دور عماني فاعل في إحياء المفاوضات بين واشنطن وطهران
تتجه الأنظار إقليميا ودوليا إلى سلطنة عمان من أجل إحياء المفاوضات المعطلة بين الولايات المتحدة وإيران، وتبديد المخاوف بشأن جدية مسار مسقط ومدى قدرته على إعادة بناء الثقة بين واشنطن وطهران بعد الحرب الأخيرة. ويعزى الرهان الإقليمي والدولي على سلطنة عمان إلى الدور الذي لعبته في السنوات الأخيرة بقيادة السلطان هيثم بن طارق في تجاوز الكثير من العقبات والخلافات بعيدا عن الأنظار ما جعلها وجهة مفضلة لكل الأطراف المتداخلة في أزمات المنطقة.
وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي عُقد في ختام قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأربعاء، عن أن الولايات المتحدة وإيران ستجتمعان الأسبوع المقبل لمناقشة اتفاق نووي محتمل.
وأشارت تقارير إلى احتمال عقد لقاء ثنائي بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان خلال أيام، وأن مسقط ستتحول إلى منتدى للحوار والمشاورات الإقليمية والدولية لدعم وإسناد المفاوضات الثنائية بين واشنطن وطهران.
دور السلطنة كوسيط محايد لم يمنعها من التعبير عن مواقفها السياسية بما يتجاوب مع عقيدتها الدبلوماسية كدولة تدافع عن مقومات الأمن والسلام
وينتظر أن تقابل المفاوضات بالعراقيل خاصة في ظل انتهاء الحرب دون غالب أو مغلوب بشكل واضح، ما يجعل كل طرف يناور بوضع شروط مسبقة للإيحاء بأنه في موقع قوة، إلا أن خبرة العمانيين في الوساطة ستساعد على تجاوز تلك العراقيل وتفتح الطريق أمام عودة الاجتماعات ولو بشكل غير مباشر في مرحلة أولى.
ومنذ نجاحها في رعاية المفاوضات التي قادت إلى الاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية في 2015، باتت السلطنة وجهة ذات مصداقية لدى الغرب، وخاصة لدى الأميركيين، بالإضافة إلى إيران التي طالما وجدت في مسقط قناة الاتصال الأكثر مصداقية وقربا.
ويرى مراقبون أن التوصل إلى اتفاق جديد وحاسم بين إيران وإدارة ترامب، بالرغم من لحظة التوتر القصوى التي تعيشها المنطقة بعد الحرب، سيحول السلطنة إلى مرجع في حل الأزمات الإقليمية.
وتعوّل عواصم القرار الإقليمي والدولي على نجاح سلطنة عمان في إدارة المفاوضات بين الولايات المتحدة وطهران نظرا إلى عراقة ومتانة علاقاتها مع البلدين، ولرصانتها السياسية واتزانها الدبلوماسي وقدرتها على المحافظة على مسافة واحدة من الأطراف المتصارعة، ما يمنحها جدارة التدخل بالحسنى عندما يحتاج الأمر إلى اتصالات سرية أو علنية يمكن أن تجنب المنطقة والعالم آثارا سلبية.
وفي 16 يونيو الجاري، بحث سلطان عُمان خلال اتصال مع الرئيس الإيراني مسعود بازشكيان سبل وقف الحرب. وأكد على “أهمية التهدئة من الجانبين، والعودة إلى المفاوضات والحوار والتفاهم، لإيقاف شبح الصراع الدائر وتداعياته الكارثية، حفاظا على سلامة أرواح السكان والمقدرات.”
وشدد السلطان هيثم على “حرص وسعي حكومة سلطنة عُمان للمساهمة الفاعلة وبكل الوسائل السياسية والدبلوماسية لإنهاء هذه الأزمة ومنع تفاقمها، وإيجاد تسويات عادلة ومنصفة، ما يكفل عودة الحياة إلى مجرياتها الطبيعية.”
ولطالما أشاد الطرفان الأميركي والإيراني بسلطنة عمان كوسيط موثوق به إقليميا ودوليا، يمتاز بالحياد ولكن في إطار نظرة ايجابية لا تتأخر عن تقديم المقترحات المساعدة على حلحلة الأزمات من خارج دائرة الصخب الإعلامي ومحاولة كسب نقاط سياسية على حساب الأطراف ذات العلاقة المباشرة بالمفاوضات.
ينتظر أن تقابل المفاوضات بالعراقيل خاصة في ظل انتهاء الحرب دون غالب أو مغلوب، ما يجعل كل طرف يناور بوضع شروط مسبقة للإيحاء بأنه في موقع قوة
وقد ثمّن الرئيس الإيراني “الجهود الحثيثة التي تبذلها حكومة سلطنة عمان لتقريب وجهات النظر، وحل النزاعات بالطرق السلمية، ترسيخا لدعائم الأمن والسلم وتحقيقا للاستقرار والازدهار لكافة الشعوب،” مبرزا أن “بلاده وهي تواجه العدوان الإسرائيلي الغاشم عليها، تؤيد الحلول الدبلوماسية عبر الحوار والتفاوض، وملتزمة بقواعد القانون الدولي واحترام سيادة الدول، وتطالب المجتمع الدولي بالوقوف مع العدالة وحق الدول في الدفاع عن النفس.”
وفي أبريل الماضي، أعرب الرئيس ترامب خلال اتصاله بالسلطان هيثم عن “تقديره للعلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، والجهود العمانية في المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية.”
ويرى المراقبون أن دور السلطنة كوسيط محايد لم يمنعها من التعبير عن مواقفها السياسية بما يتجاوب مع عقيدتها الدبلوماسية كدولة تدافع عن مقومات الأمن والسلام والحوار بين الدول والشعوب وتعمل على تفعيل القانون الدولي ونبذ العنف والكراهية.
ويضيف هؤلاء أن قوة الفعل الدبلوماسي للسلطنة زادت من تثمين موقعها الجيوسياسي المتميز في تأمين حركة الملاحة الدولية وفي تأمين مضيق هرمز من انعكاسات المواجهة المفتوحة بين إيران وإسرائيل، لاسيما بعد التدخل الأميركي المباشر بقصف المنشآت النووية الإيرانية.
وتسعى طهران دائما إلى الحفاظ على علاقاتها التقليدية مع مسقط وهي علاقات تقدير واحترام وندية تعتمد في جانب مهم منها على عمق الدور التاريخي للإمبراطوريتين العمانية والفارسية الجارتين.