما ساعد في حملة معسكر الاتحاد الأوروبي، إن مخططات شراء الأصوات كانت ناجحة لأن وكلاء روسيا كانوا يعرفون استهداف الشرائح الضعيفة من السكان.
بالنسبة لبعض أولئك الذين يعيشون في بلد مصنف من بين أفقر البلدان في أوروبا فإن دفعة لمرة واحدة بعشرات اليوروهات قد تحدث الفرق بشكل سريع، أكثر من وعود الازدهار في المستقبل.
ويقول غوراو "لم يعد الناس يؤمنون بالوعود، فهم لا يريدون مستقبلا بعد خمس أو سبع سنوات.. إنهم يريدونه الآن".