اخبار الإقليم والعالم
الدائرة تضيق على حزب الله
لا خيارات أمام حزب الله سوى الاستمرار في التصعيد
خسر حزب الله معركة الطيونة، إلا أنه ما زال يأمل ألّا يخسر الحرب ضد طارق بيطار، قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بالرغم من قرار مجلس القضاء الأعلى الذي ينصّ على استمراره في التحقيق.
ولم يبق أمام حزب الله من خيارات سوى عودة وزراء “الثلث المعطل” الذين يتبعون الثنائي الشيعي إلى اجتماعات الحكومة المتوقفة منذ الثاني عشر من أكتوبر، وهي الاجتماعات التي كان من المقرر أن تبحث أجندة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، أملا في الحصول على حزمة مساعدات.
وأعرب رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، الذي عاد من زيارة قصيرة إلى العراق حصل خلالها على معونات نفطية إضافية، عن أمله في استئناف اجتماعات مجلس الوزراء قريبا، بعد أن توقفت على خلفية أعمال التصعيد التي قام بها حزب الله وحركة أمل احتجاجا على تحقيقات القاضي بيطار وما تلاها من مواجهات في بلدتي الطيونة وعين الرمانة.
ولئن دفع حزب الله شريكه في الثنائي الشيعي حركة أمل إلى شن هجوم غير مسبوق وحاد اللهجة على حليفه الآخر التيار الوطني الحر الذي يقوده جبران باسيل، فإن خسارة معركة الطيونة ميدانيا وسياسيا لم تبق لحزب الله إلا القبول بعودة الوزراء المحسوبين عليه، في انتظار فرصة أخرى للتصعيد لا يخسر بمقتضاها توازنات العلاقة مع حلفائه المسيحيين.
وحث الرئيس ميشال عون الحكومة على استئناف اجتماعاتها من أجل التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي على تقديم تمويل، وذلك بعد أيام من تأكيده على ضرورة استمرار التحقيق القضائي ورفض التدخل السياسي فيه.
وكانت تلك أول إشارة من الرئيس عون، الذي لا يريد أن يخسر صهره جبران باسيل كل شيء، على إمكانية أن يقبل حزب الله استمرار التحقيق قبل أن ترفع نتائجه إلى المحكمة الخاصة بمحاكمة الوزراء والنواب، حيث يمكن لمحاولات التسويف أن تستقر هناك.
ويقول حلفاء حزب الله في التيار الوطني الحر إن الحزب استعجل طلب المعركة، وخاضها ضد شخص القاضي بيطار، بينما كان بوسعه أن ينتظر حتى يتمّ ترتيب أجواء أفضل لإغلاق ملف انفجار المرفأ.
وكان جبران باسيل امتص هجوم حركة أمل ضده لأنه لم يرغب في خوض مواجهة كلامية عنيفة تقود إلى انهيار التحالف مع حزب الله، لاسيما وأن لكل طرف ما يستطيع أن يفضح به الطرف الآخر. ولئن ظل التحقيق منقوصا من بعض الأوراق المهمة لتأكيد الإهمال الجنائي الذي ترتب عليه الانفجار فإن الفضائح المتبادلة بين الذين “دفنوا المسؤولية” في ما بينهم لن تخدم أيا منهم.
ويقول مراقبون إن حزب الله يشعر بأنه خسر معركة، إلا أنه لم يخسر الحرب، وإنه ينتظر الفرصة التالية للتصعيد إذا انتهت التحقيقات إلى توجيه اتهامات جنائية.
وسعى الرئيس عون لطي صفحة المواجهات في الطيونة بعد التظاهرة التي قادها حزب الله في الرابع عشر من أكتوبر الجاري للاحتجاج على التحقيق وانتهت بمواجهة مسلحة أوقعت سبعة قتلى من عناصره وتسببت في إصابة 32 آخرين.
وتقع الطيونة بين منطقتي الشياح (ذات الأغلبية الشيعية) وعين الرمانة (ذات الأغلبية المسيحية) في بيروت على خطوط التماس في الحرب الأهلية التي امتدت 15 عاما بين عامي 1975 و1990.
وسارع الرئيس عون إلى القول إن تداعيات أحداث الطيونة “طُويت” وألا عودة إلى الحرب الأهلية، رغم أن التحقيقات بشأنها لم تكتمل بعد.
وبالتزامن مع استدعاء سمير جعجع زعيم حزب القوات اللبنانية للإدلاء بشهادته في التحقيق الخاص بتلك الأحداث، تقدم أهالي عين الرمانة بشكوى جزائية ضد حسن نصرالله أمين عام حزب الله.
وقال محامي الأهالي إيلي محفوظ إنّ “14 لبنانيًّا من منطقة عين الرمانة قدموا شكوى إلى النيابة العامة ضد حسن نصرالله بسبب تدمير ممتلكاتهم خلال الأحداث”، وأكد وجود عدة صور لأشخاص مسلحين تابعين لحزب الله شاركوا في الاشتباكات الدامية.
وكانت الضابطة العدلية التي تعمل تحت إشراف النيابة العامة وجهت الدعوة إلى جعجع بصفة “مستمع إليه”، بعد أن اتهمه نصرالله بأنه حرك مسلحين لمواجهة عناصر حزب الله خلال تظاهرة الطيونة، وهو ما نفاه جعجع وأكد أن أهالي البلدة دافعوا بأنفسهم عن ممتلكاتهم التي طالتها أعمال التخريب.
وكان جعجع رد على طلب الإفادة بالقول “تكرم عين مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، بشرط أن يستمع إلى إفادة نصرالله قبلي؛ لأنه لم تسجل أي مخالفة أو انتهاك لـ’القوات’ منذ انتهاء الحرب الأهلية”. وكان القاضي فادي عقيقي، مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، قد قرر اتهام ثمانية وستين شخصا بارتكاب جرائم القتل ومحاولة القتل وإثارة الفتنة الطائفية في أحداث الطيونة.
ولم تترك هزيمة حزب الله في الطيونة وهزيمته أمام قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت الكثير من الخيارات أمامه، لاسيما بعد أن أصدر مجلس القضاء الأعلى بلبنان قرارا دعا القاضي بيطار إلى إنجاز التحقيق في أسرع وقت ممكن، وذلك بعد أن ردت محكمتا التمييز والاستئناف طلبات تقدم بها عدد من المدعى عليهم الذين رفضوا المثول أمامه.
وكان بيطار ادعى في الثاني من يوليو الماضي على 10 مسؤولين وضباط، بينهم نائبان من حركة أمل هما علي حسن خليل وغازي زعيتر، وهما وزيران سابقان، ورئيس الحكومة السابق حسان دياب.
وينتظر حزب الله توجيه الاتهامات إلى هذين الوزيرين لكي يفجر أزمة أخرى، يبحث من خلالها عن سبيل رد الاعتبار إثر هزيمته السياسية والقانونية ضد القاضي بيطار. وهناك مخاوف جديرة بالاعتبار، أبرزها متأتية من أن القاضي الذي تلقى عدة تهديدات مباشرة مازال من الممكن السعي للتخلص منه بوسائل أخرى يمتلك حزب الله خبرات كافية فيها.