اخبار الإقليم والعالم
إيران في حالة استنفار قصوى
مخاوف في إيران من نقل الحرب إلى حدودها
لا تخفي إيران توجسها من مسار السلام الجديد الذي يسمح لإسرائيل بالتمركز على حدودها مع دول الخليج، تماما مثل مخاوفها من أنشطة إسرائيل في أذربيجان. وتنظر إلى هذا الوضع الناشئ على أنه نقل للحرب إلى حدودها، في تكرار لما تقوم به هي في لبنان وسوريا واليمن.
ويقول مراقبون إن إيران بدأت بالتصعيد مع أذربيجان بسبب ما تقول إنه وجود إسرائيلي على أراضيها، والاتهام نفسه توجهه إلى بعض الدول الخليجية مثل البحرين، معتبرين أن طهران تتخوف من أن تلجأ تل أبيب إلى الاستراتيجية نفسها التي اعتمدتها إيران من خلال تمركزها في لبنان وسوريا بهدف تهديد الأمن القومي الإسرائيلي.
واعتمدت إيران هذه الاستراتيجية منذ 1982 من خلال دعم بروز حزب الله وتسليحه وتمويله ثم عَبْر دعم حركات فلسطينية مثل حماس والجهاد، ولاحقا من خلال تدخل إيراني مباشر في سوريا. كما أن الأمر لا يقف عند مجاورة إسرائيل بل عملت طهران على دعم ميليشيات حليفة لها على حدود السعودية مثلما هو الأمر في اليمن والعراق، وقامت كذلك بدعم مجموعات مذهبية لتهديد أمن البحرين.
ويعزو المراقبون القلق الإيراني من الوجود الإسرائيلي على الحدود إلى الخوف من دعم خارجي لمجموعات انفصالية إيرانية ترغب في خوض الحرب والحصول على الاستقلال. وهو أمر إن تطور قد يجعل إيران تعاني من الوضع الذي تعيشه السعودية في اليمن، حيث يتم استهداف منشآتها النفطية باستمرار وتهديد مدنها الحدودية.
كما يعيد الأمر إلى الذاكرة معاناة الحرب على العراق في ثمانينات القرن الماضي، حيث تكبد الإيرانيون خسائر فادحة في الأرواح والأموال واضطروا إلى تسوية دون ما كانوا يخططون له من تصدير للثورة والإطاحة بنظام صدام حسين.
ووجهت إيران تهديدا جماعيا لدول الخليج العربي بالقول إنها “لن تتحمل وجودا إسرائيليا بالقرب من حدودها”. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده في مؤتمر صحافي “إننا أبلغنا دول الجوار بوضوح أننا لن نتحمل وجود إسرائيل قرب حدودنا ولن نتسامح في ذلك”.
ويهدف هذا التهديد، بحسب المراقبين، إلى توفير الذرائع لإيران كي تزيد تدخلاتها في المنطقة، ابتداء من البحرين. كما يُقْصَدُ به التذكير بأن طهران هي شرطي المنطقة، وأن على الجميع أن يأخذوا هذا بعين الاعتبار.
ولا ينطوي التحذير الإيراني للخليجيين على أي معنى بالنظر إلى أنه ليس لإسرائيل سوى وجود دبلوماسي محدود، في قطر والبحرين والإمارات. ولم يُسجل في أي وقت أن لهذا الوجود أي طبيعة يمكنها أن تشكل تهديدا لإيران.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت التبادلات التجارية مع دول المنطقة -التي تم الإعلان عن تفاصيلها في طهران- هي موضوع الابتزاز؛ إذ أعلن المتحدث باسم مصلحة الجمارك الإيرانية روح الله لطيفي أن حجم التبادل التجاري بين طهران و15 دولة مجاورة بلغ أكثر من 47 مليون طن بقيمة 22 مليارًا و588 مليون دولار خلال الأشهر الستة الماضية.
ويقول مراقبون إن إيران تحاول من خلال التهديد أن تفرض على دول المنطقة توسيعا قسريا للتجارة معها، من أجل ضمان عدم تعرضها لتهديدات مباشرة. وهو ما يمكن اعتباره مستوًى غير قويم للعلاقات مع دول المنطقة.
وتشكل هذه التبادلات نافذة الحياة الرئيسية لإيران في ظل العقوبات التي مازالت مفروضة عليها. وسواء تحقق تقدم في المحادثات بشأن ملفها النووي في فيينا أم لم يتحقق، سوف تظل الأوضاع الاقتصادية الإيرانية المهترئة توفر سببا للمزيد من التهديدات.
ولم تحقق المحادثات الإيرانية – السعودية تقدما حقيقيا حتى الآن. وهناك تخوّف من أن تستغل إيران هذه المحادثات لفرض شروط تتعلق بالتجارة مع دول المنطقة.
وتجري مناوشات وتهديدات كلامية بين إيران وإسرائيل تتعلق بالمخاوف من توجه إيران إلى بناء قوة نووية. وأعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الشهر الماضي عن استعداد إسرائيل للتحرك ضد ما وصفه بـ”جيش المسيّرات القاتلة الذي تريد إيران أن تغطي به سماء الشرق الأوسط”.
كما أن كل طرف يشن هجمات متتابعة ضد سفن الآخر. ولكن دول المنطقة ظلت تنأى بنفسها عن هذه اللعبة.
ونجحت إسرائيل في الحد من استراتيجية إيران في التمركز على الحدود، من خلال استهداف حزب الله عسكريا وتوجيه ضربات لشحنات الأسلحة التي تسعى إيران لإيصالها إليه، فضلا عن اغتيال أبرز قادته. كما وجهت ضربات مركزة ضد الوجود الإيراني في سوريا.
ويرى الإيرانيون أن إسرائيل تخطط لتنفيذ استراتيجية مضادة تقوم على نقل الحرب إلى حدودهم من خلال إقامة علاقات سلام وتعاون اقتصادي وأمني مع الدول المحيطة بإيران -مثل دول الخليج- وأذربيجان التي عزّزت تعاملاتها مع الدولة العبرية.
وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان قد حذّر قائلا “لن نتسامح بكل تأكيد مع أي تغيير جيوسياسي في خارطة القوقاز، ولدينا مخاوف جدية حيال تواجد الإرهابيين في هذه المنطقة”.
ويتخوف الإيرانيون من أن يفتح أي وجود إسرائيلي الباب أمام عمليات انتقامية وتفجيرات أو اغتيالات تستهدف علماء وباحثين في الملف النووي، فضلا عن التجسس على البرنامج النووي والخطط العسكرية لطهران.