اخبار الإقليم والعالم
طلب النيابة العامة رفع الحصانة عن نائب يصطدم برفض البرلمان.
أزمة الرقابة والفساد تقود إلى مواجهة بين البرلمان والقضاء في مصر
أعاد رفض مجلس النواب المصري رفع الحصانة البرلمانية عن أحد أعضائه المتهمين في قضية فساد كبرى الحديث عن مراكز القوى التي تقف حائلا أمام تحقيق الحكومة تقدما ملموسا في ملف التخلص من الفساد المتخم.
وطالبت النيابة العامة أخيرا مجلس النواب برفع الحصانة عن النائب تامر عبدالقادر المنتمي إلى الهيئة البرلمانية لحزب الوفد ليتسنى التحقيق معه في قضية فساد متورط فيها آخرون، لكن الأغلبية البرلمانية رفضت، وهم أعضاء حزب مستقبل وطن المعروف بأنه الظهير السياسي للحكومة.
وأثار موقف البرلمان جدلا سياسيا واسعا باعتبار أن الحصانة البرلمانية وُجدت لحماية النائب من أي تضييق على رأيه كرقيب على الحكومة، لا أن يتم توظيفها لارتكاب وقائع فساد أو تُستخدم لتكبيل مؤسسات رقابية وقضائية عن أداء دورها المكفول لها بحكم الدستور كي لا تتأثر هيبتها في نظر الشارع وتُتهم بالكيل بمكيالين.
وقال أشرف رشاد ممثل الأغلبية في مجلس النواب في أثناء مناقشة طلب النيابة العامة أخيرا إن حزب مستقبل وطن يتمسك برفض طلب رفع الحصانة عن النائب لأن شبهة الكيدية متوفرة، حيث تم الاستماع إلى النائب الذي فنّد وأوضح بعض الحقائق بشأن الموضوع محل الاتهام، وتأكد البرلمان من براءته.
وأكد مسؤول سابق عمل بهيئة الرقابة الإدارية غير مخوّل له بالتحدث للإعلام لـ”العرب” أن شبهة الكيدية في عمل الأجهزة الرقابية منعدمة، لأن عملها قائم على التوثيق والتسجيل بالصوت والصورة، واتهامها يحمل إساءة بالغة لسلطتها، وهيبتها تتطلب تدخلا حكوميا.
وقال إن “الهيئات الرقابية في مصر عندما تقوم بتتبع قضية فساد لا يجب عليها إبلاغ الجهة التي يتبع لها المتهم حتى لو كانت معها حصانة، مثل القضاة ونواب البرلمان والوزراء، وما يحدث أنه يتم تقديم أدلة الإدانة قبل عملية الضبط، ويُفترض أن الإثباتات المقدمة للجهة ترتقي إلى مرتبة الضبط في حال تلبس”.
ويعكس ذلك أن شبهة الكيدية التي استند إليها البرلمان غير موجودة، ما يوحي بأن هناك صراعا خفيا على النفوذ في مصر ظهرت ملامحه خلال السنوات الأخيرة بإصدار البرلمان تشريعات تخص صميم عمل القضاء.
ويمس إصرار البرلمان على حماية أي نائب متورط في شبهة فساد أو مطلوب للمثول أمام جهات التحقيق هيبة الدولة وليس القضاء والرقابة وحدهما، لأن الصورة الناصعة للنظام الحاكم تظهر في قدرته على تحقيق العدالة والانتصار للقانون وتطبيقه على الجميع، وطالما أن هذه التشريعات موجودة فتعطيلها يمس سيادة الدولة نفسها.
ورفض مجلس الشيوخ طلبا من النيابة العامة مؤخرا بإسقاط الحصانة البرلمانية عن ثلاثة من نوابه مستندا إلى الكيدية أيضا، وهو نفس الأمر الذي تكرر مع مجلس النواب في دورته السابقة عندما تم رفض العديد من طلبات رفع الحصانة عن نواب متهمين في قضايا فساد وتربح واستغلال نفوذ.
