الخارجية الأميركية تؤكد أن أنشطة حزب الله تقوض أمن لبنان واستقراره وسيادته.

الحرب الأهلية مأساة تحييها الاشتباكات في ذاكرة اللبنانيين

بيروت

أدخلت الخلافات حول قرارات القاضي طارق بيطار، المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، لبنان في اشتباكات مسلّحة دامت لنحو خمس ساعات، فأثارت الرعب في نفوس اللبنانيين وأحيت في عقولهم مأساة الحرب الأهلية التي لا يرغب أحد في تكرارها.

والخميس شهدت بيروت واحدة من أعنف المواجهات الأمنية منذ سنوات في تصعيد خطير يُنذر بإدخال البلاد في أزمة جديدة، حيث أطلق مجهولون النار بكثافة في منطقة الطيونة (مختلطة بين شيعة ومسيحيين) على مؤيدين لجماعة حزب الله وحركة “أمل” (شيعيّتان) خلال مظاهرة منددة بقرارات القاضي بيطار. وأسفرت الاشتباكات الدامية عن مقتل 7 أشخاص وإصابة 32 آخرين وفق أرقام وزارة الصحة اللبنانية.

واتهمت جماعة حزب الله وحركة “أمل” من سمّتاها “مجموعات مسلحة” تابعة لحزب القوات اللبنانية (مسيحي) بزعامة سمير جعجع بقتل وجرح مؤيدين لهما خلال التظاهرة، وهو ما نفاه الأخير ووصف الاتهامات بـ”الباطلة”.

ويقود الحزبان المعروفان بـ”الثنائي الشيعي” حالياً المعركة ضد المحقق طارق بيطار الذي تتهمه قوى سياسية عدة بـ”التسييس”، بعد أن ادعى في يوليو الماضي على 10 مسؤولين وضباط بينهم نائبان من “أمل” هما علي حسن خليل وغازي زعيتر (وزيران سابقان) ورئيس الحكومة السابق حسان دياب، إلا أن تلك الدعاوى القضائية رفضتها بعض القوى السياسية اللبنانية، من بينها جماعة حزب الله التي اعتبر زعيمها حسن نصرالله الاثنين أن عمل بيطار “فيه استهداف سياسي ولا علاقة له بالعدالة”.

والثنائي الشيعي مصر على مطالبته بتنحية القاضي الذي لا يزال بدوره متمسكا بمسار التحقيق الذي أطلقه قبل أشهر بلا تردد رغم الضغوط التي تعرض لها.

ونددت وزارة الخارجية الأميركية بما حصل، مؤكدة أن أنشطة حزب الله تقوض أمن لبنان واستقراره وسيادته. في المقابل أدانت إيران حليفة حزب الله مقتل محتجين واعتبرت أن الاشتباكات “فتن مدعومة من إسرائيل” ستتغلب عليها بيروت.

بدوره اعتبر النائب وهبة قاطيشا عضو تكتل “الجمهورية القوية” أن “المتهمين لا يريدون أن يصل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت إلى نتيجة، فافتعلوا هذه الأحداث لعرقلة سير العدالة وعمل القاضي”.

ودعا نادي القضاة اللبناني إلى الكف عن العبث “بآخر حصن في فكرة الدولة” والإسراع في تحديد المسؤولين عن العنف في بيروت وإنزال العقوبة بهم.

وتعد منطقة الطيونة التي وقعت فيها اشتباكات الخميس إحدى خطوط التماس القديمة في زمن الحرب الأهلية في لبنان، والتي استمرت 15 عاماً بين عامي 1975 و1990، وراح ضحيتها 150 ألف قتيل و300 ألف جريح.

وتحت وقع طلقات الرصاص والقذائف الصاروخية التي استمرت على مدى 5 ساعات متواصلة الخميس وجد اللبنانيون أنفسهم محاصرين داخل المنازل والمحال التجارية والمدارس في المنطقة.

