اخبار الإقليم والعالم
أزمة دبلوماسية خطرة تتربص بلبنان
لبنان ضد لبنان: من حزب الله إلى جورج قرداحي
وضع رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري الأزمة في العلاقات بين بلاده والسعودية في نصاب آخر يقول إنها أزمة استعداء منهجي يتحمل حزب الله المسؤولية الأولى عنه. وهو ما يؤدي الى أن يقوم لبنانيون بالإضرار بمصالح لبنان.
وقال الحريري في بيان إن “المسؤولية أولاً وأخيراً تقع على حزب الله الذي يشهر العداء للعرب ودول الخليج العربي وعلى العهد الذي يسلم مقادير الأمور لأقزام السياسة والإعلام والمتطاولين على كرامة القيادات العربية”.
وأضاف الحريري أن هناك “سياسات رعناء واستعلاء باسم السيادة والشعارات الفارغة قررت أن تقود لبنان إلى عزلة عربية غير مسبوقة في تاريخه. أما ثمن العزلة فسيتم دفعها من رصيد الشعب اللبناني المنكوب أساساً باقتصاده ومعيشته وهو يتعرض يومياً لأبشع الإهانات دون أن ترف لأهل الحكم وحماته من الداخل والخارج جفون القلق على المصير الوطني”.
ويقود حزب الله منذ عدة سنوات حربا مكشوفة ضد السعودية، عززها بدعمه العسكري لجماعة الحوثي في اليمن بالأسلحة والمدربين وإدارة عمليات توجيه الصواريخ. وزاد الأمر سوءا بوجود شبكات حوّلت التجارة بين لبنان والسعودية إلى ممر لتهريب المخدرات، وهو ما دفع السعودية الى مقاطعة واردات الفواكه والخضار في أبريل الماضي.
بينما يحاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وضع حد للضرر الناجم عن التصريحات التي أدلى بها قرداحي، بتشكيل “خلية أزمة”، لمعالجة القطيعة الدبلوماسية بين البلدين، فإن المراقبين يقولون إن هذه الخلية لن تنجح في مهمتها ما لم تضع حدا للأعمال العدائية التي يشنّها حزب الله ضد السعودية ودول الخليج الأخرى، ومنها وقف مشاركته في أعمال العدوان الحوثية ضد السعودية.
ومن المستبعد أن تتمكن خلية الأزمة من بلوغ الهدف منها، حتى وإن لجأت إلى اشتراك أطراف وساطة عربية.
وأظهرت السعودية بوضوح أن الكيل قد فاض بها الى درجة أنها لم تعد مستعدة لسماع كلام معسول يُظهر شيئا ويُضمر آخر من جانب المسؤولين الحكوميين اللبنانيين، بينما تمضي وقائع الاستعداء على الأرض في مجرى آخر.
الخاضعون لهيمنة حزب الله والذين يتبنون مواقفه، ومن بينهم المسؤولون الذين حاولوا إيجاد تبريرات لهجمات وزير الإعلام جورج قرداحي، بالقول إنها سُجلت قبل تعيينه على رأس وزارة الإعلام بأسبوعين، وأنها لا تمثل سياسة الحكومة، لم يعد بوسعهم مواصلة التوريات التي يعتبرها السعوديون نفاقا قديما لا نفع فيه.
والمسألة بالنسبة إلى السعودية ليست مسألة مقدم برامج تلفزيونية صار وزيرا لاعتبارات شخصية بينه وبين الرئيس ميشال عون، ولكنها مسألة سياسات تتم ممارستها في لبنان داخل الحكومة، وخارجها وفي العديد من المؤسسات الإعلامية التابعة لهذا الطرف أو ذاك، لا تكف عن إظهار الكراهية للسعودية ودول الخليج الأخرى. وهي ما يقول المسؤولون الخليجيون إن الوقت قد حان ليعرف هؤلاء ومن يقف وراءهم أنهم يضرون بمصالح بلادهم أكثر مما يضرون بالسعودية، لاسيما وأن الكثير من واردات الدول الخليجية من لبنان هي على وجهها الحقيقي مساعدات أكثر منها احتياجات للدول التي تستوردها.
تشير بيانات رسمية إلى أن قيمة صادرات لبنان السنوية إلى السعودية تتجاوز 250 مليون دولار، ضمنها 22 مليون دولار من قطاع تصدير الخضار والفواكه.
وكان السفير اللبناني لدى السعودية فوزي كبارة قال مؤخرا إن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ خلال السنوات الست الماضية 600 مليون دولار سنويا، مشيرا إلى أن السعودية تعد الوجهة الثانية للتصدير من بلاده بعد دولة الإمارات بمعدل 250 مليون دولار سنويا.
ويدفع الرئيس ميقاتي باتجاه دعوة قرداحي إلى الاستقالة، إلا أن الأخير ما يزال يحظى بدعم حزب الله وينادي بفكرة أن لبنان دولة ذات سيادة، وأن وزراءها لا يستقيلون بسبب ضغوط خارجية.
وبعد أن حاول الرئيس ميشال عون إيجاد تبريرات لقرداحي عاد ليُظهر في أحدث مشاوراته مع ميقاتي الاستعداد الى أن يترك الأمر لقرداحي نفسه لكي يقرر ما يتعين عليه فعله لخدمة المصلحة الوطنية، من دون أن يفرض عليه الاستقالة فرضا.
وأكد الرئيس عون السبت على ضرورة إقامة أفضل وأطيب العلاقات مع المملكة العربية السعودية ومأسسة هذه العلاقات وترسيخها من خلال توقيع الاتفاقيات الثنائية بين البلدين مشددا في بيان نُشر عبر حساب الرئاسة اللبنانية على موقع تويتر على أنه تابع مداولات خليّة الأزمة لمعالجة تداعيات موقف المملكة العربية السعودية الأخير.
وأكد البيان على ضرورة أن يكون التواصل بين البلدين في المستوى الذي يطمح إليه لبنان في علاقاته مع المملكة ومع سائر دول الخليج.
وحيث أن الكرة في ملعب حزب الله الذي يتعين أن ينظر في تلك “المصلحة”، إلا أن فكرة “المصلحة الوطنية” ليست، من الأساس على جدول أعمال حزب الولاء لإيران.
وكتب وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان، تغريدة قال فيها “كفانا كوارث.. أقيلوا هذا الوزير الذي سيدمر علاقاتنا مع الخليج العربي قبل فوات الأوان”. وتساءل “إلى متى يستفحل الغباء والتآمر والعملاء بالسياسة الداخلية والخارجية اللبنانية”.
وذهب النائب المستقيل مروان حمادة إلى حد الدعوة إلى استقالة حكومة ميقاتي نفسها، إذا فشلت في إدارة الأزمة.
وقد يستقيل قرداحي بالفعل، إلا أن ذلك لن يعيد المياه إلى مجاريها السابقة بين لبنان والسعودية.
ويقول مراقبون إن منهجية الاستعداء ضد الدول العربية التي يتبعها حزب الله حتى وإن كانت لا تضر إلا بلبنان، فإنه لن يتخلى عنها، لأنها جزء من حربه ضد الذين يعتبرون لبنان جزءا من الدائرة العربية، بينما يريده أن يكون جزءا من المشروع الإيراني، ومن دون منافس.