منوعات
الفضة تتفوق على الذهب في 2025.. معدن الظل يسرق البريق من «الملاذ الآمن»
شهد عام 2025 صعودًا مذهلاً للفضة، متفوقة على الذهب لتؤكد أنها تمكنت من سرقت الأضواء كاستثمار ومعدن صناعي.
ظل الذهب هو العنوان الأبرز عند الحديث عن المعادن النفيسة لأعوام طويلة، الملاذ الأول في أوقات الاضطراب، وبوصلة المستثمرين عند اشتداد العواصف الاقتصادية. لكن عام 2025 قلب هذه المعادلة جزئيا، بعدما خرجت الفضة من موقع "معدن الظل" لتفرض نفسها لاعباً رئيسياً في الأسواق العالمية، محققة مكاسب غير مسبوقة، ومستفيدة من الصعود القوي للذهب الذي مهد لها الطريق وصنع بيئة مثالية لانطلاقتها.
مع بداية يناير/كانون الثاني 2025، كان المشهد يبدو مألوفا؛ توترات جيوسياسية متصاعدة، ضغوط تضخمية لم تحسم، وأسواق مالية تتأرجح بين التفاؤل الحذر والخوف الكامن. في هذا المناخ، اندفع الذهب صعوداً باعتباره الملاذ الآمن التقليدي، فارتفعت أسعاره عالميا ومحلياً بوتيرة متسارعة. غير أن ما لم يكن متوقعا هو أن تتحول الفضة من تابع لحركة الذهب إلى قائد موازٍ، بل ومتقدم في كثير من الأحيان.
أداء الفضة يتفوق على الذهب في 2025
بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول 2025، كانت أسعار الفضة قد قفزت بأكثر من 120% مقارنة بمستوياتها في مطلع العام، متفوقة بوضوح على الذهب الذي سجل مكاسب قوية تقارب 55%، هذا الفارق لم يكن مجرد رقم، بل مؤشر على تحول أعمق في ديناميكيات السوق، وفي نظرة المستثمرين إلى دور كل معدن داخل المحافظ الاستثمارية.
الذهب، بصعوده القوي، لعب دور القاطر، فارتفاعه أعاد الزخم إلى قطاع المعادن النفيسة ككل، ولفت أنظار المستثمرين إلى الفئة بأكملها. ومع اتساع شهية البحث عن عوائد أعلى، بدأت الفضة تستفيد من هذا المناخ، لكنها لم تكتف بالركوب في المسار ذاته، بل انطلقت بسرعة أكبر، مدفوعة بعوامل إضافية لم تكن متاحة للذهب بنفس الدرجة.
تقول الخبيرة الاقتصادية سهر الدماطي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن أحد أبرز أسباب تفوق الفضة في 2025 يتمثل في طبيعتها المزدوجة، فهي ليست فقط معدنا نفيسا للتحوط، بل عنصرا صناعيا أساسيا في قطاعات تشهد نموا متسارعا.
وتشير إلى أن التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، ولا سيما التوسع في مشروعات الطاقة الشمسية، رفع الطلب على الفضة بشكل ملحوظ، في وقت كانت فيه الأسواق تعاني قيودا على جانب المعروض.
العوامل المحركة لصعود الفضة.. التحول الصناعي والسياسة النقدية
وتضيف الدماطي أن توقعات التحول في السياسة النقدية العالمية لعبت دورا محوريا، فمع بدء تسعير سيناريوهات خفض أسعار الفائدة بعد سنوات من التشديد، انخفضت تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعادن غير المدرة للعائد، إلا أن الفضة كانت أكثر حساسية لهذه التغيرات مقارنة بالذهب، إذ ترافق انخفاض العوائد الحقيقية مع توقعات بنشاط اقتصادي أعلى، ما عزز الطلب الصناعي عليها.
في المقابل، حافظ الذهب على دوره التقليدي كمرتكز للاستقرار. فالتوترات الجيوسياسية، من استمرار الحرب في قطاع غزة، إلى اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، إضافة إلى السياسات التجارية الأمريكية التي أثارت مخاوف بشأن النمو العالمي، كلها عوامل دعمت الطلب على الذهب كملاذ آمن. هذا الصعود خلق بيئة نفسية مواتية للاستثمار في المعادن النفيسة، فتدفقت السيولة إلى الفئة بأكملها، وكانت الفضة المستفيد الأكبر.
ويؤكد لطفي منيب، نائب رئيس شعبة الذهب، لـ"العين الإخبارية"، أن الذهب كان بمثابة "الكتف" الذي صعدت عليه الفضة خلال 2025.
الذهب.. الملاذ التقليدي وثبات الأسعار
ويوضح أن ارتفاع الذهب أعاد الثقة في المعادن النفيسة كخيار استثماري، ومع وصول الذهب إلى مستويات مرتفعة، بدأ بعض المستثمرين في البحث عن بدائل أقل سعرا نسبيا وأكثر قابلية لتحقيق مكاسب مضاعفة، فكانت الفضة الخيار الطبيعي.
لكن صعود الفضة لم يكن خاليا من المخاطر، فطبيعتها الأكثر تقلبا جعلت تحركاتها أكثر حدة، سواء صعودا أو هبوطا، ويرى خبراء أن جزءا من مكاسب 2025 ارتبط بتدفقات مضاربية سريعة، استغلت الزخم القوي في السوق، ومع ذلك، فإن وجود طلب صناعي حقيقي منح الفضة قاعدة دعم أكثر صلابة مقارنة بدورات سابقة.
من زاوية العرض، واجهت سوق الفضة تحديات واضحة خلال العام، فإنتاج الفضة غالبا ما يكون ناتجا ثانويا لاستخراج معادن أخرى مثل النحاس والزنك، ما يجعل زيادة الإنتاج استجابة لارتفاع الأسعار أمرا معقدا وبطيئا، في الوقت نفسه، شهدت المخزونات العالمية تراجعا، ما زاد من حدة الضغوط السعرية، وأسهم في تسريع وتيرة الصعود.
أما الذهب، فرغم استقرار إنتاجه النسبي وعمق سوقه، لم يكن بعيدا عن قيود العرض، لكنه استفاد من مرونة أكبر حدت من تقلباته مقارنة بالفضة، هذا الفارق عزز صورة الذهب كأصل أكثر استقرارا، مقابل الفضة التي جذبت المستثمرين الباحثين عن مزيج من التحوط والنمو.
توقعات 2026.. استمرار التفاعل بين الذهب والفضة
مع التطلع إلى عام 2026، تبدو العلاقة بين الذهب والفضة مرشحة لمزيد من التعقيد، فالتوقعات الصادرة عن مؤسسات مالية كبرى، من بينها جي بي مورغان، تشير إلى استمرار قوة الذهب مدعوما بالطلب الاستثماري وتدفقات صناديق الاستثمار المتداولة، هذا السيناريو، إذا تحقق، قد يوفر مرة أخرى أرضية داعمة للفضة، لكن دون ضمان تكرار الأداء الاستثنائي ذاته.
و يثبت عام 2025 أن أسواق المعادن النفيسة لم تعد محكومة بقواعد جامدة، فالذهب يظل حجر الزاوية ومرساة الأمان، لكن الفضة أثبتت قدرتها على التحليق عندما تتلاقى الظروف المناسبة، وبينما صعدت الفضة على أكتاف الذهب هذا العام