اخبار الإقليم والعالم
فضح أسرار عسكرية أم سياسة تشهير
الدبيبة يوظف منصب وزير الدفاع لتوريط حفتر أمام القضاء الأميركي
تتجه العلاقة بين السلطة الليبية الجديدة وقيادة الجيش نحو المزيد من التأزم بعد اندفاع عبدالحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع، إلى استغلال المنصب في محاولة لتوريط القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر أمام القضاء الأميركي في إطار القضية المرفوعة ضده هناك.
وأرسل الدبيبة مذكرة إلى وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش يدعوها من خلالها إلى تقديم شكوى ضد حفتر تساعد على محاكمته بتهم التدليس وتضليل العدالة وتزوير محررات رسمية، لتدعم بذلك الخطاب الموجه من قبل رئيس مجلس الدولة خالد المشري إلى المحكمة الفيدرالية بفيرجينيا، والهادف بالأساس إلى تفنيد محتوى لائحة تقدم بها المحامي لينداسي ميك كاسون لصالح موكله المشير خليفة حفتر، ومفادها أن القانون الليبي يمنع الأخير من البوح بأسرار عسكرية أمام جهات خارجية وينص على الحكم عليه بالإعدام في هذه الحالة.
وتضمنت مذكرة الدبيبة تأكيدات على أن الوثيقة التي اعتمدها دفاع حفتر غير صادرة من قبل الجهة المختصة المشار إليها وأن الختم الحراري لا يوافق ذلك الخاص بوزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية ولا يوجد في ديوان الوزارة مسمى إدارة الشؤون القانونية.
وكان المشري وجه خطابا إلى المحكمة الأميركية ، زعم فيه أن إفشاء الأسرار العسكرية أمر لا يعاقب عليه القانون في ليبيا، ولا يتعرض مفشي الأسرار العسكرية لعقوبة الإعدام.
لكن مدير المركز الأفروآسيوي للدراسات السياسية والباحث في الشؤون الليبية محمد فتحي الشريف أوضح أن دفاع حفتر قدم للمحكمة أسانيد قانونية تؤكد أن عقوبة إفشاء الأسرار العسكرية هي الإعدام، وأن المحكمة تطلب الحصول على معلومات عسكرية تخص القوات المسلحة الليبية من حفتر، مشيرا إلى أن مواد القانون الجنائي والعسكري في ليبيا معروفة للجميع والمشري يعرف ذلك؛ إذ ينص القانون الجنائي الليبي على عدم إفشاء الأسرار العسكرية وأن من يقدم على هذا الفعل يعاقب بالإعدام وفقا للمادة (171) التي تقول “يعاقب بالإعدام كل من زود حكومة أجنبية أو أحد عملائها أو أي شخص آخر يعمل لمصلحتها على أي وجه من الوجوه وبأي وسيلة، بسر يتعلق بالدفاع عن البلاد أو أي سر مماثل له”.
وأردف الشريف أن القانون العسكري يجرّم هذا الفعل أيضا وفقا للفقرة السادسة والمادة (45) التي تنص على أن “إفشاء أسرار الدفاع عن البلاد وكلمات السر والإشارات السرية والعمليات والتوصيات السرية أو الاتصال أو التوسط للاتصال بقوات العدو أو العاملين لحسابه لإفشاء ما تقدم يعاقب بالإعدام”.
وتقول أوساط ليبية إن اللخبطة الحاصلة حول أصل الوثيقة الموجهة من قيادة الجيش إلى المحكمة الأميركية تعود إلى عدم توحيد المؤسسة العسكرية، وبالتالي إلى عدم توحيد وزارة الدفاع التي يشرف عليها عبدالحميد الدبيبة بنفسه في ظل جدل واسع بعد رفضه دعوات المجلس الرئاسي ومجلس النواب واللجنة العسكرية المشتركة إلى تعيين وزير محايد على رأسها، وهو ما يعني وجود هياكل تعمل باسم وزارة دفاع الحكومة المؤقتة السابقة ولا تزال تمارس وظائفها في شرق البلاد وغير مدرجة في حكومة الوحدة الوطنية.
