اخبار الإقليم والعالم
تضامن شعبي لبناني مع السعودية
الصدع بين الرياض وبيروت يغلق الأبواب أمام أي انفراجة قريبة للبنان
يزداد الضغط على حكومة نجيب ميقاتي مع اتساع رقعة الأزمة مع السعودية على خلفية تصريحات لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حول حرب اليمن وما أعقبها من غضب سعودي وخليجي فيما يستغل الفرقاء السياسيون في لبنان الأزمة للتصعيد ضد الحكومة اللبنانية حديثة العهد وتحويلها إلى لغم يمكن أن يفجرها وهي لم تبدأ بعد عملها.
وثار الخلاف بسبب تصريحات أدلى بها قرداحي قبل توليه منصبه وانتقد فيها التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، وأدى إلى إطلاق دعوات من بعض كبار المسؤولين لاستقالته ومعارضة آخرين لاتخاذ هذه الخطوة، حيث لا يتحمل لبنان أن تستقيل حكومته في الوقت الراهن.
والجمعة طردت السعودية السفير اللبناني وحظرت جميع الواردات اللبنانية. وحذت البحرين والكويت حذوها وقالت كل منهما إنها أمهلت السفير اللبناني لديها 48 ساعة لمغادرة البلاد. والسبت أعلنت الإمارات سحب دبلوماسيها من لبنان ومنع مواطنيها من السفر إلى هذا البلد، وذلك "تضامنا" مع السعودية.
كما عبرت قطر عن استغرابها الشديد واستنكارها للتصريحات الأخيرة الصادرة عن وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي. وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية القطرية السبت: "نعرب عن استيائنا الشديد واستنكارنا للتصريحات الأخيرة الصادرة عن وزير الإعلام اللبناني". وأضاف البيان أن "موقف وزير الإعلام اللبناني الجديد غير مسؤول تجاه بلده وتجاه القضايا العربية على حد سواء".
وقال وزير التعليم عباس الحلبي بعد الاجتماع إن من غير الممكن ترك البلاد دون حكومة بالنظر إلى وجود مسائل أخرى ضاغطة وإن الحكومة ستواصل العمل لحل الأزمة. وجاءت هذه التصريحات عقب اجتماع لخلية وزارية تتابع الأزمة وقد حضره ريتشارد مايكلز نائب رئيس البعثة الأميركية في لبنان.
وكان ميقاتي طلب من قرداحي الجمعة "تقدير المصلحة الوطنية واتخاذ القرار المناسب"، لكنه أحجم عن مطالبته بالاستقالة.
وأكد وزير الخارجية عبد الله بوحبيب أن اتصالات ميقاتي مع مسؤولين في عدد من الدول أظهرت وجود معارضة لاستقالة الحكومة التي تشكلت الشهر الماضي بعد تعثر استمر 13 شهرا. وقال إن تلك الدول طلبت من رئيس الحكومة أن يستبعد التفكير في الاستقالة.
ونقلت وكالة رويترز عن مصدر سياسي كبير أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على اتصال مع المسؤولين اللبنانيين لمنع انهيار الحكومة وأنه ليس هناك مؤشرات إلى الآن على استقالة أي من الوزراء.
ويلقى قرداحي دعما علنيا من حزب الله وامتنع عن الاعتذار أو الاستقالة بسبب التصريحات التي وجهت أسوأ ضربة للعلاقات السعودية اللبنانية منذ احتجاز سعد الحريري عام 2017 في الرياض.
ويقول متابعون أن الفرقاء السياسيين وجدوا في هذه الأزمة منفذا للضغط على الحكومة لافتين أن أزمة سياسية داخلية كانت تلوح في الأفق بسبب ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وطلب الوزراء المحسوبين على حزب الله تنحية المحقق العدلي القاضي طارق البيطار.
وفي سياق الضغط، قاطع الأسبوع الماضي الوزراء الشيعة جلسات مجلس الوزراء إلى تأجيل عقد جلسات مجلس الوزراء إلى أجل غير مسمى، لتأتي أزمة التصريحات القديمة المتجددة لتزيد من تعقد المشهد في البلد المرهق اقتصاديا واجتماعي وسياسيا.
وقال الراعي السياسي للوزير، سليمان فرنجية رئيس تيار المردة المتحالف مع حزب الله، في مؤتمر صحفي إنه رفض عرضا قدمه قرداحي بالاستقالة وإنه لن يسمي خليفة لقرداحي إذا فعل ذلك.
