اخبار الإقليم والعالم
بحث انفجار النزعات الإثنية والطائفية... وطالب بالإقرار بالحق في الاختلاف
«منتدى أصيلة» يدعو لتحصين مفهوم العروبة بالحرية والتنوع
دعا المشاركون في ثالثة ندوات «منتدى أصيلة الـ42» إلى تحديث مفهوم العروبة وتحصينه بالحرية والتنوع وقبول الآخر، والإقرار بالحق في الاختلاف والابتعاد به عن التعصب.
وتطرقت مداخلات المشاركين في هذه الندوة، التي بدأت مساء أول من أمس حول موضوع «العرب والتحولات الإقليمية والدولية الجديدة: العروبة إلى أين؟»، إلى التحولات التي يعيش العالم العربي تداعياتها حتى اللحظة، وأثرت سلباً على فكرة العروبة وما نجم عنها من ترتيبات وأبنية سياسية. فيما تتوزع الندوة على 3 محاور، تشمل: تجربة وآفاق فكرة العروبة والبناء الإقليمي العربي، وخلفيات ومآلات الهوية والانتماء القومي في الفكر العربي المعاصر، ومسارات واتجاهات النظام العربي والبيئة الدولية والإقليمية الشرق أوسطية، إلى الدور الذي يتعين على جامعة الدول العربية أن تقوم به، انسجاماً مع الهدف من إنشائها.
وقال محمد بن عيسى، وزير الخارجية الأسبق والأمين العام لـ«مؤسسة منتدى أصيلة»، إن هذه الندوة المنظمة ضمن فعاليات جامعة المعتمد بن عباد المفتوحة في دورتها الـ35، «جرد لمحاولات التحديث التي ظهرت في العالم العربي منذ نهاية القرن الـ19 واقترنت وامتزجت بالعروبة، حيث تبلورت في ثلاث صياغات متمايزة: صيغة حضارية تمثلت في جهود الأدباء والمفكرين، الذين آمنوا بإمكانية بعث الأمة العربية، مقتدين بالنهضة الأوروبية.
فيما اهتمت الصيغة الثانية بالجانب الآيديولوجي، وتمثلت في الانسياقات السياسية الحزبية، والتنظيمات الحركية التي تبنت مسألة الوحدة العربية، انطلاقاً مما اعتبره دعاة الوحدة العربية المقومات المشتركة التي يتم بها تشييد الدولة القومية المكرسة لهوية الأمة. أما الصيغة الثالثة فهي ذات بعد استراتيجي، ممثلة في النظام الإقليمي الاندماجي الذي تبنته جامعة الدول العربية وأجهزتها المختصة في العمل العربي المشترك».
من جهته؛ استعاد نبيل يعقوب الحمر، مستشار ملك البحرين لشؤون الإعلام، ووزير الإعلام سابقاً، أبرز المراحل التي مر منها التيار القومي العروبي منذ بداية القرن حتى الوقت الحاضر، مشيراً إلى أنه «تاريخ طويل من التبلور والحلم القومي العربي».
وأوضح الحمر أن «التحولات في عالم اليوم لم تعد عسكرية أو سياسية بحتة»، ممثلاً لذلك بـ«الكيفية التي انسحبت بها أعتى قوة عسكرية في العالم من أفغانستان بعد حرب طويلة»، قبل أن يشير إلى أن «التحولات اليوم باتت تأخذ طابعاً اقتصادياً، اجتماعياً وإعلامياً بالدرجة الأولى، فيما أضفت عليها جائحة (كورونا) مسارات جديدة غيرت وجه العالم».
ورأى الحمر أن «هذا التحول وضع العرب أمام تحديات كبيرة، صارت تدفع إلى إمعان التفكير في الوضع العربي الراهن»، ملاحظاً أن الساحة العربية «تشهد اليوم حروباً داخلية واقتتالاً بين الإخوة، وغزواً خارجياً وعبثاً إقليمياً ودولياً، واعتداءات يومية متكررة على الدول العربية»، قبل أن يستدرك بالقول إنه رغم هذه الصورة القاتمة؛ «إلا إننا يجب ألا نفقد الأمل»، مشيراً إلى «بذور تحولات عربية إيجابية، وانفراج في الوضع، فيما أصبح الإنسان العربي أكثر وعياً وإدراكاً للمؤامرات التي تحاك، وأصبح أكثر تشبثاً بعروبته».
