اخبار الإقليم والعالم
القاهرة تنجح في عقد تفاهمات أمنية مع تل أبيب.
مصر تكسر المحرمات العسكرية لاتفاقية السلام مع إسرائيل
نجحت مصر تدريجيا في عقد تفاهمات أمنية مع إسرائيل كسرت بموجبها ما يندرج في عداد محرمات حوتها اتفاقية السلام بينهما وملحقاتها العسكرية السرية التي وقعت منذ اثنين وأربعين عاما، وتمكنت القاهرة من إدخال أرتال من المعدات وعناصر من قوات الجيش إلى مناطق مختلفة ذهبت إلى أبعد مدى في سيناء مع احتدام حربها على الإرهاب السنوات الماضية.
وأعلن الجيش الإسرائيلي الاثنين أن ضباطا عسكريين كبارا اجتمعوا مع نظرائهم من المصريين وناقشوا القضايا المشتركة التي تواجه الجيشين.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في تغريدة عبر تويتر “عقد الأحد اجتماع للجنة العسكرية المشتركة للجيش الإسرائيلي والجيش المصري، حيث تم تناول القضايا الثنائية بين الجيشين”.
وخلال اجتماع اللجنة تم التوقيع على تعديل لاتفاقية تنظم وجود قوات حرس في منطقة رفح لصالح تعزيز تواجد الجيش المصري الأمني في هذه المنطقة، وتمت المصادقة على هذا التعديل من قبل المستوى السياسي في إسرائيل.
وعلّقت القاهرة الاثنين على تغريدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ببيان أعلنه المتحدث باسم الجيش المصري عقيد غريب عبدالحافظ، أكد فيه أن اللجنة العسكرية المشتركة نجحت بناء على الاجتماع التنسيقي في “تعديل الاتفاقية الأمنية بزيادة عدد قوات حرس الحدود وإمكاناتها بالمنطقة الحدودية برفح، وذلك اتفاقية دولية بما يعزز ركائز الأمن طبقا للمستجدات والمتغيرات”.
وقالت مصادر أمنية لـ”العرب” إن الاتفاق دولي وجاء في سياق تأمين الحدود المصرية على الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي، وهو خاص بوجود قوات من حرس الحدود المصرية على محور صلاح الدين المعروف بمحور فيلادلفيا داخل قطاع غزة بطول 14 كيلومترا، بالقرب من الحدود مع مصر.
وكشفت المصادر أن هناك اتفاقا رسميا سابقا بين القاهرة وتل أبيب يتعلق بتواجد 750 جنديا مصريا في هذه المنطقة، وتمت زيادة هذا الرقم حتى وصلت إلى أكثر من عشرة أضعافه من خلال تفاهمات ضمنية بين الجانبين، بهدف محاربة التنظيمات الإرهابية التي نشطت بين قطاع غزة وسيناء.
وأكدت المصادر أن لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الحكومة الإسرائيلية نيفتالي بينيت في شرم الشيخ في سبتمبر الماضي “منح الضوء الأخضر لطواقم من العسكريين الفنيين من الجانبين للجلوس معا والتوصل للاتفاق الأخير، وتطوير التعاون بما يحقق أهداف كل طرف الأمنية”.
وأوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية أحمد فؤاد أنور لـ”العرب” أن اعتراف المستوى السياسي في إسرائيل بهذا الاتفاق أتى بعد إقرار الميزانية وتفويت الفرصة على سحب الثقة في حكومة بينيت، ما يعني أنها باتت أكثر تحررا من ضغوط المعارضة، ومستقرة نسبيا بما يمكنها من اتخاذ قرارات في مستوى هذا الاتفاق.
وأضاف أن المعنى الذي ينطوي عليه الاتفاق الدولي بالنسبة إلى القاهرة، هو أنها نجحت في فرض إرادتها العسكرية على الأوضاع الأمنية في سيناء وتمكنت من تكييف الموقف السياسي في إسرائيل لصالحها عبر سياسة “الخطوة خطوة” التي قبلت بها على مضض حكومة بنيامين نتنياهو السابقة وتقبلها رضائيا حاليا حكومة بينيت.
