اخبار الإقليم والعالم
نكسة استفتاء الاستقلال تلاحق الحزب الديمقراطي الكردستاني على أعتاب انتخابات إقليم كردستان العراق
أعادت الانتخابات البرلمانية المقرّر إجراؤها شهر أكتوبر القادم في إقليم كردستان العراق تسليط الضوء على استفتاء الاستقلال الذي أجري في الإقليم قبل سبع سنوات، لا كمصدر فخر وإضافة لرصيد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي وقفت قيادته بقوّة خلف إجراء الاستفتاء في مجال الدفاع عن القضية القومية لأكراد المنطقة، ولكن كـ”عثرة” يحاول خصوم الحزب استثمارها في حملتهم الانتخابية عبر التركيز على ما يعتبرونه نتائج سلبية خلّفها الاستفتاء للإقليم وسكّانه.
وخلال السنوات التي أعقبت غزو تنظيم داعش لمناطق شاسعة في شمال وغرب العراق، وفي أوج الحرب على التنظيم التي شاركت فيها بفاعلية قوات البيشمركة الكردية وساهمت في وقف زحف التنظيم على باقي المناطق ولاحقا في طرده من المناطق التي احتلّها، دفع مسعود بارزاني زعيم الحزب الديمقراطي الذي كان آنذاك يتولى منصب رئيس إقليم كردستان العراق بمشروع استقلال الإقليم عن طريق استفتاء شعبه على الانفصال عن الدولة الاتّحادية العراقية.
وتم إجراء الاستفتاء في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر 2017 وشهد إقبالا مكثّفا لمواطني كردستان العراق على المشاركة فيه لكنّ الحكومة الاتحادية العراقية سارعت إلى إحباط استكمال المسار الاستقلالي ووأده، وذلك بالتعاون مع كل من إيران وتركيا المجاورتين والمعنيتين بقوة بالمسألة الكردية نظرا لامتداد منطقة الأكراد على جزء من أراضيهما، والرافضتين بشكل قطعي لقيام أي كيان كردي مستقل في المنطقة.
وتسبّب الاستفتاء في توتير العلاقة بين سلطات إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية، وأيضا بينها وبين كل من أنقرة وطهران اللتين انضمتا إلى بغداد حين فرضت حظرا جويا على الإقليم وأوقفت الرحلات الدولية من مطاري أربيل والسليمانية وإليهما، وهددت بالسيطرة على المعابر الحدودية للإقليم بالتنسيق مع تركيا وإيران.
لكن أوضح نتيجة عملية للاستفتاء تمثّلت في قيام القوات العراقية بطرد قوات البيشمركة الكردية من محافظة كركوك الغنية بالنفط والتي يطالب أكراد العراق بضمها إلى إقليمهم ضمن مطالبتهم بضم مناطق أخرى متنازع عليها. وكان السياسي الشيعي حيدرالعبادي على رأس الحكومة العراقية عندما أجري الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، وقد قاد في ذلك الحين جهود التصدي للخطوة وإحباطها، ومازال ينظر إلى ذلك بمثابة إنجاز يحسب في رصيده السياسي.
وقال سلام الزبيدي المتحدّث باسم تحالف النصر بقيادة العبادي “يجب الاعتراف بالخطأ من قبل الأكراد وبأن الاستفتاء تقدير خاطئ”، معتبرا أنّ أبناء المكون الكردي “لم يتحصلوا على أي امتياز من إجراء الاستفتاء”. وبعد مضي سبع سنوات عادت القوى السياسية المنافسة للحزب الديمقراطي في انتخابات برلمان الإقليم إلى إبراز سلبيات الاستفتاء متهمة قيادة الحزب الديمقراطي بالتسرّع في اتخاذ قرار إجرائه دون مراعاة الظروف السياسية والتوازنات القائمة محليا وإقليميا.
لكن الدوائر السياسية والإعلامية المقرّبة من الحزب الديمقراطي الكردستاني ترى في موقف القوى المنتقدة للاستفتاء بمفعول رجعي محاولة للتهرّب من المسؤولية. وتذكّر تلك الدوائر بأن قرار المضي في إجراء الاستفتاء اتّخذ بعد اجتماع ضمّ كبار القادة السياسيين الأكراد في مصيف صلاح الدين بأربيل وحضره ممثلون للأحزاب والبرلمان والحكومة. وتقول إنّ القرار مرّ عبر تصويت برلمان الإقليم عليه بأغلبية الأصوات.
وألمح بارزاني إلى كونه لا يزال مقتنعا بخطوة الاستفتاء رغم تبعاتها، ونشر في الذكرى السنوية السابعة لإجرائه عبر منصة إكس بيتا من الشعر للمتنبي يقول فيه “إذا غامرتَ في شرف مَروم.. فلا تَقنع بما دون النّجوم”، وعلّق عليه بمقولة لميخائيل نعيمة “إنَّ الحريةَ أثمنُ ما في الوجود، لذلك كان ثمنها باهظا".
