تحرك متزامن في السويداء ومنبج لإرباك التفاهمات الأمنية مع دمشق
أثار تزامن الهجمات في منبج شمالا، حيث التماس بين القوات السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) وفي السويداء جنوبا بين قوات درزية محلية وقوات الحكومة، التساؤل عن وجود تنسيق مسبق أو رغبة مشتركة في إرباك الاتفاقيات الأمنية التي تم توقيعها مع الحكومة لوقف إطلاق النار وفسح المجال أمام الحوار لحل الخلافات.
ويعتقد مراقبون أن الهجمات محدودة وسرعان ما تم تطويقها، وهو ما يظهر أن الهدف منها ليس التصعيد العسكري وإنما لفت النظر إلى وجود دوائر كردية وأخرى درزية ترفض استمرار الاتفاقيات الموقعة مع الحكومة، وترى فيها خادمة لنظام الرئيس أحمد الشرع وتمكنه من فرصة لتثبيت حكمه وفي غياب أي ضمانات فعلية للحافظ على مصالح الأقليات.
ويريد كل طرف من معارضي النظام الجديد في سوريا أن يستغل حالة التوتر العام لتحسين شروط التفاوض مع دمشق وإقناع الأطراف الخارجية التي تتولى رعاية عملية التفاوض بالضغط على حكومة الشرع لتقديم المزيد من التنازلات لصالح الأقليات التي تتخوّف من أن يقود الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي المدعوم خارجيا إلى تقوية النظام والمجاميع المتشددة داخله، ما يمكنها من السيطرة على حياة السوريين.
وتبادلت وزارة الدفاع السورية وقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد الاتهامات بشأن هجوم في مدينة منبج بشمال البلاد السبت، الأمر الذي يلقي بظلاله على اتفاق دمج تاريخي وقعه الطرفان في مارس.
وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء أن وزارة الدفاع اتهمت قوات سوريا الديمقراطية بشن هجوم صاروخي على أحد مواقع الجيش في ريف المدينة، مما أدى إلى إصابة أربعة من أفراد الجيش وثلاثة مدنيين. ووصفت الوزارة الهجوم بأنه “غير مسؤول” و أن أسبابه “مجهولة.”
وقالت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في بيان “فصائل غير منضبطة عاملة في صفوف قوات الحكومة السورية هي من تواصل استفزازاتها واعتداءاتها المتكررة على مناطق التماس.”
وفي مارس، وقعت قوات سوريا الديمقراطية اتفاقا مع الحكومة للانضمام إلى مؤسسات الدولة السورية.
وفيما يجد الأكراد صعوبة في نقض الاتفاق مع دمشق بهدف تحسين بنوده لصالحهم في ضوء وقوف الولايات المتحدة وراءه، فإن بعض المجاميع الدرزية ترى أن العامل الخارجي يمكن أن يساعدها على الاستفادة أكثر ما يمكن من الوضع الحالي لصالحها، وخاصة تأهب إسرائيل لاستهداف تقدم القوات الحكومية نحو المناطق الدرزية.
ويثير هذا الموقف خلافات داخل البيت الدرزي، وتتركز خاصة على رفض فكرة تحويل السويداء إلى إقليم منفصل عن دمشق ويعتمد على الدعم العسكري الإسرائيلي. ويثير الدور الإسرائيلي حساسية لدى أطراف درزية لا تخفي مخاوفها من أن تل أبيب تستخدم الدروز في معاركها الإقليمية، وأنها تضغط بهم لجر الشرع إلى التطبيع وبعد ذلك فهي قد تتركهم لمصيرهم.
ويتبنى شيوخ العقل مواقف متباينة حيال حكومة الشرع. ويرفض حكمت الهجري التفاوض مع الحكومة ودعا إلى المقاومة المسلحة لحماية الطائفة، معتبرًا أن السويداء تتعرض لهجمات تستهدف هويتها. بينما يميل شيوخ مثل حمود الحناوي ويوسف جربوع إلى دعم التفاوض مع الحكومة ورفض التدخل الأجنبي، مؤكدين على وحدة سوريا.
◄ الأقليات تستثمر التوتر الأمني لتحسين شروط التفاوض وإقناع الأطراف الخارجية بالضغط على الشرع لتقديم تنازلات
وفي مايو 2025، عُقد اجتماع ضم الشيوخ الثلاثة ووجهاء السويداء لتهدئة التوترات بعد اشتباكات عنيفة، وصدر بيان مشترك يرفض الانفصال ويطالب بتفعيل دور الدولة في تأمين المحافظة. لكن الهجري انسحب لاحقًا من البيان، معلنًا استمرار القتال.
كما أن دعوات الهجري لتدخل دولي أثارت مخاوف من انزلاق المحافظة نحو صراع أعمق، خاصة مع تدخلات إسرائيلية معلنة لحماية الدروز. وفي المقابل، يرى آخرون أن عودة الدولة وبسط سيطرتها هو الحل لاستعادة الاستقرار.
ويخفي الصراع السياسي الحالي انقساما دينيا تاريخيا، حيث تنقسم الهيئة الروحية للطائفة الدرزية بين عائلات الهجري (دار قنوات)، الحناوي (سهوة بلاطة)، وجربوع (عين الزمان). وهذا الانقسام يعكس تنافسًا تاريخيًا حول زعامة الطائفة.
واندلعت اشتباكات جديدة في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية جنوبي سوريا، ما يعد خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه الشهر الماضي بعد موجة من العنف الطائفي أودت بحياة المئات، وفقا لناشطين ووسائل إعلام رسمية الأحد.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن الاشتباكات المتجددة بين ميليشيات من الطائفة الدرزية وقوات النظام السوري أسفرت عن مقتل شخص واحد وإصابة سبعة آخرين على الأقل.
ومن جانبها، ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن “مجموعات خارجة عن القانون” مرتبطة بالمجتمع الدرزي خرقت الهدنة وهاجمت قرية باستخدام أسلحة ثقيلة وقذائف هاون.
ودخلت خلال الأيام الماضية قوافل مساعدات إلى المحافظة بواسطة الهلال الأحمر السوري. وأعلنت الأمم المتحدة الخميس إرسال مساعدات منقذة للحياة من أجل تلبية “الاحتياجات العاجلة للأسر والمجتمعات المتأثرة بالتطورات الأمنية الأخيرة والانقطاع الحاد في إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية.”
وشهدت محافظة السويداء بدءا من 13 يوليو ولمدة أسبوع اشتباكات اندلعت بين مسلحين من البدو ومقاتلين دروز، قبل أن تتوسع مع تدخل القوات الحكومية ومسلحي العشائر إلى جانب البدو، وفق المرصد وشهود وفصائل درزية.
ورغم صمود وقف إطلاق النار إلى حد كبير، قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة إن “الوضع الإنساني” في المحافظة لا يزال “حرجا في ظل حالة عدم الاستقرار المستمرة والأعمال العدائية المتقطعة.”
ويتهم سكان السلطات بفرض “حصار” على السويداء، مع تقييدها حركة الوصول إليها، وانتشار قواتها في أجزاء عدة من المحافظة، وهو ما تنفيه دمشق.
ولا يزال طريق رئيسي يربط السويداء بدمشق مقطوعا، مع تمركز مجموعات مسلحة محسوبة على السلطة تمنع حركة المرور واستئناف الحركة التجارية، بحسب المرصد.
وتنفي السلطات السورية فرض حصار على المحافظة، وتلقي باللوم على “مجموعات خارجة عن القانون”، وهي تسمية تطلقها على المقاتلين الدروز.