ثقافة وفنون
نجوى كرم: لن أتوقف عن غناء الحب والفرح
لا تحتاج صاحبة لقب «شمس الأغنية اللبنانية» لمن يتحدث عن نجاحاتها وإنجازاتها في عالم الغناء. يكفي أن تذكر اسم نجوى كرم كي يحضر صوتها الرنان أمامك. فقاعدتها الشعبية والتي تعدّ بالملايين على وسائل التواصل الاجتماعي خير دليل على أنها مطربة لبنانية من الطراز الأول. أما إيجابيتها التي تنثرها على المقربين منها وعلى محبيها ونلمسها في أغانيها، فهي بمثابة «ماركة مسجلة» باسمها. ابنة مدينة زحلة البقاعية، لم ترسم هالة الضوء التي تكللها بالصدفة، بل هي نتاج معدنها الصلب الذي تعتز به.
مؤخراً، أحيت نجوى كرم عدداً من الحفلات في دولة الإمارات والرياض وفي مهرجانات جرش في الأردن. غنّت فحررت الناس من قوقعتهم التي فرضتها عليهم الجائحة. حصدت حفلاتها نجاحاً منقطع النظير، فتصدرت الـ«ترندات» وشكّلت مادة دسمة للإعلامين المحلي والعربي. أما أغنيتاها الأخيرتان «ساحر القلوب» و«مغرومة2» فأحدثتا حالة فنية خاصة.
عندما سألتها «الشرق الأوسط» كيف تعمل للتزود بكل هذه الطاقة الإيجابية؟ ردّت: «الإيجابية هي فعل إيمان لا يمكننا أن نتزود بها من العدم، بل من اتكالنا على رب العالمين. ومن خلال الإيمان يستطيع الإنسان أن يحقق طموحاته، مهما بلغت الصعوبات. فأنا شخصياً أتسلح بالإيمان لأنه وحده يحرّك الإيجابية عندي، ويدفعها إلى التوالد باستمرار».
ليس كل ما يلمع ذهباً عند نجوى كرم، ولذلك ورغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً على تألقها، لا تزال تجتهد وتعمل، كأنها دخلت عالم الفن للتوّ. ولكن ماذا تغير اليوم في نجوى بعد تخزينها تجارب فنية متتالية ومستمرة؟ «أنا اليوم أكثر وعياً من الأمس ونضوجي تطور. فما مررت به من تجارب، جعلني أكثر صلابة. كما أن الظروف الفنية التي يشهدها العالم باتت تأخذنا نحو اتجاهات أخرى جديدة. التجارب انعكست إيجاباً على مشواري الفني والإنساني معاً. فالخبرات تعطي صاحبها الفرص للعودة إلى نفسه، وتعلّمه كيف يجب أن يشتغل على ذاته بشكل أفضل».
لا يتوقف سعي نجوى كرم للتجدد وتقديم أفكار جديدة في الأغنية اللبنانية التي تمسكت بغنائها وحدها. فعادةً ما يلجأ أهل الفن إلى التنويع وغناء ألوان مختلفة كي يطعّموا أعمالهم بمادة تجذب جمهورهم المتنوع. فهل تبدّل مزاج نجوى كرم في خياراتها الغنائية، وعن ماذا تبحث بالتحديد في موضوعاتها؟ «أبحث عن موضوعات تستطيع أن تأخذنا إلى حالة مختلفة، لا تمتّ بصلة لما يدور حولنا من جشع. فحالة الأرض يسودها اليوم الطمع والشر وحب المادة. هناك سباق علني يمارسه الناس على من يجني أرباحاً أكثر. لا شك أن المادة هي عنصر مهم كوسيلة نحتاج إليها في حياتنا، ولكن ليس من المفروض أن تتحول إلى غاية أساسية عندنا».
صريحة نجوى كرم إلى أبعد الحدود، وبشخصيتها القوية تجاوزت كليشيهات عدة تروَّج في عالم الفن. فهي ولا مرة تكتمت عن ذكر عمرها الحقيقي، وكذلك لم تتوانَ عن التقاط صورة فوتوغرافية مع طبيب التجميل خاصتها. حياتها الشخصية خرجت إلى العلن أكثر من مرة، ومع ذلك فهي لم تتأثر لا بشائعات ولا بأقاويل طالتها. استمرارها بأداء قصص الحب كان لافتاً في الفترة الأخيرة. فهل هو نتاج خروجنا من دائرة الجائحة أم مجرد لحظات من حياتها تترجمها في أعمالها؟ تقول لـ«الشرق الأوسط»: «لن أتوقف عن غناء الحب والفرح. فهذه المشاعر في استطاعتها أن تنقذ الإنسان من أزمات نفسية يعاني منها. وفي السنتين الأخيرتين تضاعفت هذه الحالات لأسباب كثيرة، ومن بينها الحجر المنزلي وضغوط اجتماعية واقتصادية. فاختياري موضوعات فرحة يأتي ترجمة لشخصيتي الإيجابية».
لم تنحصر أغاني نجوى كرم بموضوعات الحب والرومانسية وأخرى تطال دور الأب والأم والأحبة في حياتنا... ولكنها في الوقت نفسه خصصت للأغنية الوطنية مساحة لا يستهان بها من ريبرتوارها الفني. «من الطبيعي أن يعبّر الفنان عن حبه لوطنه فهو تحصيل حاصل برأيي. فالوطن يستأهل منّا أن نتغنى به ونرفع اسمه عالياً. ولذلك على الفنان أن يرسم صورة عز عن بلده، ويصدح بها عالياً. وهذه الصورة تنبع من مشاعر حقيقية لبلده، فهو من يرسمها ويقدمها من باب قناعاته الوطنية فلا تكون بمثابة فرض واجب عليه».
عن طبيعة الساحة الفنية اليوم تقول نجوى: «لكل عصر وزمن رجاله وموجاته السلبية والإيجابية التي تظلله. حالياً تنطبع الساحة الفنية بظاهرة وسائل التواصل الاجتماعي. وهي، مع الأسف، لا يمكننا أن نضبطها ونتحكم بها. فهي منبر حرّ متاح أمام الجميع ولكنه في الوقت نفسه يحمل خطورة لا يستهان بها».
تهتم نجوى كرم بكل شاردة وواردة تخص عملها، تتابع كل شيء بدقة، تستمع إلى الآخر، وتصغي إلى ما يحدّثها به قلبها وعقلها في آن. تأخذ بنصائح الآخرين، وتحب اكتشاف ذكاء وتفكير جيل الشباب. في نطاق عائلتها الضيق تعد نجوى المحرك الذي لا يتعب ولا يملّ من مد يد العون لأفراده. المقربون منها يلقبونها بـ«أميرة القلوب» و«الحنونة»، فسعادة عائلتها هي جزء لا يتجزأ من سعادتها. قد تكون نجوى من الفنانات القليلات اللاتي ما زلن يمارسن هوايتهن المفضلة ألا وهي القراءة. تميل إلى الكتب والأخبار العلمية وتهوى الاطلاع على كل اكتشاف واختراع حديث. لم تسعَ نجوى كرم لاستمالة وسائل التواصل الاجتماعي إليها. و«تيك توك» هو مَن حطّ رحاله عندها بعدما تصدرت عبره أغنيتها «ساحر قلوب» نسب المشاهدة. عندها قررت فتح حساب خاص لها. وأحبّت أن تعرّف من خلاله متابعيها الشباب على أصول الإيقاع في الموسيقى اللبنانية، فكان بمثابة مدرسة فنية من نوع آخر.
علاقتها مع الطبيعة وطيدة، وهو ما يلمسه زائرها في منزلها. فشرفتها يخيّم عليها الأخضر من خلال مجموعة شتلات وزهور وأشجار وفي مقدمها شجرة الزيتون. تتحدث مع العصافير وتتفاءل برفقتهم صباحاً، وهي ترتشف فنجان قهوتها. «أحس كأنهم يشعرون بي ويحفظون الأوقات التي أكون فيها فيستقبلونني بالعشرات».
يُعرف عنها حُسن ضيافتها واهتمامها بزائرها، بحيث تقوم بواجباتها تجاهه شخصياً. تركض لمساعدة الآخر وترفض محاسبة مَن يجرحها، لأنها على قناعة بأن العدالة السماوية هي الأهم.
وماذا عن لبنان اليوم، هل أنت خائفة عليه؟ ترد: «لبنان لا يمكننا أن نخاف عليه أبداً، فعندما نعرف معاني اسمه يزول منّا هذا الشعور تلقائياً. فاسمه يعني الوجود والحضور والجوهر، وهو يمثل كل ذلك. ولمن تساوره هذه الأفكار أقول له: لقد مر على لبنان عبر الأزمنة حقب صعبة كثيرة ومحن متتالية، ولكنه تجاوزها جميعها بقوة».
وصفت نجوى كرم وسائل الإعلام في لبنان بأنها بمثابة مرآة البلاد، ولذلك فإن مهمتها دقيقة. وناشدتها بالقول: «إذا بقيتم تتوقفون عند سيئات لبنان رغم أننا لا ننكر وجودها، فأنتم تسهمون في تصغير أولاده بعيون الناس، ونحن في حياتنا لم نبلغ هذا الحجم من الصغر. فأبناؤنا يغادرون الواحد تلو الآخر صحيح، ولكن علينا أن نحفظ لهم خط الرجعة. فهم من النخبة ويملكون من الشهادات والدراسات ما يجعلهم دائماً يتفوقون، حتى في مهاجرهم. فساهموا في حفظ ماء وجههم بدل أن تحبطوا عزيمتهم».