تقارير وحوارات
وكالة أنباء حضرموت
صراع “السفارات” يتصاعد بين الصين وتايوان… وأوروبا تراقب في صمت
أوضح محللون وخبراء لموقع “صوت أميركا” أن العديد من الدول الأوروبية تتخذ منهج”لننتظر ونرى ماذا سوف يحدث” بشأن الأزمة بين الصين وليتوانيا، بعدما سمحت الأخيرة لتايوان بفتح مكتب تمثيلي لها يحمل اسمها.
وسمحت ليتوانيا لتايوان بفتح تمثيل دبلوماسي في فيلنيوس، نوفمبر الماضي ما أثار غضب بكين التي تحجم عن أي استخدام رسمي لاسم تايوان، خوفا من أن يسهم ذلك في إضفاء شرعية دولية على الجزيرة التي تعتبرها بكين جزءا من أراضيها، وفقا لوكالة فرانس برس.
وقد أعلنت تايوان إطلاق صندوق بقيمة مئتي مليون دولار للاستثمار في ليتوانيا بينما تعاني الشركات في هذه الدولة الواقعة على بحر البلطيق من توقف صادراتها إلى الصين بقرار من بكين على خلفية مواجهة دبلوماسية.
وقال رئيس الممثلية الدبلوماسية لتايوان في العاصمة فيلنيوس، إيريك هوانغ، أن الاستثمار جزء من استراتيجية تايوان لتطوير العلاقات الاقتصادية مع ليتوانيا بعد ضغوط من الصين.
ويفترض أن يستثمر الصندوق في أشباه الموصلات والليزر والتكنولوجيا الحيوية وغيرها من الصناعات المماثلة مع استثمارات أولية مقررة لهذا العام.
واتهمت فيلنيوس بكين بتعطيل صادراتها احتجاجا على فتح هذه السفارة التايوانية بحكم الأمر الواقع، إذ أعلنت الصين في 25 تشرين الثاني أنها ستوقف إصدار التأشيرات إلى ليتوانيا بعد أربعة أيام من قطع العلاقات التجارية والدبلوماسية معها.
وأعلنت مجموعة ليتوانية منتجة للمشروبات الكحولية لاحقا أنها استعادت أكثر من عشرين ألف زجاجة من مشروب الروم الليتواني منعت الصين إدخالها إلى أراضيها، في حين قال هوانغ أن تايوان اشترت أيضا 120 حاوية شحن تأثرت بقرار الصين.
ولم تخضع الحكومة للضغوط الصينية لكن الرئيس الليتواني جيتاناس ناوسيدا قال إن السماح بفتح ممثلية دبلوماسية لتايوان كان “خطأ”، بينما خطط ليتوانيا لفتح مكتب تمثيلي لها في تايوان خلال العام الجاري.
وفي اتصال هاتفي عبرت ممثلة التجارة الأميركية كاثرين تاي لوزير الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبيرجيس عن “دعم الولايات المتحدة القوي والمتواصل لليتوانيا في مواجهة القمع الاقتصادي من قبل جمهورية الصين الشعبية”، حسب بيان صدر في واشنطن.
وفي أحدث تطورات الأزمة، تعهدت تايوان بتقديم مليار دولار لليتوانيا في أحدث تحرك لها لمواجهة ضغط الصين على الدولة الصغيرة الواقعة في بحر البلطيق، والتي أضحت أول عضو في الاتحاد الأوروبي يسمح لتايوان باستخدام اسمها في سفارة.
ويهدف الاستثمار المشترك البالغ 1.2 مليار دولار إلى مواجهة الضغط الصيني المتزايد على فيلنيوس منذ 18 تشرين الثاني، عندما سمحت السلطات الليتوانية لتايوان بفتح مكتب تمثيلي في عاصمتها تحت اسم “تايوان” بدلاً من “تايبيه الصينية”.
وقد أزعجت هذه البادرة الصين إذ وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين، الأربعاء، الاستثمار بقيمة 1.2 مليار دولار بأنه “محاولات سلطات تايوان لتوسيع مساحة أنشطة استقلال تايوان بدبلوماسية الدولار”.
وترى الصين أن تايوان ستعود في نهاية المطاف إلى سيطرتها، على الرغم من أن العديد من التايوانيين يعتبرون أنفسهم أمة تتمتع بالحكم الذاتي.
من جهته، يرى الأستاذ المشارك في معهد الدراسات العليا للدراسات الأوروبية في جامعة تامكانغ في تايوان، تشانغ فو تشانغ، أن أحد من المراقبين لم يكن يتوقع أن يكون حجم التجارة بين ليتوانيا والصين بهذه الضخامة، مردفا: “لذلك توصلنا إلى استنتاج مفاده أن الصين لن تستخدم عقوبات اقتصادية ضدهما، ولكننا كنا مخطئين في هذا الشأن”.
وعلى نفس السياق أعرب أستاذ الاقتصاد في جامعة الثقافة الصينية في تايوان، بور يونشانغ عن تشاؤمه بشأن استثمارات بلاده في الخارج، موضحا: “”أي استثمار يتم تقديمها لتحقيق مكاسب سياسية ستكون قائمة على أرض من الجليد، وبالتالي لا يمكن أن تكون فعالة في ربط البلدين من حيث تدفقات رأس المال بين القطاعات الخاصة “.
