«المضايقة التنظيمية».. سلاح فرنسا لمواجهة تغلغل الإخوان

وكالة أنباء حضرموت

بهدوءٍ، ودون قرع طبول المواجهة، تتحرك السلطات الفرنسية في الظل لتفكيك تمدد الإخوان المسلمين داخل النسيج المؤسسي للبلد الأوروبي.

فلم تعد الحاجة ملحة لقانون جديد، بل يكفي أن تُفتح الأدراج، وتفعل أدوات الدولة البيروقراطية، لتتحول التراخيص والتفتيشات إلى سلاح خفي يقوض المؤسسات المحسوبة على الجماعة، عبر «المضايقة التنظيمية» التي تستبدل المعركة القانونية بحصار إداري ناعم، لكنه طويل النفس وفعّال.

كيف ذلك؟
قال خبراء إن الحكومة الفرنسية اختارت اعتماد نهج عملي حازم في مواجهة تغلغل جماعة الإخوان المسلمين داخل المؤسسات التعليمية والرياضية والثقافية، عبر تكتيك يُعرف باسم «المضايقة التنظيمية»، قبل إقرار أي تشريع جديد رسمي.

ففي الوقت الذي يحرص فيه مسؤولو الجماعة على التخفي والابتعاد عن الأضواء، جاءت إجراءات الدولة هادئة لكنها مستمرة، تستهدف المؤسسات التابعة للجماعة أو المتأثرة بفكرها عبر سلسلة من القيود الإدارية والتنظيمية التي قد تؤدي فعليًا إلى إغلاقها.

المضايقة التنظيمية
شهد مجلس الدفاع الذي ترأسه الرئيس إيمانويل ماكرون يوم الإثنين، تحوّلاً لافتًا في طريقة التعامل مع ملف الإسلام السياسي، إذ غابت التصريحات الصاخبة وحلّ مكانها ما وصفه مراقبون بـ«المقاربة البيروقراطية الهادفة».

فالحكومة لم تذهب نحو مشروع قانون جديد، بل فضلت تعبئة ما تملكه من أدوات إدارية قائمة لتعطيل النشاطات التي تراها مرتبطة بـ«الإخوان»، بحسب مصادر إعلامية فرنسية، أكدت أن السلطات لجأت إلى مراجعة دقيقة لتراخيص بعض المدارس الخاصة، الجمعيات الثقافية، والمراكز الرياضية التي تبيّن أنها تروّج، بشكل غير مباشر، لأفكار سلفية أو أيديولوجية إخوانية.

التغلغل الصامت والمواجهة الهادئة
قال المحافظ إقليم "أوت دو سن" الفرنسي ألكسندر بروجيير إن المشكلة الحقيقية تكمن في أن هذه التنظيمات لا ترتكب مخالفات صريحة، بل تتحرك بهدوء وتحت غطاء قانوني، ما يستوجب أسلوب مواجهة مختلفا.

ومن هنا تأتي «المضايقة التنظيمية» التي تعتمد على:

التفتيش المتكرر
التحقيقات الإدارية في مصادر التمويل
التدقيق في البرامج التعليمية والنشاطات الثقافية
تعليق التراخيص لأسباب شكلية إلى حين تسوية الملفات، وهو ما قد يمتد شهورًا أو سنوات.
وكشفت مجلة "لوبوان" الفرنسية أن الحكومة الفرنسية، في مواجهة "تغلغل الإخوان في فرنسا، والتمويه الذي تلجأ إليه بعض الخطابات المتطرفة، اتخذت خلال مجلس الدفاع يوم الإثنين خيار "المضايقة التنظيمية" كتكتيك لإغلاق مؤسسات محددة.

وأشارت المجلة الفرنسية إلى أنه بعد انعقاد مجلس دفاع أول يوم 21 مايو/أيار الماضي، لمناقشة تقرير حول جماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي، ترأس الرئيس إيمانويل ماكرون مجلسًا ثانياً في 7 يوليو/تموز الجاري، حضره وزير الداخلية برونو ريتاييو، ووزيرتا التربية الوطنية إيزابيل بورن والرياضة ماري بارساك.

تكتيك مواجهة التغلغل الإسلامي
في مواجهة التمويه الذي تلجأ إليه بعض الخطابات المتطرفة، اختار مجلس الدفاع الذي عُقد يوم الإثنين اعتماد أسلوب "المضايقة التنظيمية" كوسيلة لإغلاق بعض المؤسسات.

ويرى الباحث في العلوم السياسية لوران أمار، المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية في أوروبا، لـ"العين الإخبارية" أن الحكومة الفرنسية تحاول تجنب الصدام المباشر مع جماعة "قادرة على تكييف خطابها باستمرار"، لذلك جاء الأسلوب الحالي أقرب إلى "الخنق الناعم".

وأضاف أمار: "لم تعد فرنسا ترى في التنظيمات الإسلامية المتطرفة خطرًا أمنيًا فحسب، بل خطرًا على النسيج المجتمعي والعلماني للبلاد. ولذلك فإن الضغط اليوم يُمارس على البيئة الحاضنة، عبر تشديد المعايير البيروقراطية وجعل الحياة القانونية لهذه الكيانات شبه مستحيلة."

هل ينجح هذا النهج؟
المؤشرات الأولية تُظهر أن بعض المؤسسات بدأت تواجه صعوبات فعلية في الاستمرار، سواء نتيجة تعليق التراخيص أو تجميد التمويل، ما قد يُرغمها على الإغلاق أو تغيير هويتها بالكامل. ويبقى السؤال: هل يكفي هذا الأسلوب لضبط ظاهرة الإخوان في فرنسا أم أن المواجهة ستستدعي مستقبلاً أدوات تشريعية صريحة؟

بدوره، قال فينسنت جيزر، الباحث في مركز الدراسات حول العالم العربي والإسلامي في تصريحات "العين الإخبارية"، إن التقرير الذي اعتمدته الحكومة "يحذر من نفوذ سياسي متنامي للإخوان المسلمين في مؤسسات فرنسية مثل التعليم العالي والرياضة”، لكنه نبه إلى خطورة دمج الإسلام السياسي مع الإسلام كدين ضمن خطاب عام يقود إلى اختلالات جانبية.

وأضاف جيزر أن "إمعان الحكومة في إغلاق الكيانات والمصادرات المالية قد تفكك شبكات تنظيمية فعلاً، لكنها تخاطر أيضًا بـخلق استقطاب بين مسلمي فرنسا، الذين قد يشعرون بتعرضهم للتمييز، وهو ما يهدد فعليًا التكامل المجتمعي والثقة بالمؤسسات الحقوقية والقانونية.

وحذر جيزر من أن يستخدم الإخوان في فرنسا الإجراءات التنظيمية لحين صدور القانون، لاستقطاب المسلمين واستغلال مصطلح الإسلاموفوبيا.