بتجرية «الجمعة العظيمة».. هل تنجح بريطانيا في ترميم اتفاق غزة؟

وكالة أنباء حضرموت

بينما يترقّب الإسرائيليون والفلسطينيون ما ستؤول إليه الأيام بعد وقف إطلاق النار الهش في غزة، ترى لندن أن تجربتها في إحلال السلام بإيرلندا الشمالية قد تقدم نموذجًا يمكن الاستفادة منه في الشرق الأوسط.

ففي تسعينيات القرن الماضي، نجحت بريطانيا في إنهاء ثلاثة عقود من العنف عبر اتفاق "الجمعة العظيمة"، الذي أنهى صراعًا دام ثلاثين عامًا وأسفر عن مقتل نحو 3600 شخص وإصابة خمسين ألفًا آخرين.

اليوم، وبعد حرب استمرت عامين في غزة، عادت شخصيتان محوريتان من تلك الحقبة إلى دائرة الضوء الدولية: رئيس الوزراء الأسبق توني بلير ومدير مكتبه السابق جوناثان باول. فبحسب تقارير بريطانية وأمريكية، يشارك الاثنان في مشاورات مع الولايات المتحدة ودول عربية حول مستقبل القطاع، استنادًا إلى خبرتهما في تحويل الصراع الإيرلندي من نزاع دموي إلى سلام هش لكنه مستدام.

وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن بلاده "مستعدة للعب دور رئيسي في نزع سلاح حماس" مستفيدةً من خبرتها في التعامل مع الجيش الجمهوري الإيرلندي. فكما قاوم مقاتلو إيرلندا الشمالية فكرة تسليم أسلحتهم، ترفض حماس التخلي عن ترسانتها، رغم إشاراتها إلى إمكانية تسليم بعض الأسلحة لجهة فلسطينية أو عربية.

ويشير خبراء إلى تشابه بعض الملامح بين التجربتين، لكنهم يحذرون من الفوارق الجوهرية. فوفقًا للمحاضر كريستيان براون من جامعة ألستر، فإن "حجم الدمار في غزة ومستوى الكراهية يفوقان ما شهدته إيرلندا الشمالية بأضعاف"، مضيفًا أن أي عملية سلام في الشرق الأوسط ستتطلب صبرًا وواقعية تتجاوز الحسابات السياسية الآنية.

في تجربة إيرلندا الشمالية، تم نزع سلاح الفصائل عبر عملية سرية خضعت لإشراف لجنة دولية مستقلة، واستمر تنفيذها لأكثر من سبع سنوات بعد توقيع الاتفاق. ويقول الأكاديمي نيال أو دوكرتي من جامعة غالواي إن الدرس الأبرز يتمثل في "ضرورة بناء الثقة قبل نزع السلاح"، موضحًا أن الجيش الجمهوري الإيرلندي لم يسلّم سلاحه إلا بعد اقتناعه بوجود تسوية سياسية مستقرة.

أما خطة السلام المدعومة من واشنطن بشأن غزة، فهي أكثر محدودية من حيث الطموح، إذ تركز على وقف إطلاق النار ونزع سلاح حماس دون معالجة القضايا الجوهرية للنزاع، مثل إقامة الدولة الفلسطينية، ووضع القدس، وحق اللاجئين في العودة. ويرى مراقبون أن هذه الفجوات تجعل الخطة عرضة للتعثر، تمامًا كما فشلت مبادرات سابقة في تجاوز جذور الأزمة.

ورغم هشاشة السلام في إيرلندا الشمالية - حيث لا تزال الهجمات المحدودة تقع أحيانًا من جماعات رافضة للاتفاق - إلا أن النظام السياسي القائم على تقاسم السلطة صمد نسبيًا. فقد أصبحت أحزاب كانت مرتبطة بجماعات مسلحة جزءًا من العملية الديمقراطية، مثل حزب "شين فين" الذي يمثل الجناح السياسي للجيش الجمهوري الإيرلندي.

ويقول الباحث بيتر ماكلوغلين من جامعة كوينز في بلفاست إن "دمج المنخرطين في العنف في المسار السياسي كان مفتاح النجاح"، محذرًا من أن استبعاد حماس من أي تسوية في غزة "قد يكرّر أخطاء الماضي".

من جانبه، ألمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إمكانية تعيين توني بلير في "مجلس سلام" للإشراف على إعادة إعمار غزة، رغم الجدل الذي يلاحقه بسبب دعمه غزو العراق عام 2003. أما جوناثان باول، مستشار الأمن القومي الحالي لستارمر، فشارك مؤخرًا في قمة ترامب بمصر، حيث أشاد المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بـ"دوره المحوري في بلورة الاتفاق".

لكن كثيرين في لندن يشككون في جدوى استنساخ التجربة الإيرلندية في الشرق الأوسط. فترى برونوين مادوكس، مديرة معهد "تشاتام هاوس"، أن "بريطانيا يمكن أن تقدم مساهمة دبلوماسية محدودة، لكنها لن تكون حاسمة"، مشيرة إلى أن اتفاق الجمعة العظيمة كان نتاج ظروف تاريخية وسياسية فريدة "لا يمكن تكرارها في غزة".

ورغم كل الشكوك، يبقى أمل لندن أن دروس الصبر، والاحتواء، والبراغماتية - التي نجحت ذات يوم في بلفاست - قد تفتح ولو نافذة صغيرة أمام سلام طال انتظاره في غزة.