وشدد الحمر على أن جامعة الدول العربية تقع عليها «مهمة جسيمة ورئيسية في تقريب وجهات النظر بين الدول العربية، وإيجاد أرضية مشتركة فيما بينها، وقواسم رئيسية يلتقي عليها الفرقاء العرب».
أما الكاتب والباحث العراقي الحسين شعبان فتحدث خلال أشغال الجلسة الأولى، التي حملت عنوان: «فكرة العروبة والبناء الإقليمي العربي: التجربة والآفاق»، عن التداخلات الإقليمية وتأثيراتها على القرار العربي، ممثلاً بإيران وتركيا، مشيراً إلى «تراجع القضية الفلسطينية، وانفجار الهويات الفرعية، وانبعاث رياح الطائفية والإثنية المناوئة لفكرة العروبة».
كما تحدث عن علاقة العروبة بالحداثة، وقال إن العروبة «متحولة ومتفاعلة، متجددة باستمرار وتتغير بعض عناصرها، فيما صار اختلاف الهويات أمراً واقعياً وليس مفتعلاً، وهناك حق في الهوية للشعوب والجماعات والأشخاص، كما أن هناك علاقة بين العروبة والمواطنة».
وشدد شعبان على أنه «صار من المطلوب اكتشاف العروبة وتحديثها وأنسنتها وتحصينها بالحربة والتنوع وقبول الآخر».
من جهتها، قدمت إلهام كليب، رئيسة «جامعة اللاعنف وحقوق الإنسان» من لبنان، عرضاً ضمنته إشارات لإسهامات اللبنانيين الغزيرة والرائدة في تحديث اللغة والثقافة والإصلاح والتنوير.
وركزت كليب في مداخلتها على «إسهام النساء اللبنانيات في النهضة العربية، خصوصاً من خلال اقتحامهن عالم الإعلام وإصدار الصحف والمجلات في شرق خارج لتوه مما سمي (عصور الانحطاط)، ويتوق إلى الحرية والتطور».
أما الكاتب والمحلل السياسي اليمني مصطفى نعمان، فركز على جامعة الدول العربية، مقدماً نقداً لمنجزها، ومشيراً إلى أنها «لم تستطع أن تحل مشكلة عربية واحدة، وبالتالي لم تستطع أن تقوم بالمهمة التي تم إنشاؤها من أجلها»، مشدداً على أنها «انتهت إلى جهاز إداري لا يقدم شيئاً». كما شدد نعمان على أن «العروبة فكرة جميلة ومثالية، لكن لا علاقة لها بالواقع بسبب المشكلات التي يعيشها العالم العربي».
بدوره؛ تناول محمد أبو حمور، الأمين العام لـ«منتدى الفكر العربي»، في كلمة ألقاها بالنيابة كايد هاشم نائب الأمين العام للشؤون الثقافية، أبرز ملامح المستجدات على صعيد التنمية العربية في سياق التحولات الإقليمية والدولية الجديدة وبعض المؤشرات المهمة المتعلقة بها عربياً، مشدداً على أن النظرة الشمولية لمشكلات التنمية العربية «تدعونا إلى تناول متداخل الاختصاصات» موضحاً أن الأزمات «ترابطت ليس فقط عندما غابت هذه النظرة، ولكن أيضاً مع غياب الرؤية العربية الواحدة، مما أوجد شيئاً من التفاوت والتباعد بين المجتمعات وجذورها الحضارية المشتركة».
ورأى أبو حمور أن «إعادة الترابط العربي في حقوق التنمية تبدأ من المفاعيل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، والمصالح الحقيقية والموضوعية لهذا الترابط، وصولاً إلى بناء كتلة اقتصادية تستطيع أن تشكل وزناً للصوت العربي في المقاييس والنظام العالمي القائم على تكتلات متنافسة».