وجاء ذلك ردا على دعوة مجموعة من رؤساء الوزراء اللبنانيين السابقين قرداحي إلى الاستقالة بعد أن وجّهت تصريحاته ضربة قوية للعلاقات مع دول الخليج العربي. وقال فؤاد السنيورة وسعد الحريري وتمام سلام في بيان إن آراء قرداحي "تشكل ضربة قاصمة للعلاقات الأخوية والمواثيق والمصالح العربية المشتركة التي تربط لبنان بالدول العربية الشقيقة، وتحديدا مع دول مجلس التعاون الخليجي، ولاسيما مع المملكة العربية السعودية".
وأضاف البيان أن على الوزير أن يدرك "ما أوصلته مواقفه من إِضرار بالمصلحة الوطنية العليا للبنان، وبالتالي أن يبادر ويسارع إلى تقديم استقالته، إذ إن استمراره في الحكومة أصبح يشكل خطرا على العلاقات اللبنانية - العربية وعلى مصلحة لبنان وعلى مصالح اللبنانيين في دول الخليج العربي وفي العالم".
وإذا استقال قرداحي، فقد يحذو حذوه وزراء تدعمهم جماعة حزب الله وحليفتها حركة أمل الشيعية، وذلك في وقت تواجه الحكومة خلاله أزمة معقدة وبينما يمر لبنان بأزمة مالية يصفها البنك الدولي بأنها من بين أسوأ الأزمات في العصر الحديث.
ويأمل ميقاتي في تحسين العلاقات المتوترة مع دول الخليج العربية منذ سنوات بسبب نفوذ حزب الله المدعوم من إيران. وقد حرص في أولى تصريحاته عقب تشكيل الحكومة على النأي بها عن سياسات حزب الله حيث قال إن "حزب الله ينتهك سيادة لبنان" وإن أن حكومته "لن تسمح بتحويل لبنان إلى منصة لاستهداف دول العالم العربي".
كما قال إن الحكومة اللبنانية الجديدة تنتظر "الأخ الأكبر" العربي لمساعدتها خلال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وكرر التأكيد على ذلك في آخر تصريحاته السبت عقب المواقف الخليجية بسحب السفراء حيث قال مساء الجمعة: "لطالما عبّرنا عن رفضنا أي إساءة تُوجه إلى المملكة العربية السعودية ودعونا إلى تصحيح ما شاب العلاقات بين البلدين الشقيقين من شوائب خلال الفترة الماضية، وشددنا في البيان الوزاري على أن من أولويات حكومتنا العمل على استعادة العلاقات والروابط التاريخية بين لبنان وأشقائه العرب".
وفي ذات السياق، أكد الرئيس اللبناني ميشال عون في أكثر من مناسبة على ضرورة حماية العلاقات اللبنانية السعودية من تأثير المواقف الفردية. وشدّد عون في تغريدات متتالية منذ اندلاع الأزمة على حرصه "على إقامة أفضل علاقات ممكنة مع السعودية".
والسبت، غرّد عون متطلعا لرأب الصدع مع المملكة، قائلا "حريصون على إقامة أفضل وأطيب العلاقات مع المملكة ومأسسة هذه العلاقات وترسيخها من خلال توقيع الاتفاقات الثنائية بين البلدين".
وقال المحلل السعودي علي الشهابي إن تصريح قرداحي مؤلم بشكل خاص لأن مسيرته كانت مع وسائل إعلام مملوكة للسعودية، لافتا أن الخلاف الأحدث يعود إلى القلق السعودي من قبضة حزب الله المتزايدة على لبنان على الرغم من الدعم المالي السعودي الهائل ومئات الملايين التي يرسلها اللبنانيون العاملون في الخليج.
وقال الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وزير الخارجية السعودي السبت إن أحدث أزمة مع لبنان ترجع أصولها إلى التكوين السياسي اللبناني الذي يعزز هيمنة جماعة حزب الله المسلحة المدعومة من إيران ويتسبب في استمرار عدم الاستقرار.
وقال الأمير فيصل في مقابلة عبر الهاتف مع وكالة رويترز"أعتقد أن القضية أوسع بكثير من الوضع الحالي... أعتقد أن من المهم أن تصيغ الحكومة في لبنان أو المؤسسة اللبنانية مسارا للمضي قدما بما يحرر لبنان من الهيكل السياسي الحالي الذي يعزز هيمنة حزب الله"، مضيفا أن السعودية ليس لها رأي فيما إذا كانت الحكومة اللبنانية يجب أن تبقى أو ترحل.