انتقام الصين
وفي معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة، تستخدم تايوان تايبيه، اسم عاصمتها، لمكاتبها الخارجية التي تعد بمثابة سفارات غير رسمية في جميع أنحاء العالم.
وتعد سفارة تايوان في فيلنيوس هو أول مكتب تمثيلي جديد لها في أوروبا منذ افتتاح مكتب تايبيه التمثيلي في سلوفاكيا في عام 2003.
واعتبر تيموثي هيث، كبير محللي الدفاع في مؤسسة راند، أن افتتاح سفارة لتايوان في فيلنيوس “تطورا مذهلا”، موضحا: “إنها المرة الأولى التي تعبر فيها دولة أوروبية عن اعترافها الرسمي بتايوان منذ عقود. إنه تطور كبير جدًا، ومن المفهوم أن الصين غاضبة جدًا من هذا التغيير”.
وكانت العلاقات بين الصين وليتواينا متوترة حتى قبل افتتاح المكبت التمثيلي تايوان، ففي أغسطس، أوقفت بكين الموافقة على تصاريح جديدة لصادرات ليتوانيا من المواد الغذائية وأوقفت خدمة قطار الشحن المباشر إلى ليتوانيا.
وبعد ذلك، في نوفمبر، بدأت الصين في الضغط على الشركات في الاتحاد الأوروبي للتوقف عن استخدام المكونات الليتوانية.
وقال نائب وزير الخارجية الليتواني، مانتاس أدوميناس، لرويترز في كانون الاول إن الصين كانت “ترسل رسائل إلى الشركات متعددة الجنسيات مفادها أنه إذا استخدمت قطع الغيار والإمدادات من ليتوانيا، فلن يُسمح لها بعد الآن بالبيع إلى السوق الصينية أو الحصول على الإمدادات هناك”.
وفي مؤتمر عبر الفيديو مع وزير مجلس التنمية الوطني التايواني،كونغ مينغ، هسين، يوم الثلاثاء، قال أوشرين أرمونايتو، وزير الاقتصاد والابتكار في ليتوانيا، إن
فيلنيوس كان ترى بالفعل الشركات تلغي العقود مع مقدمي الخدمات الليتوانيين بسبب ضغوط من بكين.
وتابع: “أعتقد أن الصين قلقة للغاية من أن ليتوانيا تشكل سابقة وأن المزيد من الدول في أوروبا يمكن أن تحذو حذو ليتوانيا، وهنا يتفق معه هيث قائلا: “أعتقد أن هذا هو سبب رد فعل الصين القاسي”.
مستقبل غامض
ويرى الباحث تشانغ أن ستهداف الصين للشركات متعددة الجنسيات في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خارج ليتوانيا فعال بشكل خاص لأن الشركات تقدر قيمة السوق الصينية المربحة.
وقال إن أكبر شركاء ليتوانيا التجاريين هم دولتان أخريان من دول البلطيق – إستونيا ولاتفيا – بالإضافة إلى روسيا والاتحاد الأوروبي.
وأضاف تشانغ أنه في حين أن “تايوان كثفت جهودها في تطوير العلاقات التجارية مع فيلنيوس، فمن غير المرجح أن يتغير هيكل الصادرات في ليتوانيا على المدى القصير”.
ونبه تشانغ إلى أن الضغوط الخارجية والخلافات الداخلية تعيق جهود الحكومة الليتوانية للحصول على دعم شعبي لسياستها تجاه الصين وتايوان.
وأضاف أن الآراء المتباينة داخل الحكومة بين رئيس البلاد ورئيس الوزراء أدت إلى حدوث مواجهة بين الأطراف المؤيدة للصين والجهات المناهضة لها.
وزاد “لذا فإن السؤال المهم هو إلى متى يمكن للحكومة الليتوانية أن تقف إلى جانب تايوان؟.. فمبلغ 1.2 مليار دولار هذا ليس مبلغًا كبيرًا، لذلك، على المدى الطويل، من الصعب تحديد مكان العلاقات الاقتصادية بين البلدين.”
أما هيث فيؤكد أن العديد من البلدان تتخذ موقف “انتظر لترى” بشأن ما إذا كانت ترغب في النظر في المسار الذي سلكته
ليتوانيا.
وزاد: “أعتقد أن الاتحاد الأوروبي، على المدى القريب، يدرك أهمية العلاقات التجارية مع الصين، فالبلدان الأوروبية الكبرى مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا ليست في عجلة من أمرها لزعزعة استقرار علاقتها التجارية مع الصين”.
وختم بالقول: “ومع ذلك، أعتقد أن البلدان في أوروبا وحول العالم تراقب عن كثب: ماذا يحدث لليتوانيا؟ هل تتراجع عن علاقتها مع تايوان؟ أم أنها تحافظ عليه؟..وأيا كان القرار، ستراقب العديد من الدول في العالم بعناية وتفكر فيما قد يعنيه ذلك لعلاقتها مع تايوان “.