وعلى الطرف الآخر التقطت قوى منافسة لحزب بارزاني وأخرى ذات خلافات معه تزامُن الذكرى السابعة للاستفتاء مع اقتراب موعد انتخابات برلمان إقليم كردستان وانطلاق حملتها الانتخابية، لاستثمار ذلك في الحملة. وأصدر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني المنافس الأول لحزب بارزاني على السلطة في الإقليم بيانا بالمناسبة وصف فيه الاستفتاء بـ”النكسة” التي تستدعي مواصلة العمل على التخلّص من تبعاتها.
وحاول الحزب الذي يقوده ورثة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني الإمساك بالعصا من وسطها وتجنّب الاتّهام بالوقوف ضدّ مطلب “تقرير المصير للأكراد”، وقال في بيانه الذي توجّه فيه بالخطاب إلى جماهير الشعب الكردي “معلوم أنّ الاستفتاء وتقرير المصير السياسي لشعبنا، هو في حد ذاته حق ديمقراطي مشروع، وفق الأسس الدولية المتعلقة بتحديد مصير الشعوب. والاتحاد الوطني الكردستاني منذ بدايات تأسيسه ناضل من أجل حق تقرير المصير، وقدم آلاف الشهداء والضحايا، وكمبدأ ثابت له كان دوما مع تهيئة الظروف المناسبة لتبني هذا الخيار الديمقراطي الوطني”.
وفي مقابل هذا الإقرار المبدئي دفع الحزب باتجاه تلخيص نقطة ضعف الاستفتاء بسوء التقدير المتعلّق بإجرائه في ظل ظرفية عدم مهيّأة له، معتبرا أنّه كان ينبغي “مراعاة التوازن الإقليمي والدولي، وإجراء قراءة دقيقة لأوضاع البلد والتنسيق مع أصدقاء شعبنا، الذين قدموا لنا نصائح ومقترحات ودية، وذلك بإجراء الاستفتاء في ظروف أفضل من الوئام ووحدة الصف الداخلي، لكي يتحمل الجميع نتائجه الإيجابية والسلبية ويتصدوا للمسؤوليات والمهام".
واستدرك البيان بالقول “لكن للأسف لم يتمخض الاستفتاء عما يبعث على أمل استقلال كردستان، وبدل أن تتحمل قيادة الاستفتاء آنذاك، وخاصة جناح قيادة الحزب الديمقراطي المتسلط والمحتكر، مهام معالجة الإفرازات ومداواة جروح ما بعد النكسة، إلا أنها تعاملت بخطاب غير مشروع وغير مسؤول، من التخوين وشق صفوف الشعب، مع النتائج المتوقعة والمؤسفة لعملية الاستفتاء، بحيث تراجعت عن وعد الاستقلال وجعلت من العملية أداة للمزايدة المحلية، وعمليا تركت أرض كردستان في المناطق المستقطعة (المتنازع عليها) لقَدَر المساومات السرية اللامسؤولة، ولاسيما أنّها كانت تسيطر آنذاك على المفاصل الرئيسة للحكم، لذا شرعت – على صعيد خارجي – في الخضوع وتجميد نتائج الاستفتاء وتقديم تنازلات تلو الأخرى، وعلى صعيد محلي جعلت من الافتخار المزيف باستفتاء فاشل، خطابا سياسيا دون الالتفات إلى نتائجه السلبية اللاحقة في كركوك والمناطق المستقطعة".
ونسب حزب الاتحاد لنفسه مواجهة تبعات الاستفتاء، قائلا في ذات البيان "آنذاك هب الاتحاد الوطني وبيشمركته ببسالة في ساحات البطولة، وقدموا الشهداء والضحايا، وبرؤية قومية بعيدة المدى، اختاروا طريق البقاء والصمود المسؤول للدفاع عن مواطنينا، في حين فرت أطراف أخرى من ميدان المواجهة، وفي منصات الدعاية الإعلامية كانت تعمل على تغطية فشلها بالتخوين واتهام القوى الوطنية، ولم تفسح المجال لإجراء تقييم صائب وموضوعي للعملية، بهدف تحديد الطرف المسؤول عن نكسة الاستفتاء وإفرازاتها اللاحقة".
وقال القيادي في الاتحاد الوطني هيوا محمد من جهته إن "الاستفتاء كان عملية فاشلة حتى إنني لم أشارك بالتصويت فيه". ورأى في تصريحات لوسائل إعلام محلية أنّ “قيام دولة كردية على هذه الجغرافيا أمر غير ممكن”، مضيفا “فقدنا ثقة العراقيين بنا بسبب إجراء استفتاء غير محسوب النتائج”، ومؤكّدا أنّ حزبه يسعى من خلال الانتخابات القادمة للحصول على أكبر عدد من مقاعد برلمان الإقليم “لتصحيح الأخطاء التي ارتكبها الحزب الديمقراطي الكردستاني في الماضي”.