ويشير مراقبون إلى أن مذكرة الدبيبة الداعمة لخطاب المشري جاءت لتعيد خلط الأوراق وتكشف عن وجود نية مبيّتة لقطع الطريق أمام توحيد المؤسسة العسكرية طالما أن الجيش لا يزال تحت قيادة حفتر، وكذلك لتوفير تبريرات قانونية وسياسية ودستورية لمنع حفتر من الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، وإدخال القضاء الأميركي على خط الصراع الداخلي، لتكون النتيجة في النهاية تأزيم الوضع بما يؤدي إلى تأجيل الانتخابات واستمرار السلطات الحالية في قيادة البلاد إلى أجل غير مسمى.
وأوضح سعيد أمغيب، عضو مجلس النواب، أن مطالبة الدبيبة لوزيرة الخارجية نجلاء المنقوش بتقديم شكوى ضد القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر أمام القضاء الأميركي أثبتت أن “هذه الحكومة لن تكون حكومة وحدة وطنية ولا تصلح لأن تكون حتى حكومة تسيير أعمال”.
وكانت المحكمة الجزئية بولاية فرجينيا أعلنت أن الثامن والعشرين من أكتوبر الحالي هو موعد نهائي لتقديم حفتر إفادته في الدعوى المقدمة ضده في ما يتعلق باتهامه بارتكاب جرائم قتل وتعذيب في الحرب الأهلية بليبيا. وقالت القاضية ليوني برينكيما إن حفتر امتنع عن حضور المحاكمة مستندا إلى الحصانة وإلى أن إدلاءه بمعلومات سيؤدي إلى إفشاء أسرار الدولة الليبية.
وفي مايو الماضي رفضت المحكمة الاعتراف بامتلاك حفتر الحصانة، كما رفضت إبداء رأيها في تأثير القضية على المسارين السياسي والعسكري في ليبيا. وفي يونيو رفضت المحكمة من جديد حجة تمتع حفتر بحصانة “رئيس الدولة” بعد إعلان تفويضه من قبل القبائل، لمنع قبول القضايا المرفوعة ضده حول ارتكاب جرائم في ليبيا، وذلك بعد أن قدم محاموه أوراقًا لرد ثلاث دعاوى مرفوعة ضده، لكونه رئيس الدولة، وهو ما رفضته المحكمة التي دعت قائد الجيش الليبي إلى المثول أمامها والإجابة عن أسئلة محامي المدعين، وإلا فإنه سيُحكم عليه غيابيا.
ورفضت وزارة الخارجية الأميركية في مناسبتين الرد على سؤال المحكمة حول ما إذا كان لها أي اهتمام بالقضية، وهو ما دفع إلى الخوض مباشرة في مرحلة التقاضي.
وتعود القضية إلى منتصف عام 2019، عندما استدعت المحكمة حفتر بصفته مواطنا أميركيا، من أجل مواجهة دعاوى قضائية رفعها ضده تسعة ليبيين لارتكابه جرائم حرب بحق أقرباء لهم أثناء معركة تحرير بنغازي من المجموعات المتطرفة.
وكانت أسرتان من أصول ليبية سلمتا محكمة فيرجينيا في الولايات المتحدة ملف قضيتهما المتعلق بمزاعم ارتكاب حفتر جرائم في حقهما وحق أهلهما وأرزاقهما في ليبيا، وقبلت المحكمة النظر في الدعوى المرفوعة من قبل منى صويد وعبدالله الكرشيني لأن حفتر يمتلك عقارات في المدينة ذاتها بقيمة 8 ملايين دولار، إلا أن حفتر ومحاميه تغيبا عن أول جلسة إجرائية دون تواصل مع المحكمة.
واستغلت جماعة الإخوان المسلمين نفوذها داخل عدد من جماعات الضغط في الولايات المتحدة لتوسيع مجال القضية وتحويلها إلى حدث سياسي وإعلامي وحقوقي بهدف التأثير على الرأي العام الأميركي والليبي والدولي عموما، وكسب تعاطف المنظمات والجمعيات الحقوقية.
وفي المقابل يرى المراقبون أن انضمام الدبيبة إلى الفريق الساعي لمحاكمة حفتر يضع خارطة الطريق في مهب الريح، ويمكن أن يطيح بكل الجهود الأممية والدولية لحل الأزمة السياسية والأمنية المتفاقمة منذ عشرة أعوام.