قرار نزع سلاح حزب الله يضغط على العراق لعرقلة قانون الحشد

وكالة أنباء حضرموت

يعطي نجاح الضغوط الأميركية على لبنان لإقرار نزع سلاح حزب الله دعما إضافيا لسعيها إلى دفع العراق نحو ممارسة المزيد من الحزم في مواجهة الميليشيات الحليفة لإيران ومنعها من الاستفادة من غطاء الدولة، وأولى الخطوات هي عرقلة تمرير قانون الحشد الشعبي أمام البرلمان ما يعيق مسعاها للحصول على غطاء قانوني وسياسي.

ويمثل الحشد الشعبي في العراق وحزب االله في لبنان جناحين رئيسيين للمحور الإيراني ويدعمان نفوذ طهران في المنطقة. وتسعى واشنطن إلى مواجهة هذا المحور عبر حملة متزامنة تستهدف تجريد حزب الله في لبنان من سلاحه، بالتزامن مع الضغط على الحكومة العراقية لمنع تثبيت الحشد الشعبي قانونيا كقوة رسمية تابعة للدولة.

ويقول مراقبون إن خطوات تقليص نفوذ حزب الله تتجاوز كونها مجرد إجراءات سياسية وأمنية داخلية، فهي تحمل في جوهرها رسالة أميركية واضحة تستهدف إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة.

وتبعث الولايات المتحدة برسالة إلى طهران وحلفائها مفادها أن استمرار نفوذ هذه القوى المسلحة غير الرسمية لن يسمح به بعد الآن، كما توجه الرسالة أيضا إلى بغداد وتحذرها من أن إجراءات لبنان تجاه حزب الله ليست منعزلة بل هي جزء من إستراتيجية أميركية أوسع لتقويض نفوذ إيران في المنطقة، وأن أيّ محاولة لتعزيز النفوذ عبر قوات غير رسمية ستواجه بحزم ما يضاعف الضغوط على العراق لمنع قانون الحشد الشعبي.

وأعلن وزير الإعلام اللبناني بول مرقص الخميس أن مجلس الوزراء وافق على “إنهاء الوجود المسلح على كامل الأراضي بما في ذلك حزب الله”.

وأفادت نسخة من جدول أعمال الحكومة اللبنانية اطّلعت عليها رويترز، بتفاصيل خطة نزع سلاح جماعة حزب الله بحلول نهاية العام، إلى جانب إنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية وانسحاب القوات الإسرائيلية من خمسة مواقع في جنوب لبنان.

ويثير مشروع قانون تنظيم قوات الحشد الشعبي جدلا واسعا في البرلمان العراقي في ظل اعتراض أميركي عليه وخلاف داخلي حاد، ما دفع النواب للتريث قبل التصويت على نصّ قد يعزّز نفوذ هذه الفصائل المسلحة واستقلاليتها.

ولم ترشح تفاصيل كثيرة عن المشروع، لكن مسودته تقترح إنشاء أكاديمية عسكرية خاصة بالحشد الشعبي، بالإضافة إلى “استقلال مالي” لهذه المؤسسة، وفقا لتقرير برلماني أعدته لجنة الأمن والدفاع ونشر في وسائل إعلام رسمية.

ويضم الحشد الشعبي أكثر من 200 ألف منتسب ينتمون إلى عشرات الفصائل، وتم تشكيله عام 2014 بناء على دعوة من المرجعية الشيعية في العراق لحمل السلاح في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.

وتتبع هيئة الحشد الشعبي التي تتألف في أغلبيتها من فصائل شيعية مدعومة من إيران، رسميا رئاسة الحكومة العراقية، وهي جزء من تحالف “الإطار التنسيقي”، صاحب الأغلبية البرلمانية.

وأعربت واشنطن عن قلقها من مشروع القانون المطروح، إذ اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية أنه سيؤدي إلى “تأسيس لنفوذ إيراني ويقوّي الجماعات الإرهابية المسلحة،” محذرة من أنه “يهدّد سيادة العراق”.

وردّا على الانتقادات الأميركية، قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إن القانون سيكون جزءا من “الإصلاح الأمني” الذي تقوم به الحكومة، مشيرا إلى تشريعات مماثلة تتعلق بأجهزة أمنية أخرى. وذكر السوداني في بيان رسمي أن الحشد الشعبي “مؤسسة عسكرية عراقية رسمية تعمل في ظل صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة”.

