صدام حفتر في باكستان لاستئناف العلاقات وتطوير التعاون العسكري
أدى رئيس أركان القوات البرية الليبية الفريق ركن صدام حفتر زيارة ذات أبعاد استثنائية إلى جمهورية باكستان الإسلامية، التقى خلالها مع رئيس الوزراء وكبار المسؤولين العسكريين لبحث آفاق التعاون العسكري بين الجانبين، وسبل تطوير العلاقات في مجالات الصناعات الدفاعية وتبادل الخبرات الفنية، إضافة إلى مناقشة مستجدات الأوضاع الإقليمية والتحديات الأمنية المشتركة.
وكان لصدام حفتر والوفد المرافق له اجتماع مهم مع رئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف تمحور حول التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات، وحضره نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية إسحاق دار، ووزير الدفاع الاتحادي خواجة آصف، ووزير الإنتاج الدفاعي الاتحادي رضا حياة حراج، ومستشار رئيس الوزراء الدكتور توقير شاه، والمساعد الخاص لرئيس الوزراء طارق فاطمي، وعدد من كبار المسؤولين الحكوميين المعنيين.
وحظي الوفد الليبي بترحيب حار من رئيس وزراء الباكستاني الذي أكد استعداد بلاده لدعم العلاقات بين الطرفين وتنويع مجالاتها والارتقاء بها إلى المستوى الذي تطمح إليه إسلام آباد وسلطات شرق ليبيا. واستقبل رئيس الأركان العامة للجيش الباكستاني المشير عصام منير بمقر القيادة العامة بروالبندي الفريق ركن صدام حفتر حيث اتفقا على التعاون في المجال الدفاعي وتبادل الخبرات الفنية لمواجهة التحديات الأمنية الحديثة.
وقالت إدارة العلاقات العامة في الجيش الباكستاني إن الاتفاق بين الطرفين شمل التصنيع العسكري، وإن اللقاء ناقش القضايا ذات الاهتمام المشترك والوضع الإقليمي المتغير والتحديات الأمنية والتعاون الدفاعي. وعند وصوله إلى القيادة العامة، وضع رئيس القوات المسلحة الليبية إكليلا من الزهور على النصب التذكاري للشهداء، وقدم التحية لشهداء الجيش الباكستاني.
وبحسب بيان العلاقات العامة للجيش الباكستاني "تم تقديم حرس الشرف للفريق ركن صدام خليفة حفتر من قبل فرقة مجهزة تجهيزا جيدا من الجيش الباكستاني،" وهو ما يشكل انطباعا عاما عن حفاوة الاستقبال التي خصت بها القيادة العامة للقوات المسلحة الباكستانية الفريق ركن صدام حفتر. وذكر بيان لإدارة العلاقات العامة بالجيش الباكستاني أن “الزعيمين اتفقا على القيام بالتعاون الصناعي الدفاعي وتبادل الخبرات الفنية لمواجهة التحديات الأمنية المعاصرة."
◙ سلطات شرق ليبيا وفي مقدمتها قيادة الجيش تسعى إلى تكريس شرعيتها كوريثة للدولة الوطنية الليبية
وأشار إلى أن الاجتماع "تضمن مناقشة المسائل ذات الاهتمام المشترك، والديناميكيات الإقليمية المتطورة، والتحديات الأمنية، والمسائل المتعلقة بالتعاون الدفاعي." والتقى صدام خليفة حفتر مع رئيس أركان البحرية الأدميرال نافيد أشرف في مقر البحرية، حيث تمت مناقشة المسائل ذات الاهتمام المشترك والوضع الأمني في المنطقة والتعاون الثنائي.
