اخبار الإقليم والعالم
السعودية قبلة جديدة لكبار المستثمرين
ها هم قد عادوا: ألف مشارك في دافوس الصحراء
أضحت مبادرة مستقبل الاستثمار في السعودية، والمعروفة باسم مؤتمر “دافوس الصحراء”، أقوى مما كانت عليه متجاوزة مخلفات أزمة 2018 بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي. واستقطبت التظاهرة الكبرى أكثر من ألف مشارك، مع عودة أبرز الشركات الدولية وأهم المستثمرين.
ووصفت أوساط سياسية خليجية نجاح المؤتمر بأنه نجاح للسعودية في الخروج من دائرة استهداف ممنهج من قبل دول ولوبيات مختلفة كانت تريد توظيف قضية خاشقجي في عملية ابتزاز المملكة، ونجاح في تأكيد أهمية السعودية كنقطة جذب اقتصادي دولي مثلما يخطط للوصول إليه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وأضافت هذا الأوساط أن المملكة التي بدأت بتنفيذ إصلاحات كبرى وشاملة ضمن رؤية 2030 نجحت في تبديد الصورة التقليدية التي رسمها لها خصومها، وشرعت في إقناع دوائر النفوذ المالي الكبرى بأنها تتحول فعليا إلى سعودية جديدة.
وفي الوقت الذي ثارت فيه انتقادات واسعة ضد السعودية -بشأن مقتل خاشقجي وحرب اليمن وعملية الريتز المتعلقة بمساءلة أمراء وشخصيات مالية كبرى عن مصادر أموالهم- نجح الأمير محمد بن سلمان في تثبيت مسار إصلاحاته المتنوعة مركزا على البعد الاقتصادي الذي هو الأكثر قدرة على جذب الاهتمام والتأثير خارجيا، وهذا ما قاد إلى نجاح الدورة الجديدة من دافوس الصحراء.
ولم تكن الإصلاحات الاقتصادية -التي شملت سلسلة من المشاريع العملاقة نجحت في استقطاب الشركات الدولية الكبرى العاملة في مجالات حيوية مثل التكنولوجيا والبيئة النظيفة- هي عنصر الجذب الوحيد؛ فقد أظهرت السعودية أنها فعلا قد دخلت مرحلة الإصلاح الأصعب والأكثر تعقيدا، ألا وهي مرحلة الإصلاحات الاجتماعية.
ويقول متابعون للشأن الخليجي إن الأمير محمد بن سلمان قد خطا خطوات مهمة على طريق كسر نفوذ المتشددين داخل مؤسسات المملكة، والذين يعارضون أي تغييرات تهدف إلى تحسين وضع المرأة أو القضاء أو البرامج المدرسية، فضلا عن الانفتاح على الثقافات الخارجية واستضافة عروض موسيقية ومسرحية، وتطوير قطاع السياحة ومجال الترفيه اللذين تضعهما المملكة هدفا رئيسيا لاستثماراتها الكبرى.
ويحظى الأمير محمد بن سلمان بشعبية واسعة بين السعوديين لأنه أطلق الإصلاحات التي غيرت المملكة وخففت القيود الاجتماعية ومنحت المرأة المزيد من الحقوق، وخاصة لأنه قريب من الشباب.
وارتدت معظم النساء في المؤتمر، الذي عُقد في فندق الريتز كارلتون، أردية طويلة أو عباءات فوق بدلاتهن بما يتماشى مع العادات المحلية. واختارت الكثيرات منهن التخلي عن تلك العباءات، في حين ارتدت أخريات عباءات ملونة دون غطاء رأس.
ولم يكن من الممكن تصور مثل هذا المشهد قبل بضع سنوات فقط عندما كانت كل النساء السعوديات تقريبا يرتدين العباءة السوداء والحجاب في الأماكن العامة، وغالبا ما يرتدين النقاب. وحضر الضيوف في ليلة الافتتاح حفل عشاء تخللته أنغام الموسيقى (وهي أيضا نتاج الإصلاحات الأخيرة) في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية.