ويرى متابعون أن البرلمان بغرفتيه، مجلس النواب ومجلس الشيوخ، الذي يفشل في محاسبة أحد نوابه لن يكون قادرا على القيام بأي دور رقابي على أداء الحكومة، لأنه في النهاية سيكون أمام الشارع جهة مطعونا في نزاهتها، فهو يصر على حماية المتهمين من أعضائه ويتحدى السلطات التي يُفترض أن يساعدها ويزيح العراقيل من أمامها لكبح الفساد المتخم في البلاد.
ووفق بنود الدستور يتمتع أعضاء مجلس النواب المصري بالحصانة من المساءلة القانونية طالما لم يتم توقيفهم وهم متلبسون بارتكاب جريمة مثل الرشوة والقتل والسرقة، وما دون ذلك يتعين على المجلس أن يسمح للجهات الرقابية والقضائية أن تحاسب العضو بعد رفع الحصانة عنه ليكون مواطنا عاديا أمام القانون.
ويبرر أعضاء البرلمان تكرار رفضهم رفع الحصانة عن المتهمين في وقائع فساد واستغلال نفوذ وغيرها بأن الجهات القضائية لا تتبع الأطر القانونية مع النواب، ويفترض أن يتم استئذان المجلس قبل أن تتبع تحركاتهم لأنهم يتمتعون بالحصانة.
وقال جمال زهران البرلماني السابق وأستاذ العلوم السياسية بجامعة السويس إن ضبط النائب في واقعة فساد لا يتطلب موافقة البرلمان، لأن التسجيلات وحدها كفيلة بتوقيفه متلبسا، والاحتماء بالحصانة مع وجود شبهة تربح واستغلال نفوذ وتلقي رشوة يحمل خطورة كبيرة على صورة الدولة ومؤسساتها.
وأوضح لـ”العرب” أن مجلس النواب اعتاد ارتكاب أخطاء سياسية بالتستر على نوابه المتورطين في قضايا تستوجب المساءلة، ولا يدرك أغلب النواب أن رفع الحصانة وجوبي وليس اختياريا في حالات الفساد الموثقة، والتحجج بكيدية المؤسسات الرقابية والقضائية يحمل إدانة بالغة الخطورة للجهات المسؤولة عن مواجهة الفساد في مصر.
ويحمل صمت الحكومة على اتهام مؤسساتها الرقابية بتلفيق الاتهامات للنواب أو حتى للمواطنين تداعيات سلبية، لأن ذلك ينطوي على تحريض سافر للشارع قد يجعل صلاحياتها ووجودها منعدمين وعليها أن تتدخل لأن مواجهة البرلمان للقضاء بتشويه الصورة رسالة قاتمة للمجتمع بأنه لا توجد جهة محل ثقة.
ويؤسس ارتفاع منسوب التذمر والاستفزاز بين شرائح مجتمعية ضد تصعيد البرلمان مع القضاء قاعدة أن يدير الشارع ظهره للحكومة بكل مؤسساتها، لأن أعضاء مجلس النواب، وهم ممثلو الشعب، لم يضربوا المثل في التعاطي بحكمة مع توجه النظام للحرب ضد الفساد، وما يحدث يزيد من الفساد.
وأزمة البرلمان في مصر أنه يتعامل في كل مرة مع طلب رفع الحصانة عن أحد نوابه باعتبار أن ذلك يسيء إلى سمعته ككيان تشريعي وسياسي، مقابل زيادة شعبية المؤسسة القضائية ولا يقتنع بأن تجاوبه وتبرؤه من المتهمين بالفساد من بين أعضائه يمحو الصورة السلبية عنه في الشارع بأن نوابه يعملون لمصالحهم الشخصية.
وتمثل الإساءة لجهات رقابية وقضائية طعنة في ظهر الجمهورية الجديدة التي يرغب الرئيس عبدالفتاح السيسي في تشييد ركائزها، بعدما بدت لشريحة في المجتمع أنها عاجزة عن تحقيق العدل والمساواة ومحاربة الفساد، والخطر أن يصل هذا الشعور إلى فئات كبيرة ويتحول الخروج على القانون من حالة فردية إلى ظاهرة يكرسها البرلمان.