ووفقًا للعلاقات العامة للجيش الباكستاني، سلط رئيس البحرية الضوء على الخطوات التي اتخذتها البحرية الباكستانية من أجل السلام والأمن في المنطقة من خلال دوريات الأمن البحري الإقليمية. وأعرب صدام حفتر عن تقديره لجهود البحرية الباكستانية في ضمان الأمن والاستقرار البحري في المنطقة. كما أكد التزامه بتعزيز نطاق العلاقات الدفاعية بين باكستان وليبيا، وفقًا لإدارة العلاقات العامة للجيش الباكستاني.
وخلال الزيارة تولى الفريق طيار ركن محمد المنفور رئيس أركان القوات الجوية بالجيش الوطني الليبي التوقيع على بروتوكول تعاون عسكري مع نظيره الباكستاني بحضور الفريق ركن صدام حفتر والمشير عاصم منير القائد العام للجيش الباكستاني، وهو ما يعتبر خطوة مهمة ليس فقط على طريق التعاون العسكري بين القوات المسلحة في البلدين وإنما في إطار إعادة تشكيل التوازنات الإقليمية وإبراز موقع ليبيا كدولة محورية في المنطقة وكمركز تأثير جيوسياسي نجح من خلال القيادة العامة للجيش في بلورة تطلعاته السياسية وتحالفاته الإستراتيجية من خارج منظومة التبعية التي حاولت بعض القوى الدولية فرضها عليه.
ولعل الزيارة التي أداها الفريق ركن صدام حفتر إلى إسلام آباد كقائد عام للقوات البرية، كانت كذلك بصفته نائبا للقائد العام للقوات المسلحة ومبعوثا شخصيا حاملا أمانة تمثيل التطلعات المستقبلية لوطنه من خلال المؤسسة العسكرية التي تولت مهمة الإنقاذ والتحرير وتقود اليوم مهمة البناء وإعادة التعمير والتخطيط لإعادة توحيد الجغرافيا عبر رؤية متقدمة تجد صدى ايجابيا سواء على مستوى الإقليم أو على مستوى العالم لاسيما مع تأكد الجميع من أن “الحل في الجيش”، وأن مناهضي الفكرة من القوى الإقليمية والدولية عادوا ليقتنعوا بها وإن لم يعلنوا ذلك صراحة.
ورجحت مصادر مطلعة، أن يكون حفتر عقد عددا من الاجتماعات الأخرى التي لم يتم الإعلان عنها ، وهي مرتبطة بالعلاقات الثنائية في المجالات العسكرية والأمنية والإستراتيجية واعتماد الجيش الليبي على الجانب الباكستاني في عدد من الملفات المهمة ذات العلاقات بما سيكون عليه وجه ليبيا خلال المرحلة القادمة التي لن تكون خارج دائرة التأثير الميداني والسياسي للقوات المسلحة بقيادة المشير خليفة حفتر.
وتسعى سلطات شرق ليبيا وفي مقدمتها قيادة الجيش إلى تكريس شرعيتها كوريثة للدولة الوطنية الليبية وامتداد لها فيما لا تزال سلطات طرابلس تعاني من حالة انفصال عن الواقع وقطيعة مع التاريخ. ويرى مراقبون أن زيارة صدام حفتر إلى إسلام آباد جاء في سياق العمل على تشكيل خارطة تحالفات سياسية وإستراتيجية مع عدد من الدول المؤثرة في محيطيها الإقليمي والدولي ومن بينها باكستان.
ورغم أن البعض استغرب من طبيعة زيارة صدام إلى إسلام آباد في هذا الوقت بالذات، إلا أن القراءة المتأنية لتحركات الدبلوماسية العسكرية في شرق ليبيا تشير إلى أن الأمر مرتبط بتوجه عام يهدف إلى المزيد من تشبيك المصالح وتطوير العلاقات مع الدول التي عرفت بصداقتها لليبيا خلال العقود الماضية، وأن الهدف من هذا التوجه هو الارتقاء بمستوى أداء الجيش الوطني من حيث التدريب والتجهيز والتصنيع العسكري، وهو ملف يتولى إدارته حاليا الفريق ركن صدام حفتر باقتدار واضح.