وظهر الأمير محمد بن سلمان لفترة وجيزة في المنتدى الثلاثاء، حيث جلس في الصف الأول خلال جلسة شارك فيها رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، رغم أنه لم يصعد إلى المنصة كما فعل في بعض المؤتمرات السابقة.
ويأمل ولي العهد السعودي في جذب الشركات لفتح مكاتبها الإقليمية هناك وجذب الكثير من رؤوس الأموال. وأبلغت المملكة الشركات بأن أمامها مدة تتواصل حتى نهاية سنة 2023 لإنشاء مكاتب إقليمية في المملكة، وإلا تفقد فرصة الوصول إلى العقود الحكومية.
والهدف من ذلك هو جذب هذه الشركات وموظفيها وعائلاتهم للعيش والإنفاق والاستثمار في المملكة عوض اللجوء إلى الرحلات القصيرة نحو مدن مثل دبي التي يفضلها العديد من المستشارين وغيرهم على العيش في الرياض، حيث تحظر الشريعة الإسلامية بيع الكحول.
لكن السعوديين بدأوا ينظرون إلى المسألة من زاوية أخرى، معتبرين أن السماح بالمشروبات الكحولية هو ضرورة لتسهيل استقطاب الشركاء والعمالة الأجنبية العملاقة، خاصة أنها عمالة ذات مهارة عالية، فضلا عن أنها ستكون مستقرة في أماكن خاصة بها وليس في أماكن إقامة السعوديين.
ومثلما تحدت الشركات الكبرى الحملات التي رافقت مقتل خاشقجي وحرب اليمن وجاءت لتستقر في السعودية، تريد المملكة هي أيضا أن تقطع خطوات فعلية لخلق مناخ يشجع المستثمرين والشركات الكبرى على القدوم إلى البلاد. وبسرعة استجابت الكثير من الشركات لرغبة السعوديين، وتم الإعلان خلال دافوس عن إنشاء 44 شركة متعددة الجنسيات مقرا إقليميا جديدا في المملكة.
وتضمنت نسخة 2021 -التي اختتمت الخميس وشارك فيها رؤساء أكبر البنوك العالمية وشركات إدارة الأصول وصناديق استثمار عالمية تحت عنوان “الاستثمار في الإنسانية”- مؤتمرات حول الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، والتعليم، والحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، والقطاعين المصرفي والمالي.
وشهد الحدث موجة من الشبكات وعقد الصفقات وتبادل بطاقات العمل. وركزت الكثير من المناقشات على تعهد المملكة الأخير بـ”صافي الانبعاثات الصفرية”، وهو هدف تأمل السعودية بلوغه بحلول سنة 2060.
وتأمل الحكومة أن تضيف الاستراتيجية 18 مليار دولار للاقتصاد المحلي وتخلق 30 ألف وظيفة جديدة بحلول 2030، كجزء من خطة تنويع اقتصادي أوسع للاعتماد بشكل أقل على النفط كمصدر رئيسي لعائدات البلاد.
وكان الحدث مدعوما من صندوق الاستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادية للمملكة العربية السعودية، الذي يقف وراء استثمارات بمليارات الدولارات خارج المملكة وينفق المليارات على المشاريع الضخمة داخل البلاد. وهذا يشمل وجهات سياحية جديدة على طول ساحل البحر الأحمر ومدينة نيوم الحديثة مترامية الأطراف.
وفي سياق مسعاها لجذب الاستثمارات الأجنبية، تقدّمت السعودية الجمعة بطلب لاستضافة معرض إكسبو 2030 الدولي. وقالت وكالة الأنباء السعودية إن ولي العهد تقدّم بالطلب الرسمي في خطاب وجّهه إلى المكتب الدولي للمعارض لاستضافة إكسبو 2030 في مدينة الرياض تحت شعار “حقبة التغيير: المضي بكوكبنا نحو استشراف المستقبل”.