اخبار الإقليم والعالم
اعتماد آلية جديدة للرقابة لمتابعة الأداء الإداري للهيئات الحكومية في مصر.
مصر تستعين بـالمتسوق السري لمكافحة الفساد والبيروقراطية
كشفت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية أنها ستفعل ما يسمى بـ”المتسوق السري” لتقييم الخدمات المقدمة للمواطنين في الجهاز الحكومي بهدف مواجهة الفساد والتصدي للرشاوى والبيروقراطية التي تكبد الاقتصاد المصري خسائر بملايين الدولارات سنويا.
وتعتمد الخطة على تكليف موظف بالذهاب إلى إحدى الهيئات الحكومية لتلقي الخدمة كمواطن عادي، ثم يقوم بكتابة تقرير وتسليمه للجهات المعنية بما واجهه في الجهة التي ذهب إليها.
وأكدت مصادر حكومية لـ”العرب” أن مهمة “المتسوق السري” تدخل حيز التنفيذ العام المقبل وسيتم إسنادها إلى موظفين من وزارة التخطيط باعتبارها الجهة المنوط بها تطوير الجهاز الإداري للدولة وتحسين الخدمات، بالإضافة إلى أفراد من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، لما لديهم من خبرات في تقييم ومتابعة العاملين بالحكومة.
وينظر البعض للأداة الجديدة على أنها “فانتازيا” أو محاولة لتخدير المواطن والرأي العام وخلق “فرقعة إعلامية” لتغطي على فشل الحكومة في مواجهة الفساد بأساليب علمية، وأشهرها معايير قياس جودة أداء الخدمة، ومعدل أدائها.
وتعد البيروقراطية أزمة في مسار المعاملات الحكومية والإدارية حيث تتحرك في دهاليز متعرجة تخلق أرضا خصبة للوساطة والرشاوى والتربح الإضافي للموظفين، وقد يقضي المواطن ساعات طويلة أمام دوائر رسمية للحصول على وثائق أو خدمات.
واحتلت مصر المركز 117 من أصل 180 بلدا على مؤشر الفساد العالمي لعام 2020 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية بعد أن كانت في المركز 106 في العام السابق، فيما جاءت في المرتبة الـ11عربيا.
ويقول خبراء إن الرقابة بالجهات الحكومية ينبغي أن تتم عبر أساليب حديثة مثل تركيب كاميرات المراقبة داخل مكاتب الموظفين، لأن الوحدات والمصالح الحكومية متعددة في مصر، ولا يمكن للمتسوق السري تغطيتها بالكامل على مستوى البلاد.
وتحوم الشكوك حول نجاح الآلية الجديدة لأنها تعتمد على العنصر البشري، إذ يتولى مهام الوظيفة المرتقبة أفراد يعملون بالجهاز الحكومي نفسه، وقد تلعب المحسوبية أو المعارف دورا في كتابة التقارير التي تتم بواسطة المتسوق السري.
ورغم الجهود التي تبذلها الحكومة لم تتمكن من وضع حد للفساد الإداري الذي خلق حالة من التململ والتشاؤم، خاصة في ظل الحديث عن تفعيل الحكومة الإلكترونية مع الانتقال إلى العاصمة الإدارية التي تأسست وفق أحدث الأنظمة العقارية والتكنولوجيا.
وأدى ضعف الأجهزة الرقابية إلى سوء تقديم الخدمات وانتشار الرشاوى في بعض المصالح الحكومية بسبب حالة الكسل والاسترخاء والتقاعس التي تنطبق على عدد كبير من موظفي الجهاز الحكومي، ما ترتب عليه استمرار شكاوى المواطنين.
ويتخذ الفساد أشكالا مختلفة في مصر ولا يقتصر على أداء وقرارات المسؤولين، بل يشمل مقدمي الخدمات للمواطنين في مجالات مختلفة الذين يستغلون جهل طالب الخدمة بما تتيحه الحكومة من إجراءات تيسر عليه مشقة التعامل مع مقدم الخدمة.
وعندما ذهب مصطفى سالم، وهو شاب ثلاثيني يعمل بالزراعة ينتمي إلى إحدى قرى محافظة القليوبية القريبة من القاهرة، إلى مكتب صحة الأسرة لقيد مولوده الجديد بسجل المواليد، فوجئ برفض الموظفة قبول أوراق القيد بداعي أنه وُلد بمستشفى بنها التعليمي، وهي عاصمة محافظة القليوبية.
وقال لـ”العرب” إنه رأى بعينه وهو يصطف في طابور طويل يصل عدد الأفراد فيه إلى نحو 50 شخصا اقتحام بعض الأفراد للدخول إلى الموظفة، والأدهى أنها تركت المواطنين وذهبت مع هؤلاء وتغيبت نحو ثُلث ساعة عن مكتبها في المرة الواحدة.
وأضاف سالم “قررت توجيه سؤال في الخفاء لشخص يقصد تلك الموظفة، فأجابني بأنه يريد أن يقيد مولوده لكن موظفي المكتب يرفضون بداعي أنه مولود في مستشفى غير تابع لمركز قليوب، وأخبرني أن أفرادا من بلدته أرشدوه إلى تلك الموظفة التي تتقاضى 250 جنيها (نحو 15 دولارا) وتُنهي كل الطلبات”.
وتحكي أم سعد، وهي أرملة تعول 4 أبناء من إحدى قرى مركز منشأة القناطر بمحافظة الجيزة، أنها فقدت الورقة المدون بها الرقم السري لبطاقة التموين التي تملكها، وعندما ذهبت إلى مكتب التموين التابعة له تم إخبارها بأن الجهاز المخصص لإعادة الأرقام السرية معطل، ثم ذهبت في اليومين التاليين دون نتيجة.
وبسبب خوفها من أن تنتهي مدة صرف السلع الشهرية بالبطاقة سألت جيرانها عن إمكانية حل مشكلتها، فأجابوها بأنه يوجد مفتش تموين بالقرية يحل مشكلات البطاقات المعطلة لكن مقابل مبلغ من المال.
وأوضحت لـ”العرب” أنها ذهبت إلى مفتش التموين بالفعل ومنحته 75 جنيها (نحو 5 دولارات) وقام بحل مشكلة الرقم السري في اليوم التالي مباشرة.
ويؤكد كلام بعض المواطنين أن ألاعيب الموظفين اضطرت الحكومة إلى سلوك طريق جديد يتمثل في الرقابة الخفية، وهو ما يبرهن على إخفاقها في القضاء على الفساد.
وتتخذ الحكومة تلك الخطوة بالتوازي مع استراتيجية مصر للتحول الرقمي، ومن ثم تعول السلطات على أن القضاء على البيروقراطية من الجذور مرهون بالانتهاء من رقمنة الخدمات الحكومية في كل أنحاء البلاد.
ويستوجب تعميم الرقمنة وميكنة الخدمات ضرورة إحداث تطوير البنية التحتية في المدن والقرى المختلفة عبر توفير وسائل الاتصالات والإنترنت، لأنها السبيل الوحيد لعزل متلقي الخدمة عن مقدمها، وغلق الباب أمام طلب الرشاوى من المواطنين.
وأعلن وزير الاتصالات عمرو طلعت أخيرا أن استراتيجية مصر الرقمية تستهدف الوصول بعدد الخدمات الحكومية المرقمنة إلى 200 خدمة بنهاية العام الجاري على أن تنتهي كافة أعمال الرقمنة للخدمات الحكومية العام المقبل.
وقالت بسنت فهمي وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب سابقا إنه “يتم قياس جودة الأداء في أي جهة حكومية يحصل المواطن منها على وثائق عبر حساب عدد الموظفين وكمية الوثائق التي تم منحها للمواطنين على مدار يوم عمل، وبالتالي يمكن حساب متوسط عدد الوثائق التي أنجزها كل موظف، ومنها يتم حساب مدة انتظار كل مواطن للحصول على الخدمة، ثم تقييم الموظفين”.
ولم يعهد المواطن من الحكومة محاسبة الموظفين الذين يعطلون سير العمل أو قياس جودة أداء الخدمات الحكومية، لذلك فنجاح “المتسوق السري” في تتبع أداء الموظفين قد يزيد من الرضاء في الشارع للإسراع بأداء خدماتهم، ويوفر التكاليف والمصروفات على الحكومة، وبالتالي تظهر آثاره الإيجابية على الاقتصاد والاستثمار.
وأضافت بسنت لـ”العرب” أن “الحكومات السابقة تقاعست عن التغلب على البيروقراطية أو قياس أداء الخدمات الحكومية المقدمة للمواطن، لأن المواطن لم يكن ضمن أولوياتها، لذلك تجذرت البيروقراطية والفساد في كل مفاصل البلاد الإدارية”.
ويعاني الجهاز التنفيذي في مصر منذ عقود ماضية من الترهل بسبب الروتين، وهو ما يحتاج إلى حسم وصرامة في محاسبة المقصرين، ولذا تتحرك الحكومة لمواجهة ذلك بالتقليل من الاعتماد على العنصر البشري قدر الإمكان في تقديم الخدمات للمواطنين، لكنها تواجه مشكلات في عدم تقبل الكثير من الأفراد فكرة تلقي خدماتهم إلكترونيًا.
وقال رشاد عبده أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة لـ”العرب” إن “نجاح الحكومة في الاعتماد على التحول الرقمي لمواجهة البيروقراطية مرهون بوجود عزيمة لدى العنصر البشري وسعيه لتحسين أدائه”.
وذكر أن غالبية العاملين بالجهاز الحكومي غير متقبلين لمنظومة الرقمنة، لأن النسبة الأكبر تخطت سن الأربعين واعتادت العمل اليدوي، بجانب عدم اكتسابهم المهارات التكنولوجية المؤهلة للتعامل مع البرامج المختلفة.
وأشار إلى أنه لا يوجد رضاء شعبي عن مستوى الخدمات المتاحة، وتبحث الحكومة عن أدوات جديدة تسعى من خلالها لتشخيص مشكلات الروتين، لافتا إلى أهمية التقييم والمتابعة للأداة الجديدة لبيان مدى نجاحها أو فشلها في تحسين جودة الخدمات المقدمة.