◙ المشير حفتر وضع خارطة للعلاقات الإقليمية والدولية تعتمد على الاحترام المتبادل والتعامل الندي وعدم التدخل في شؤون الغير
وخلال زيارته إلى إسلام آباد، فتح صدام باب الاتفاق مع الجانب الباكستاني على التعاون في مجال التصنيع الحربي وتوطينه نظرا لما تمتاز به باكستان في هذا المجال وثبوت نجاعته الميدانية بالخصوص خلال المواجهات مع الهند في أوائل مايو الماضي. ورغم بعض التقلبات التي شهدتها، إلا أن العلاقات بين باكستان وليبيا كانت بشكل عام جيدة وحظيت باهتمام كبير من وسائل الإعلام الباكستانية والجمهور على مدى العقود العديدة الماضية.
وزار القادة الباكستانيون ليبيا خلال فترات مختلفة من حكم معمر القذافي. وكان الرئيس آصف علي زرداري آخر رئيس دولة يزور ليبيا من باكستان في مايو 2009، تم خلالها توقيع سبع اتفاقيات، بما في ذلك مذكرات تفاهم، لتوسيع العلاقات الإستراتيجية الباكستانية – الليبية في مجالات الدفاع والتعليم وتبادل القوى العاملة والصحة والتجارة والزراعة والطاقة والنفط والغاز والخدمات المصرفية والبناء.
وفي العام 1971، وقفت ليبيا إلى جانب باكستان في حربها مع الهند، وقال الزعيم الراحل معمر القذافي آنذاك إنه مستعد للوقوف بقوة إلى جانب إسلام آباد، وقدمت بلاده مساعدة اقتصادية لباكستان، وازدادت شعبية القذافي في باكستان من خلال موقفه الحازم خلال القمة الإسلامية في لاهور بعد التجارب النووية الهندية عام 1974، حيث أعرب عن دعمه القوي للبرنامج النووي الباكستاني، مُعلنًا باكستان قلعة الإسلام، حتى أن ملعب لاهور للكريكت حمل منذ ذلك الحين اسم "ملعب القذافي."
ويعد القذافي الداعم الأبرز للقنبلة النووية الباكستانية، وهو ما جعله يرتبط بعلاقات وطيدة مع العالم الباكستاني عبدالقادر خان الذي دخل لاحقا على خط الإعداد لتصنيع سلاح نووي ليبي قبل أن يضطر النظام إلى التخلي عنه في سياق صفقة سياسية مع الولايات المتحدة في العام 2003. وتشير أوساط ليبية إلى أن القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر تبنى منذ إطلاقه ثورة الكرامة في العام 2014 على استمرارية الدولة والمؤسسة العسكرية حيث كان أحد أعضاء حركة الضباط الأحرار التي أطاحت بالنظام الملكي في الأول من سبتمبر 1969 ودفعت بالقذافي إلى صدارة الحكم ليستمر فيه حتى العام 2011.
وبحسب الأوساط، فإن المشير حفتر وضع خارطة للعلاقات الإقليمية والدولية تعتمد على جملة من المبادئ من بينها الاحترام المتبادل والتعامل الندي وعدم التدخل في شؤون الغير، بالإضافة إلى وحدة المواقف والرؤى وتأمين المصالح المشتركة عبر قراءة واقعية للتحديات المشتركة.
ويقول محللون سياسيون أن تحركات الفريق ركن صدام حفتر تترجم رؤية والده على أرض الواقع، وتفتح أمامه آفاق علاقات إقليمية ودولية متميزة وذات أبعاد إستراتيجية من شأنها التأثير إيجابيا في مستقبل الوضع الداخلي في ليبيا وتعزيز دور الجيش الوطني في استعادة سيادة الدولة وتأمين وحدتها الترابية وحماية مقدراتها والخروج بها من نفق الأزمة التي دفعها إليها التدخل الأجنبي في العام 2011.