إيران بعد الحرب الأخيرة: تحديات النظام ورؤية التغيير الديموقراطي؟

إيران بعد الحرب الأخيرة: تحديات النظام ورؤية التغيير الديموقراطي؟

ألحق الصراع الأخير أضراراً جسيمة بالنظام الإيراني، من فقدان قادة عسكريين كبار، وتدمير البنية التحتية الدفاعية، إلى أضرار بالغة في البرنامج النووي الذي يمثل رمز السيادة الوطنية

إيران بعد الحرب الأخيرة: تحديات النظام ورؤية التغيير الديموقراطي؟

حفظ الصورة
موسى أفشار
خريج جامعة المستنصرية ببغداد محلل الشأن الإيراني وشؤون الشرق الأوسط خاصة الشؤون العربية. منذ أكثر من 20 عامًا يعمل كاتبًا ومحللًا في وسائل الإعلام العربية. عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية كاتب مقالات وله مقابلات وآراء عديدة في وسائل الإعلام العربية الرصينة
وکالة الانباء حضر موت

* موسى أفشار

شهدت إيران في الأشهر الماضية تحولات سريعة أثرت بعمق على مستقبل النظام الحاكم، لا سيما بعد الحرب مع إسرائيل التي استمرت اثني عشر يوماً وكشفت هشاشة النظام على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية. لم تكن هذه الحرب مجرد نزاع عسكري عابر، بل كانت اختباراً حقيقياً لقدرة النظام على الصمود وإعادة بناء قوته وسط أزمات داخلية متزايدة. في هذا المقال، نستعرض تأثير هذه الحرب على النظام الإيراني ونحلل السيناريوات المحتملة لمستقبل البلاد، مع التركيز على الخيار الثالث المبني على إرادة الشعب ومقاومته المنظمة كحل حقيقي للتغيير الديموقراطي.

تأثير الحرب على النظام الإيراني وقدرته على إعادة البناء
ألحق الصراع الأخير أضراراً جسيمة بالنظام الإيراني، من فقدان قادة عسكريين كبار، وتدمير البنية التحتية الدفاعية، إلى أضرار بالغة في البرنامج النووي الذي يمثل رمز السيادة الوطنية. هذه الخسائر لم تكن فقط عسكرية، بل سياسية واجتماعية أيضاً، إذ تواجه الحكومة أزمة ثقة عميقة من جانب الشعب الذي يتساءل عن سبب إنفاق ثروات البلاد على مشاريع نووية لا تخدم مصالحه وتتبخر في ليلة واحدة.
تعتمد قدرة النظام على إعادة بناء قواته العسكرية على عاملين رئيسيين: الأول هو الموقف الدولي، وهل سيلتزم سياسة حازمة أم سيعود إلى سياسة المهادنة التي تمنح النظام الفرصة لإعادة تشكيل أجهزته القمعية والعسكرية؟ الثاني هو العامل الداخلي، إذ يقف الشعب الإيراني والمقاومة بقوة لمنع النظام من استعادة هيمنته. من جهة أخرى، يعاني الاقتصاد الإيراني من حالة كارثية بسبب العقوبات، الفساد، الإنفاق العسكري الهائل، والقمع الداخلي، ما يزيد من صعوبة إعادة البناء ويهدد بانفجار اجتماعي شعبي.
علاوة على ذلك، أدت الحرب إلى تعميق الانقسامات داخل النظام، إذ فقدت القيادة العسكرية الرئيسية ما أثر على شرعية النظام السياسية. هذا التدهور في الثقة دفع قطاعات من المجتمع الإيراني التي كانت سابقاً مترددة، إلى الانضمام إلى المقاومة المنظمة، ما يشكل نقطة تحول قد تغير مسار المستقبل السياسي للبلاد بشكل جذري.

رؤية التغيير الديموقراطي وخريطة الطريق المستقبلية
الحل الحقيقي لأزمة إيران لا يكمن في الحرب ولا في المهادنة، بل في خيار ثالث يقوم على إرادة الشعب ومقاومته المنظمة. تدعو هذه الرؤية إلى إقامة جمهورية ديموقراطية غير نووية، تفصل الدين عن الدولة، تضمن المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، وتعطي الأقليات حق الحكم الذاتي. هذه الجمهورية الجديدة لا تضمن فقط حقوق الإنسان والديموقراطية، بل تفتح آفاقاً للسلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية في إيران والمنطقة.
تمثل المقاومة الإيرانية شبكة واسعة من النشطاء ووحدات المقاومة داخل البلاد، تعمل بلا كلل لتحقيق هذا الهدف. هذه المقاومة لها جذور تاريخية عميقة في النضال والتضحيات، وتلعب المرأة دوراً محورياً فيها، إذ تشكل أكثر من نصف أعضاء المجلس الوطني للمقاومة وتحتل مناصب قيادية بارزة. إن الوحدة الوطنية والتنسيق بين القوى المعارضة يشكلان أساس نجاح هذا المشروع الديموقراطي.
بالإضافة إلى ذلك، تحظى هذه المقاومة بدعم دولي واسع من آلاف البرلمانيين والشخصيات السياسية حول العالم، ما يعزز شرعيتها ويزيد الضغوط السياسية والاقتصادية على النظام، ويفتح آفاقاً أوسع للشعب الإيراني للتعبير عن مطالبه.
أي مفاوضات مستقبلية مع النظام يجب أن تتضمن تفكيك المنشآت النووية، وقف دعم الإرهاب والميليشيات الطائفية، واحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك وقف الإعدامات والتعذيب وإطلاق سراح السجناء السياسيين. هذه الشروط ليست فقط مطالب سياسية بل هي أساس للسلام والاستقرار في المنطقة.

  الخيار الثالث هو الطريق الحقيقي للتغيير
تقف إيران اليوم عند مفترق طرق تاريخي. فقد كشفت الحرب الأخيرة هشاشة النظام وأظهرت أن الحلول العسكرية أو سياسة المهادنة ليست سوى تأجيل للمشكلة. الخيار الثالث، المبني على إرادة الشعب ومقاومته المنظمة، هو السبيل الوحيد لتحقيق تغيير حقيقي وديموقراطي. هذا الخيار ليس حلماً بعيد المنال، بل برنامج عملي وقابل للتحقيق يحتاج إلى دعم مستمر دولي وشعبي.
إن إقامة جمهورية ديموقراطية في إيران تقوم على العدالة والمساواة وحقوق الإنسان ستؤدي إلى استقرار داخلي وإقليمي، وتنهي السياسات التوسعية والعدوانية التي أرهقت المنطقة لعقود. في النهاية، يرتبط مستقبل إيران ومستقبل السلام في الشرق الأوسط ارتباطاً وثيقاً بهذا الخيار الثالث، الذي يعبر عن تطلعات ملايين الإيرانيين للحرية والكرامة.
 

 

*عضو لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية