ثقافة وفنون
مسرحية مصرية تُعرَض بمركز الهناجر للفنون
«المطبخ»... تحذر من «موت مشاعر» الزوجات المعاصرات
تخرج من القاعة بعد انتهاء هذا العرض وقد مسّك شيء من سحر الفن، فقد تغيرت نظرتك لكثير من الأمور، ويتصارع في رأسك العديد من علامات الاستفهام: هل يمكن أن تصل غرائب وعجائب الحياة الزوجية إلى هذا الحد؟ هل يؤدي موت المشاعر، إلى هذا النوع من المفارقات الدرامية الصارخة؟ كيف تقبل زوجة على نفسها تلك «الإهانة» حتى أنها تستضيف عشيقة زوجها بمنزلها وترحب بها؟
لا تنتمي مسرحية «المطبخ» التي تُعرض على مركز الهناجر للفنون في الفترة من 22 حتى 24 أغسطس (آب) الحالي إلى الفن التقليدي، بداية من اسمها الذي قد يوحي بالأكلات ووصفات الشيف، في حين أن العمل يتناول شيئاً آخر، وانتهاء بعناصر «السينوغرافيا» التي تتضمن معالجة غير معتادة للديكور والأزياء والإضاءة والموسيقى.
يتناول العمل مأساة زوجة عربية فقدت الشغف وتعاني من التعاسة في حياتها الزوجية حتى أنها لم تعد تبالي بشيء أو تكترث لما تخبئه الأيام، حياتها مملة رتيبة، جرعة من التكرار بنفس التفاصيل اليومية. قد تبدو هذه «الأعراض» شائعة في الحياة الزوجية المعاصرة، لكن بطلتنا هنا تحمل إضافة متمثلة في اكتئاب عميق لا يُرى بسهولة لأنه كامن تحت السطح الخادع الذي يبدو أنه يعكس حياة طبيعية لسيدة جميلة ومثقفة كما يبدو من يومياتها التي تكتبها سراً. تتفاقم الأمور حتى تصل إلى الذروة ممثلة في اصطحاب زوجها لعشيقته إلى البيت، وبدلاً من أن تصرخ الزوجة في وجهه أو تطارده بالسكين، تبتسم في وجه العشيقة، وترحب بها وتبارك علاقتها بزوجها!
بمرور الأحداث، يكتشف المتفرج أن الزوجة ليست مختلة، ولكنها تعاني من إرث قديم تفصح عنه اليوميات؛ فقد تربت في بيت لا يعرف الدفء، أُم سلبية وأب قاس، وأخ ينعم بحرية مطلقة باعتباره ذكراً. تقبل بالزواج من أول عريس يدق بابها، رجل مجرب وصاحب تاريخ في العلاقات النسائية. يتزوج منها لتصبح خادمة متعددة المهام دون أي مراعاة لآدميتها أو حقها في المشاعر الدافئة، إنه نموذج للزوج المستهتر الأناني الذي لا يفكر سوى في رغباته ويطأ بقدميه كل ما هو دون ذلك. بحسب سياق العرض.
ويطرح السؤال نفسه: ما علاقة كل ذلك باسم العمل؟ لقد تحول المطبخ إلى الملاذ الآمن للزوجة «المقموعة»، بين أدراجه وأدواته، تسترد بعضاً من إنسانيتها المفقودة وعلى وقع الطهي تغرق في تأملات حول الحياة والمصير والخلاص.
استطاع مؤلف ومخرج العرض الذي قدمته فرقة «حاضنة نهاد صليحة» السيطرة على أداء الممثلين بشكل لافت فلم يقع في فخ المبالغة أو الميلودراما. وجاء تجسيد الفنانة لبنى المنسي لدور الزوجة، شديد الصدق والبساطة دون تهويل مما ساعد في تجسيد مأساتها وتفاعل الجمهور معها، فهذا النوع من المآسي لا يطفو على السطح طوال الوقت ويحتاج إلى معالجة حذرة تتسم بالذكاء والحساسية، في المقابل نجح الفنان أحمد شكري في تجسيد شخصية الزوج التي تعد العصبية الشديدة والانفعال السريع والصوت العالي أبرز سماتها؛ ما جعل الهوة بينه وبين زوجته عميقة وبارزة على كل المستويات.
جاء الديكور بسيطاً للغاية ومتقشفاً جداً، مجرد مقعد مستطيل أو «كنبة أو طاولة» جعلت منه المصممة سلمى أبو الفضل بطلاً فاعلاً في العرض، فهو محور الأحداث وعليه يتبادل الممثلون الأربعة الجلوس. بقية مفردات المنزل من صالة ومطبخ وغرفة نوم تبدو في خلفية بعيدة معتمة، فبؤرة الضوء مسلطة فقط معظم الوقت على الطاولة مع موسيقى تتسم بالشجن لمعتز الأدهم على نحو يضيء جوانب جديدة في مأساة الزوجة.
ونالت إشادة نقدية واسعة لدى عرضها للمرة الأولى ضمن فعاليات مهرجان «إيزيس لمسرح المرأة» في دورته الأولى كما حصدت جائزة «أفضل تأليف» في المهرجان القومي للمسرح في دورته الأخيرة.
وحول ثنائية الجمع بين الإخراج والتأليف، يوضح محمد عادل أنه أحيانا تتلبسه فكرة «الصانع» الذي يجمع بين الوظيفتين بحيث تتبلور في ذهنه فكرة ما ولا يستطيع تخيل أن يخرجها شخص آخر، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه لا يعارض، بل يحب، أن يرى أفكاره ينفذها شخص آخر، لكن الأمر يتوقف على طبيعة التجربة المسرحية ذاتها.
وعن انجذابه إلى عالم المسرح، يشير عادل إلى أن خاله ممثل وكان يصطحبه معه إلى المسرح منذ صغره، حيث عاش أجواء المسرح الساحرة من كواليس وأزياء وإضاءة، كما شاهد عدداً من العروض التي شكلت بدايات وعيه في المراهقة مثل «البؤساء» إخراج هشام عطوة، و«بازل» و«من يأكل أباه».