ويقول أبوفادي المقيم في الطيونة “عشنا في تلك الساعات القليلة إحساسا أقسى وأصعب من زمن الحرب الأهلية، فقد انهمرت طلقات الرصاص والقذائف الصاروخية فوق رؤوسنا كالأمطار في ليالي الشتاء، وانتشر القناصة بشكل مكثف، ما أجبر الجميع على الاختباء داخل المنازل والمحال التجارية”.

فيما قالت نادية إنها تعرضت لصدمة نفسية كبيرة، معتبرة أن “ما حدث من اشتباكات جاء ليزيد من نكباتنا وهمومنا في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة”.

وأضافت “الناس تعبوا جداً ولم يعودوا يتحمّلون اضطرابات أمنية تزيد من الجوع والحرمان الذي يرزحون تحته منذ أكثر من عامين”.

 بدوره كان حسّان في عمله صباحاً أثناء وقوع الأحداث، إذ وجد نفسه فجأة مع زملائه في مواجهة الموت بعد أن اخترقت طلقات الرصاص جميع نوافذ مكاتب العمل من كل جانب.

وقال حسان “الرصاص من كافة الأحجام طال كافة أرجاء مكاتب العمل واخترق نوافذ وشرفات المبنى وأحدث أضراراً مادية فادحة”.

وحالت الاشتباكات الدامية دون وصول شادي إلى منزل أهله للاطمئنان عليهم، وأوضح “كنت في طريقي إلى منزل أهلي للاطمئنان عليهم، لكن سرعان ما بدأ إطلاق النيران واشتدت عمليات القنص والاشتباكات وتحول المشهد فجأة إلى حرب شوارع”.

ومنذ مساء الخميس سيطر هدوء على منطقة الاشتباكات وسط انتشار كثيف للجيش اللبناني ونصبه لحواجز تفتيش للسيارات والآليات العابرة. وانهمك السكان بتفقد الأضرار التي طالت ممتلكاتهم، فيما عمل آخرون على إزالة الزجاج المتناثر في الشارع.

وقال وزير الدفاع اللبناني موريس سليم الجمعة إن المؤسسة العسكرية لن تسمح بأي تجاوزات من شأنها إحداث اضطرابات أو تهديد للسلامة العامة والأمن في البلاد.

ومنذ نحو عامين يعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادة تسببت في تدهور قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، وانخفاض حاد في احتياطي العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي فاقمتها تداعيات جائحة كورونا والانفجار الهائل الذي هزّ مرفأ بيروت في أغسطس 2020 ما أودى بحياة 217 شخصا وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، فضلا عن أضرار مادية هائلة في أبنية سكنية وتجارية جراء تخزين نحو 2750 طنا من مادة نترات الأمونيوم كانت مصادرة منذ عام 2014.

ومنذ ذلك الحين عاش لبنان جمودا سياسيا لم يسفر عن تأليف حكومة إلا بعد أكثر من عام عن استقالة حكومة حسان دياب في السادس من أغسطس 2020، وعبّر لبنانيون مرارا عن خوفهم من تكرار سيناريو الحرب الأهلية، والاشتباكات التي حصلت في مايو 2008 حين تطورت أزمة سياسية إلى معارك في الشارع بين حزب الله والأكثرية النيابية في ذلك الحين بزعامة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري.

وسيطر خلالها حزب الله لأيام عدة على القسم الأكبر من الشطر الغربي لبيروت. وتوصلت الأطراف السياسية لاحقاً إلى تسوية خلال لقاء في الدوحة.

لكن هاشم صفي الدين العضو البارز في حزب الله طمأن في كلمة ألقاها أثناء تشييع جنازة أحد ضحايا العنف الجمعة أن لبنان لن ينجر إلى حرب أهلية جديدة، مشيرا إلى أن الجماعة “لن تترك دماء شهدائها تذهب هدرا”.

وتُعد هذه أول أزمة سياسية تواجهها حكومة ميقاتي منذ تشكيلها في العاشر من سبتمبر في وقت يفترض أن تنكب على إيجاد حلول للانهيار الاقتصادي المستمر في البلاد منذ أكثر من عامين. ويقع على عاتقها استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي كما التحضير للانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في مايو المقبل.