ثقافة وفنون

جورج وسوف ووائل جسار في موسم الرياض: قمم المكان والفنان

الرياض

الرياض من فوق مذهلة: أضواء بكل الألوان، وحياة لا تغفو باكراً كحال المدن الكئيبة. المشهد من أعلى مسرح أبو بكر سالم في العاصمة السعودية، يُبين الإرادة الجبارة في تحويل المكان من طبيعة صحراوية إلى تحفة معمارية. تطلب العمل مائة يوم لبناء «القلعة» الترفيهية الضخمة، فكانت تحية لسواعد السعوديين أصحاب الإنجاز في الوقت القياسي.

انتظر الجميع فنانَيْن: الأول يغني للمرة الأولى في موسم الرياض هو جورج وسوف، والثاني يطل على جمهور هذا الحدث الخلاق للمرة الثانية هو وائل جسار. شاشات عملاقة كشلال سحر يُلقى على العين فيدهشها، و«الدرون» تصور الإبهار كتوثيق لهذه الدهشة، فيما الفنانان يُطربان بروعة الأغنيات.

تنقل «إم بي سي» حفلات موسم الرياض، فلا تعود المسافات الجغرافية عائقاً أمام الفرح. يمكنك، من منزلك، أن تكون شريكاً في المعادلة الترفيهية المتفوقة. وأن تتخيل أكثر، ولا تحد الخيالات بسقف. مذهل الجهد السعودي، وهذا ليس إطراء بل حقيقة يعترف العالم بها. مدنٌ تنام على القهر، لا أضواء في منازلها وشوارعها، أبناؤها مخذولون في العمق؛ وأخرى تقدم عبرة في قوة الإرادة وهي ترفع شأن الدول، وفي الإصرار على مصافحة المستقبل.

وقد لُمح، هذا المستقبل الباهر، جالساً على المقعد الأمامي في مسرح أبو بكر سالم حيناً، وسابحاً في الفضاء الشاهد على العظمة حيناً آخر. جنباً إلى جنب مع كاميرات «الدرون» المُبحرة في الليل، كأنها ترقص مع نجمة. المستقبل ضيف الشرف الأول، ونجم النجوم. تُظهر كاميرا المخرج كميل طانيوس أسراباً من الأمل تحلق وترتفع. الأمل بأن الآتي أعظم، لا في التشاؤم والجنون الجماعي، بل بالمشاريع والأحلام والمكانة العالمية.

البداية مع وائل جسار ثم جورج وسوف، كلاهما أطل بالأسود، سيد الأناقة. تنظم «بنشمارك» حفلات موسم الرياض بجهود «الهيئة العامة للترفيه» الساهرة على التفاصيل الجمالية. بشرٌ يتعبون، والتعب يُزهر. ينهمك الناس على المقاعد بالغناء وتصوير اللحظات السعيدة. يتحمس وائل جسار الآتي إلى الحفل واثقاً من المحبة المتبادلة. «نورتوني وشرفتوني»، يُمسي على الرياض وناسها. يرفع الصوت: «إيدينا لفوق»، فيستجيب الحاضرون لمزاج التهييص.
 

يغني أروع ما في المسيرة، وقبل الغناء، يكشف اسم الأغنية فيتفاعل الحضور ابتهاجاً بالخيارات ومستواها. لديه الكثير ليُسعِد به، لكن لـ«غريبة الناس» مكانة في قلبه وقلوب المعجبين بالأغنية المميزة. تخرج من الحنجرة كلمات جريحة: «ما فيش إحساس ما فيش ولا ذكرى لي»، وقبل أن يلتقط الجمهور الأنفاس، يُرفقها بروعة ثانية: «بتوحشيني»، مع عبرة الحب الأبدية: «المشاعر مش كلام، نفسي أحس بالاهتمام».

مهما جدد الفنان، يبقى للقديم بيت عتيق في الوجدان. كريم وائل جسار في خياراته لحفلة موسم الرياض، فيقدم وليمة شهية. غنى «جرح الماضي» وعتبَ على هجران الحبيب: «حتى الآه لبتوجعني صوتها عندك مش مسموع». أكمل طريق آلام الغرام: «مشيت خلاص»، و«حاولت أنساك يوم بعد يوم، ولا يوم نسيت». تكثر الروائع في الليالي الرائعة، فتزينها «على رمش عيونها» لوديع الصافي بصوت جسار، الذي يجدد سعادته بالأمسية: «رائعون! ماذا عساني أقول؟».

محظوظة المدن التي تنشغل بالغناء، عوض أن تشغلها الكيديات والحرائق. تغني أصوات من «بوليفارد المواهب» أمام الجمهور بين فواصل الاستراحة وقبل صعود النجوم الضيوف إلى المسرح. ثم يعلو التصفيق وجورج وسوف يطل على الناس بأوجاع جسدية لا تُخفى، لكن ببهجة داخلية. يستمد من شعار موسم الرياض لهذه السنة، «تخيل أكثر»، جملة الترحيب: «ظننتُ أنني سأتخيل أكثر، لكن ما شاهدته فاق الخيال».

تصفيق مع هتاف: «أبو وديع» يدرج هذا الاستقبال الحار في حفلاته خلال الوقفة السريعة بين الأغنيات. لم يغنِّ من جديده. فضّل القديم من نوع: «صابر وراضي» و«سِبْت كل الناس عشانه»، وما لا يُنسى في زحمة الوقت: «روحي يا نسمة»، دائماً مع الحنين «وحنبقى يا قلبي على طول عاشقين».

يتكئ على كرسي يخفف حِمْل الأجساد المتعبة ومرور العمر بثقل على المرء. قد تتعطل يدٌ أو تتوقف وظيفة عضوية عن السير بانتظام دقيق، لكنّ في الداخل شغفاً لا يتنازل عن الرغبة في المزيد. مهما تمرد الهيكل الجسدي وعاند وقَهَر، تروضه روحٌ في إمكانها تسلق القمم من دون تعب.

أجمل مَن «يُليل»، ويُدخل الناس في لحظة فنية خاصة. يختار لموسم الرياض «نسيت الليل»، بديعة المعاني. «حزين يا ليل، حيران يا ليل، سهران يا ليل، يا ليل يا ليل». فيها جملة تختزل عذاب الحياة: «العمر لحظة منزعل ليه»، والكثير من العتب: «مهما الدنيا تتغير، أنا ما أتغير».

لا يخفت وهج «حلف القمر» و«لو نويت تنسى لفات» العصية على الإمساك بلعبة القلب: «إنه غيري خد مكاني، إنه قلبك مش عشاني». وغنى «قلب العاشق دليله»، و«دي ملاك يا ناس»، مع وردة حدائقه: «حبيت إرمي الشبك»، بإنذارها الأخير: «خلي عندك خبر إنه قلبي حجر»... «موسم المواسم»، قال عن موسم الرياض. صَدَق.

المؤرخ أديب مخزوم يعرض ما أهمله التاريخ عن الموسيقار محمد عبدالوهاب


شراكة بين جي 42 الإماراتية وإنفيديا في تكنولوجيا المناخ


صلاحيات مختلفة للرئيس التونسي من دستور 1959 إلى دستور 2022


بناء نموذج أفريقي للسلام ممكن