◄ خطوات تقليص نفوذ حزب الله تتجاوز كونها مجرد إجراءات سياسية وأمنية داخلية وتحمل في جوهرها رسالة أميركية تستهدف إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة

ونقلت فرانس برس عن مصدر حكومي عراقي، لم تذكر اسمه، أن معارضي القانون يعتبرونه حجر الأساس “لما يشبه الحرس الثوري الإيراني”. إلا أن المحلل السياسي ريناد منصور يرى أن الهدف من القانون “المزيد من الانخراط لقوات الحشد الشعبي في الدولة”.

ويوضح منصور أن بعض المراقبين يعتبرون مشروع القانون خطوة مهمة لضمان استمرار انخراط الحشد “داخل النظام، لأن استبعادهم قد يشجعهم على لعب دور المفسدين”. ويضيف “لكن يعتبر آخرون التشريع وسيلة للحشد لتعزيز نفوذه والحصول على المزيد من التمويل والمعدات والتكنولوجيا”.

ويرمي مشروع القانون إلى استبدال قانون ينظّم وضع الحشد الشعبي منذ العام 2016، وأُدرج الحشد بموجبه ضمن منظومة القوات الأمنية النظامية.

ويعتبر المحلل السياسي علي البيدر أن طرح القانون “محاولة من أطراف سياسية وحتى جماعات مسلحة لتحصين نفسها” في ظل التوتر الإقليمي المستمر وضعف موقع إيران وحلفائها جراء الحروب مع إسرائيل، وبينهم حزب الله اللبناني الذي أصدرت الحكومة اللبنانية قرارا بنزع سلاحه بحلول نهاية العام.

وعلى مدار العقد الماضي، اكتسبت فصائل الحشد الشعبي نفوذا واسعا في البرلمان والحكومة، رغم فرض عقوبات أميركية على عدد من قادتها بمن فيهم رئيس هيئة الحشد.

وأسس الحشد عام 2022 شركة عامة للمقاولات الإنشائية والهندسية معروفة باسم شركة “المهندس” برأس مال يبلغ عشرات الملايين من الدولارات.


وفي كلمة أمام البرلمان العراقي، قال النائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي الشهر الماضي، إن التشريع المقترح “الذي نحرص على تمريره” يهدف إلى “تنظيم هيكلية وعمل” هيئة الحشد الشعبي، ويحدد صلاحياتها وواجباتها، “كما يسهم في تعزيز القدرات القتالية للمجاهدين، واستحداث تشكيلات جديدة تُعنى بتطوير هذه المؤسسة الأمنية،” وفقا لما نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية.

لكن رغم اعتمادها على سلطة البلاد لتأمين رواتب مقاتليها، ما زالت بعض الفصائل تتحرك خارج إطار الدولة، بحسب المعترضين، وتعتبر أن ولاءها الأساسي هو لـ”محور المقاومة” الذي تقوده طهران.

ويرى منصور أنه من الصعب أن يتحوّل الحشد الشعبي في هذه المرحلة إلى نموذج الحرس الثوري، لأنه “ليس مؤسسة متماسكة، فهناك مجموعات متعددة وقيادات مختلفة تماما وصراعات داخلية”. في المقابل، يقول مصدر مقرب من فصائل الحشد الشعبي لفرانس برس رافضا كشف هويته، إن الهدف الأساسي للأحزاب الشيعية هو الحصول على “قانون خاص يؤكد بقاء الحشد الشعبي كمؤسسة عسكرية مستقلة، حالها كحال وزارات الدفاع والداخلية”.

ويواجه التشريع الجديد رفضا من النواب السنة والأكراد على حد سواء، كما لم يحظَ بإجماع الأحزاب الشيعية، وفقا للمسؤول الحكومي، ما يجعله عالقا حتى الآن تحت قبة البرلمان الذي لم يدرجه بعد على التصويت.

ومخاطبا نواب البرلمان، قال رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض خلال مناقشة مشروع القانون، إن التصويت عليه “تعبير عن عرفان الشعب لمقاتليه، وتثبيت لحقوق من لبّوا نداء المرجعية”. ويأتي الحديث عن مشروع القانون مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة في تشرنوفمبر المقبل.

ويرى منصور أن الحشد أصبح “في حاجة إلى ما ينعش قاعدته،” موضحا أن “إضفاء المزيد من الشرعية على مؤسسات الحشد الشعبي يزيد من قدرته على الحصول على موارد الدولة،” في إشارة إلى السياسات الزبائنية التي تتبعها القوى السياسية. وفي الوقت ذاته، ينظر البرلمان في قانون ثانٍ موازٍ للقانون الرئيسي، يتعلق بأمور التعيين والترقية والرواتب التقاعدية لمقاتلي الحشد الشعبي.