اخبار الإقليم والعالم
انقلاب دستوري في قطر: العودة إلى تعيين مجلس الشورى بدل الانتخاب
قال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الثلاثاء إن البلاد ستجري استفتاء شعبيا نادرا على مجموعة من التعديلات الدستورية، منها مقترح ينص على عدم إجراء انتخابات لمجلس الشورى، في خطوة تعكس تراجعا عن مسار سابق أفضى إلى انتخاب المجلس في 2021 وما رافقه من أزمة كادت تهدد استقرار المجتمع القطري بعد احتجاجات قبيلة بني مرة على استثناء أبنائها.
وعكس تصريح أمير قطر في كلمته السنوية لافتتاح دور الانعقاد العادي لمجلس الشورى الثلاثاء، واقتراحه استفتاء للتراجع عن مبدأ الانتخاب والعودة إلى التعيين، حجم القلق من الهزة التي سبّبها احتجاج قبيلة بني مرة، وبدا ذلك واضحا في المفردات التي استعملها، مثل “كلنا في قطر أهل”.
ويرى متابعون للشأن القطري أن العودة إلى تعيين أعضاء مجلس الشورى هدفها تطويق نتائج الجدل الذي حصل في المرة الماضية، وهز صورة قطر وكاد يطلق صراعا قبليا في الداخل من الصعب السيطرة عليه والحد من نتائجه على المدى البعيد.
تعيين أعضاء المجلس هدفه تطويق نتائج جدل ما قبل انتخابات 2021 الذي هز صورة قطر وكاد يسبب صراعا قبليا
وإذا كان اللجوء إلى الانتخابات في 2021 حركة استعراضية لإظهار أن قطر تتطور وتستجيب لمطالب منظمات حقوقية دولية، فإن العودة إلى التعيين تهدف إلى ما هو أهم، وهو حماية الاستقرار المجتمعي ودرء فتنة الحراك القبلي، وأن الانتخابات أو الديمقراطية لا تساويان شيئا أمام الاستقرار.
وكان “الاستعراض الديمقراطي” من خلال انتخاب مجلس الشورى في 2021 مرتبطا باستعداد قطر آنذاك لاحتضان فعاليات كأس العالم لكرة القدم سنة 2022. ولم تغير تلك الانتخابات صورة قطر ولم تخفف حدة الانتقادات الحقوقية، وإنما جلبت خطرا على الاستقرار الداخلي أثار مخاوف الأسرة الحاكمة.
وبدا هذا واضحا في حديث الشيخ تميم الثلاثاء حين قال “ليس مجلس الشورى برلمانا تمثيليا في نظام ديمقراطي، ولن تتأثر مكانته وصلاحياته سواء اختير أعضاؤه بالانتخاب أم التعيين”.
وأجرت قطر أول انتخابات في تاريخها عام 2021 لاختيار ثلثي أعضاء مجلس الشورى. وأثارت الانتخابات توترات مع قبيلة بني مرة، وهي واحدة من أكبر القبائل في منطقة الخليج، التي وجد أفرادها أنفسهم غير مسموح لهم بالتصويت في الانتخابات.
وقال الشيخ تميم “غايتان تجمعان التعديلات الدستورية والتشريعية المرتبطة بها: الحرص على وحدة الشعب من جهة، والمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات من جهة أخرى”.
وأضاف أن “التنافس بين المرشحين للعضوية في مجلس الشورى جرى داخل العوائل والقبائل، وهناك تقديرات مختلفة بشأن تداعيات مثل هذا التنافس على أعرافنا وتقاليدنا ومؤسساتنا الاجتماعية الأهلية وتماسكها”، وأن “هناك ملابسات قد تحدث بالانتخابات ونحن في غنى عنها”.
وفي هذا الكلام اعتراف بأن انتخاب مجلس الشورى في 2021 هز الاستقرار المجتمعي، وأن مخاطره كثيرة، وأن الأفضل هو التراجع والقطع مع فكرة التحديث والتطوير، وأن لا معنى لديمقراطية أمام الخطر الذي يمكن أن تنتجه.
كما تضمّن كلام أمير قطر اعترافا مبطنا بخطأ القانون الانتخابي الذي حصر حق الانتخاب في من أصولهم تعود إلى ما قبل 1930، وكان يمكن الإذن بتغيير القانون الانتخابي عبر الاستفتاء ليكون أكثر شمولا وعدلا ويساوي بين الجميع بدلا من إلغاء الانتخابات مطلقا.
وقد تمّ بموجب ذلك القانون توزيع الحق في الترشّح والانتخاب على ثلاث فئات تحقّ لإحداها ممارسة الأَمْرَين معا نظرا إلى كونها حاملة لجنسية قطرية “أصلية” يعود اكتسابها إلى ما قبل سنة 1930، ويحقّ للثانية الانتخاب دون الترشّح لأن أفرادها من المجنسين المولودين في قطر وجدّ كل منهم حاصل على الجنسية القطرية، أما فئة المجنّسين حديثا فلا يحق لها الترشّح ولا الانتخاب.
ووجدت القبيلة، التي تذهب بعض التقديرات إلى أنّ عدد أفرادها يتجاوز الأربعين في المئة من حَمَلة الجنسية القطرية، أنّ مواصفات الفئة الثانية من التصنيف تنطبق عليها، إن لم تكن أصلا قد صمّمت لإقصائها ومنعها من ممارسة دور ولو محدود في عملية اتّخاذ القرار عبر سد الطريق أمامها لمنعها من الوصول إلى مجلس الشورى الذي تمّ انتخاب ثلثي أعضائه (30 عضوا) وعين أمير البلاد الثلث الباقي (15 عضوا).
واختار الشيخ تميم التحضير لـ”الانقلاب الدستوري” على فكرة الانتخابات في ظرف إقليمي يسيطر عليه التصعيد والمخاوف من اتساع الحرب من غزة ولبنان لتشمل المنطقة كلها، ما يجعل الاهتمام الخارجي بالخطوة القطرية محدودا ومن دون انتقادات أو اتهامات بالتراجع عن مسار الانفتاح الذي سبق أن تعهدت به الدوحة.
وجرت الموافقة على أول انتخابات تشريعية في قطر خلال استفتاء دستوري في عام 2003 لكنها لم تجر حتى عام 2021.
ويوافق مجلس الشورى على السياسات العامة للدولة والموازنة، لكنه لا يحدد السياسات الدفاعية والأمنية والاقتصادية والاستثمارية للدولة المنتجة للغاز والتي تحظر الأحزاب السياسية.
ومهمة المجلس تقديم المشورة لأمير قطر بشأن مشاريع القوانين، لكنه لا يضع تشريعات خاصة به. ومن مهامه إقرار الموازنة وسحب الثقة من الوزراء، لكن كل قراراته يمكن نقضها بمرسوم أميري.