اخبار الإقليم والعالم

الأزهر يستسلم للضغوط ويقبل بإصلاح التعليم الديني

وكالة أنباء حضرموت

عكس قرار قطاع المعاهد الدينية في مصر بتطبيق نظام الثانوية العامة (البكالوريا) الجديد الذي أطلقته الحكومة استسلام الأزهر للضغوط، من أجل تصويب مسار التعليم الديني وعدم التغريد خارج السرب والاستمرار في الدفاع عن نظام تعليمي قديم لم يعد مناسبا للعصر ويتعارض مع متطلبات المستقبل.

وقرر الأزهر دمج بعض المواد الدراسية بمرحلة البكالوريا أو إلغاءها لمسايرة التغييرات التي أدخلتها الحكومة على النظام المطبق في مدارسها، في توجه نادر، لأن المعاهد الأزهرية اعتادت السير عكس اتجاه التعليم العام، وتطبيق منظومة تقليدية جذبت إليها شريحة واسعة من الطلاب لا تميل أسرهم إلى العصرنة والحداثة في التعليم.

وقال مصدر أزهري لـ”العرب” إن الاستسلام لتغيير نظام البكالوريا مرتبط بكثرة التحويل من المعاهد الأزهرية إلى مدارس التعليم العام بعد أن قررت الحكومة تخفيف أعباء المناهج وتقليل عدد المواد الدراسية، وهو ما رآه الأزهر خطرا على جماهيرية معاهده، لذلك قرر مسايرة الخطة التعليمية للحكومة.

◄ هناك مجتمعان دراسيان؛ أحدهما منخرط في مدارس الحكومة وينتهج مسارا معاصرا، والآخر أزهري لا يخرج عن دائرة التلقين

وارتبط الإقبال على التعليم الديني باستمرار عشوائية التطوير في المدارس الحكومية، مقابل تمسك المعاهد الأزهرية بنظام قديم كي لا تخسر قاعدتها المجتمعية، لكن الحكومة قررت إعادة النظر في كل ما يثير غضب أولياء الأمور، ما ضاعف عمليات التحويل إلى المدارس الحكومية والهروب من مدارس الأزهر ومعاهده.

ورفضت الحكومة استمرار تدريس 32 مادة في مرحلة البكالوريا مؤخرا، وقررت تخفيضها إلى قرابة النصف ليتم الإبقاء فقط على المحتوى المعاصر، في حين يدرس طالب الأزهر العشرات من المواد، سواء أكانت علمية أم دينية، ما شكّل خطرا على النفوذ المجتمعي للمعاهد الدينية إذا أصبحت فارغة من الطلاب.

ويبدو أن الأزهر قد خسر الرهان عندما عوّل على مغازلة المعارضين لسياسات الحكومة الرامية إلى تطوير التعليم، حيث اعتاد السير عكس توجهات الحكومة في شأن العصرنة، واضطر لمسايرة خطتها الأخيرة، عندما وجد قبولا مجتمعيا لها.

ويرى متابعون أن الأزهر يحاول أن يثبت لدوائر صناعة القرار السياسي أنه لا يُمانع التغيير والتطوير، شريطة أن يكون ذلك برضاء مجتمعي، وأنه مستعد للتغيير بعيدا عن محاولة فرض الأمر الواقع عليه.

ودأبت المعاهد الأزهرية على استمالة شريحة يستهويها التعليم التقليدي، وهي شريحة شغوفة بالحفظ والتلقين وإقحام الدين في مفردات حياتها بالمخالفة لمناهج التعليم العام التي أبعدت الدين عن أيّ مادة، غير مادة التربية الدينية، احتراما للمسيحيين في مصر ويمثلون نحو عشرة ملايين نسمة، وتكريسا للفهم ثانيا، لكنه اضطر لمسايرتها نسبيا.

ويقوم التعليم الديني في مصر على ربط النظريات العلمية بالدين، وهي إشكالية عمّقت من الفجوة بينه وبين شريحة كبيرة في المجتمع، لأن غالبية الأسر تتجه نحو مناهج التعليم العام بمدارس الحكومة التي تقوم على تقديم إنسان معاصر يؤمن بالمواطنة واحترام الآخر من دون تمييز، مع إلغاء المواد القديمة التي تخاطب الماضي.

ولا تنكر دوائر سياسية أن شعبية التعليم الديني مثيرة لاستياء السلطة في مصر، وفضّلت عدم الدخول في مواجهة مع الأزهر قد تكون لها تداعيات خطيرة، ورأت الحكومة أن مبارزة التعليم الأزهري بإجراءات عملية ستجبره على التراجع.

واعتاد متشددون التعامل مع عصرنة مناهج ونظام التعليم داخل الأزهر، باعتبار ذلك حربا على الإسلام، خاصة أن طريقة التدريس بالأزهر وطبيعة مناهجه تعتمد على النقل الحرفي بلا تحليل، في حين أن مناهج التعليم العام ليست جامدة.