واستغلت مصر جيدا حربها في مجال مكافحة الإرهاب داخل سيناء وخرقت الكثير من البنود التي حواها الملحق العسكري مع إسرائيل ضمن اتفاقية السلام، وكان يحرمها من تواجد معدات ثقيلة وعناصر من الجيش في المنطقة (ج) القريبة من الحدود معها، غير أن التطورات الأمنية المتسارعة على أرض سيناء عززت وجود القوات المصرية بجانب الشرطية، بما فيها مناطق كان يعترض على الاقتراب منها المستوى العسكري في إسرائيل.
وأشار أنور لـ”العرب” إلى أن الجديد في الاتفاق الأخير أنه جاء اعتماده رسميا من قبل إسرائيل وعبر لجنة مشتركة مهمتها التنسيق بشأن ضبط الحدود ومنع انفلاتها، ومنع حفر الأنفاق، ووقف عمليات التسلل، والإبلاغ عن أي عمليات إرهابية محتملة.
وعززت الحكومة المصرية حضورها المادي في جميع أنحاء سيناء في الفترة الأخيرة من خلال تواجد قيادة صلبة لقوات الجيش، وتكثيف المشروعات التنموية تحت إشراف الهيئة الهندسية التابعة للمؤسسة العسكرية وبناء جسور وأنفاق تربط بين شرق وغرب قناة السويس وصولا إلى سيناء، ما يمثل هاجسا أمنيا خفيا لإسرائيل، يمكن أن تتراجع دوافعه العسكرية مع تطوير الاتفاقيات الأمنية.
ووصلت القاهرة إلى تفاهمات متقدمة بخصوص طلعات كانت تقوم بها طائرات عسكرية مصرية في الشريط الحدودي من داخل إسرائيل، وفاجأت عملياتها التنظيمات المتطرفة بما أسهم في القضاء على كثير من قوتها المسلحة والبشرية في سيناء.
وأكد الخبير العسكري وعضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري اللواء حمدي بخيت أن تعظيم التواجد العسكري للجيش في سيناء بكل السبل يعكس الثقة السياسية التي وصلت إليها العلاقة بين القاهرة وتل أبيب، وتقليل مخاوف الجانب الإسرائيلي من مخاطر وجود الجيش المصري على الحدود بأي عدد من القوات.
وذكر لـ”العرب” أن مصر وإسرائيل أدركتا أن التنمية في سيناء لا يمكن أن تتحقق بالقدر المأمول الذي يقضي على كل أشكال التطرف والإرهاب دون وجود عسكري قوي للجيش يحفظ التنمية ويسرّع من وتيرتها بشكل يحمي الأمن القومي للطرفين.
وشدد على أن الرسالة المهمة في كل التطورات السياسية والتفاهمات العسكرية مع إسرائيل هي أن “سيادة مصر على أراضيها لا تقبل المهادنة أو التنازل”.
ولفت مراقبون إلى أن الحضور المكثف للجيش المصري في سيناء يعزز مصداقية القاهرة لدى المجتمع الدولي في احترامها لاتفاقياتها الرسمية، وعلى رأسها إسرائيل، وأن الدولة المصرية حريصة على تكريس الأمن والاستقرار تحسبا لأي ترتيبات مستقبلية بالنسبة إلى الأوضاع في قطاع غزة.
وتوقع المراقبون أن تكون الاتفاقية الأخيرة لها علاقة بما سيجري في غزة الفترة المقبلة، ولها علاقة بالتهدئة بعيدة المدى بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، والصفقة الشاملة المنتظرة التي أشار إليها وزير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل في تصريحات لصحافيين إسرائيليين على هامش مؤتمر غلاسكو للمناخ قبل أيام.