اخبار الإقليم والعالم
دبلوماسية أمريكا بين الخارجية و«البنتاغون».. هل انقلبت الأدوار؟
«القليل يمكن كسبه على طاولة المفاوضات ما لم يتم كسبه في ساحة المعركة».. رؤية لطالما تبناها وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كيسنجر، وهو النهج الذي تتبعه واشنطن حاليا.
ومؤخرا، قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر إن واشنطن "تدعم وقف إطلاق النار" في لبنان، بينما تعترف في الوقت نفسه بأن "الضغط العسكري يمكن أن يمكّن الدبلوماسية في بعض الأحيان".
في الآن نفسه، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن واشنطن تفعل "كل ما في وسعها لتعزيز موقف أوكرانيا في ساحة المعركة حتى يكون لها أقوى موقف ممكن على طاولة المفاوضات".
لكن إدارة الرئيس جو بايدن تجاوزت مبدأ كيسنجر بأن الجنرالات يدعمون الدبلوماسيين حيث أصبح الدبلوماسيون الآن يتفوقون على الجنرالات ويدفعونهم.
ذراع متشددة للبنتاغون؟
رغم تعهد الإدارة بفتح "عصر جديد من الدبلوماسية"، تحولت الخارجية إلى الذراع المتشددة للبنتاغون، وذلك وفقا لما ذكره موقع "ريسبونسيبل ستايت كرافت".
وخلال المناقشات داخل إدارة بايدن حول منح الإذن لأوكرانيا بإطلاق صواريخ غربية بعيدة المدى إلى العمق الروسي، كان الدبلوماسيون هم الذين دفعوا إلى التصعيد، في حين جادلت وزارة الدفاع (البنتاغون) ووكالات الاستخبارات من أجل الحذر.
وكان البنتاغون هو الذي نصح بضبط النفس، حيث اعتبر المسؤولون بالوزارة أن الفوائد غير المؤكدة للضربات الأبعد مدى لا تفوق خطر التصعيد.
وأكد وزير الدفاع لويد أوستن أن "الضربات بعيدة المدى في روسيا لن تحول مجرى الحرب لصالح أوكرانيا"، وترى الاستخبارات أن روسيا قادرة على نقل معظم أصولها بسرعة خارج نطاق الضربات.
ليست الأولى
وهذه ليست المرة الأولى التي يتضمن فيها النقاش حول التصعيد جوانب غير متوقعة.
فبعد وقت قصير من اندلاع حرب أوكرانيا، شددت الخارجية الأمريكية على أن "الدبلوماسية الحقيقية" لا تتم في أوقات العدوان، في حين دعا الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، إلى الدبلوماسية.
وقال ميلي إن هدف أوكرانيا ذات السيادة مع أراضيها سليمة يتطلب "حربًا طويلة وصعبة للغاية وستؤدي إلى خسائر بشرية عالية".
وأضاف: "يمكنك تحقيق هذه الأهداف من خلال الوسائل العسكرية.. لكن يمكنك أيضًا تحقيقها من خلال نوع من الوسائل الدبلوماسية".
وفي 15 مايو/أيار الماضي، وقبل أن توافق واشنطن على ضربات محدودة طويلة المدى في روسيا، كانت وزارة الخارجية هي أول من أعطى الضوء الأخضر.
وردا على سؤال بشأن الحظر الأمريكي على استخدام أوكرانيا للأسلحة الأمريكية لشن هجمات على الأراضي الروسية، أجاب بلينكن "لم نشجع أو نمكن من شن ضربات خارج أوكرانيا".
ثم قال "لكن في النهاية يتعين على كييف أن تتخذ قرارات بنفسها حول كيفية إدارة هذه الحرب".
منذ البداية، تخلت الخارجية الأمريكية عن الدبلوماسية، ففي 17 ديسمبر/كانون الأول 2021، اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضمانات أمنية للولايات المتحدة مع مطلب رئيسي بعدم توسع حلف شمال الأطلسي (ناتو) في أوكرانيا.
وبدلاً من التفاوض، كشف ديريك شولت، مستشار بلينكن في وقت لاحق، أن الولايات المتحدة في ذلك الوقت لم تعتبر أن توسع الناتو مطروح على طاولة المفاوضات.
لا انتصارات
في نهاية ولاية بايدن، لم تحقق وزارة الخارجية بقيادة بلينكن انتصارًا دبلوماسيًا واحدًا يمكنها أن تتباهى به وفقا لـ"ريسبونسيبل ستايت كرافت".
وأشار الموقع إلى أن بايدن تعهد في بداية ولايته "بتقديم مسار موثوق به لطهران للعودة إلى الدبلوماسية".
كما وعد بأنه "سيعمل على الفور على عكس سياسات ترامب الفاشلة التي ألحقت الضرر بالشعب الكوبي" وبسياسة خارجية مختلفة عن "الفشل الذريع" لترامب في فنزويلا وبنهج جديد تجاه كوريا الشمالية "منفتح على الدبلوماسية وسيستكشفها".
لكن وزارة الخارجية لم تتمكن من الوفاء بأي من هذه الوعود، كما أنها فشلت في التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة أو في أوكرانيا.
وبدلاً من ذلك، اعتمدت على أسلوب الإكراه سواء من خلال العقوبات أو القوة العسكرية في حين كانت وزارة الدفاع هي التي تقترح الوسائل الدبلوماسية وتشكك في استخدام القوة.
وفي الوقت نفسه، كان الجنرال تشارلز كيو براون الابن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، ومسؤولون كبار آخرون في البنتاغون، هم الذين طرحوا مؤخرًا التساؤلات عما إذا كان الاعتماد المفرط على القوة العسكرية قد شجع حلفاء واشنطن على أن يكونوا أكثر عدوانية وعلى أن يتجاوزوا الخطوط الحمراء الأمريكية.
وفي الماضي، غالبًا ما كانت الدبلوماسية تتعاون مع القوة العسكرية، لكن إدارة بايدن شهدت تخلي وزارة الخارجية عن الدبلوماسية، حيث قلصت نفسها لتصبح «الذراع المتشدد» للبنتاغون الذي كان في المقابل هو الصوت الأعلى للدبلوماسية.