وتهدف الحكومة من تطوير التعليم العام إلى إعادة بناء الشخصية المصرية لتتواكب مع خطة التنمية المستدامة 2030، لتكون الأجيال الصاعدة أكثر مدنية وانفتاحا وتؤمن بالتسامح والمواطنة والتعايش السلمي، بحيث تصبح تلك الشريحة نواة يتأسس عليها مجتمع يصعب اختراقه من جانب التنظيمات المتطرفة.

واعتاد الأزهر أن يُماطل في اتخاذ قرارات تخص المنظومة التعليمية إلى حين استكشاف رأي الشارع في ما تقوم به الحكومة بمدارسها، فإذا رآها مقبولة ومدعومة مجتمعيا يقرر تطبيقها، ولو واجهت تحفظات شعبية يخالفها لاستقطاب الشريحة الغاضبة على الحكومة، وهي إشكالية عمقت الفجوة بين التعليمين الأزهري والعام.

وترتب على تلك الفجوة أن أصبح هناك مجتمعان دراسيان، أحدهما منخرط في مدارس الحكومة ويسير في طريق معاصر، والآخر أزهري لا يستطيع الدارسون فيه الخروج من دائرة التلقين والاستسلام لما يُملى عليهم من أفكار ودروس قديمة، ومناهج تُشبه النصوص الدينية، ومواد لا يستوعبها عدد كبير من الطلاب.

وأكدت بثينة عبدالرؤوف الخبيرة التربوية بجامعة القاهرة أن استمرار وجود تعليم ديني وآخر مدني يوسع الفوارق المجتمعية، وتداعيات ذلك سوف تظهر في المستقبل عندما تتمسك الشريحة التي تعلمت في الأزهر بالاحتكام للدين في حياتها، بينما هناك طبقة منفصلة عن هذا المسار، ما يسهّل اختراق المجتمع لأنه غير موحد قيميا، وقد تحدث نزاعات على أساس فكري وتظهر الهوية المشوهة.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن تطبيق منظومة التعليم الحكومي داخل الأزهر ليست الحل، بقدر ما يتطلب الأمر وجود نظام تعليمي واحد داخل الدولة يؤسس لمجتمع متماسك لا يتحرك وفق طقوس الماضي وعاداته، وهذا يتطلب من المؤسسة الدينية قدرا من المرونة في التعامل مع الأمر وفق متطلبات العصر لا التعاطي مع العصرنة بحسابات الربح والخسارة.

ويصعب فصل استسلام الأزهر بمسايرة خطط الحكومة التعليمية عن شح الإغراءات التي كان يقدمها للمجتمع لزيادة نسبة الشغوفين بالتعليم الديني، وأصبح مضطرا للانخراط في منظومة تعليمية مرنة بعيدا عن التعقيد والجمود وتغييب العقل للحفاظ على ما تبقى من شعبية لمعاهده، ومحاولة إبقاء الدارسين لديه وعدم تحويل مسارهم إلى المدارس العمومية.

ويعتقد بعض الخبراء التربويين أن المشكلة الراهنة ليست في مجرد تماهي المعاهد الأزهرية مع خطط الحكومة من حيث المناهج وعدد المواد، لكنها تحمل أبعادا أكثر تعقيدا، إذ أن طريقة التدريس ما زالت قائمة على أن المعلم أقرب إلى الشيخ والواعظ، ما يؤثر بالتبعية على شخصية عناصر المجتمع التعليمي الأزهري الذين يتخرجون بنفس الطباع، ويمارسون الوعظ أكثر من نشر المعرفة والفهم والتحرر العقلي.

وتتقاطع تلك السمات مع مساعي النظام لتحجيم كل ما يدعو إلى السيطرة على عقول الناس على أساس ديني، على أمل تكريس مدنية الدولة، ما يتطلب إرادة سياسية قوية لتوحيد نظام التعليم في مصر لتكون هناك خطة تعليمية عامة للدولة، تتعامل مع الدين كمفردة، وتؤسس عناصر المجتمع التعليمي على العصرنة والفهم وإعمال العقل.

وإذا كان من الصعب على الأزهر القبول بهذا الطرح حفاظا على صورته ونفوذه، فمن المهم أن تستمر الأصوات المطالبة بتطوير التعليم الديني في طريقها، لأن المؤسسة الدينية لن تتحرك إلا من منطلق وقوع ضغوط عليها، وفي ظل وجود حكومة لا تريد الدخول في مواجهة تراها خاسرة يصبح الأمر في حاجة إلى حشد قوي ورقابة مستمرة من مفكرين ومثقفين ومبدعين على التعليم الأزهري.

يطارد هاري كين.. مرموش يواصل التوهج في الدوري الألماني


سقوط قاعدة درع الدوري المصري في ليلة تتويج الأهلي


ضجّة في الأردن بسبب درس عن المغنية اللبنانية سميرة توفيق


انطلاقة حسام حسن مع الفراعنة: نجاح مبكر أم اختبارات مؤجلة