مشاورات الصومال.. ضمانات النجاح ورسائل الغياب
قضايا رئيسية بحثها مؤتمر مقديشو بالصومال، في مشاورات تسعى لإعادة رسم خارطة المسار السياسي، لكن رسائل الغياب تهدد مخرجات الجلسات.
وبحث المؤتمر التشاوري الوطني الصومالي الذي انطلق الإثنين بالعاصمة الصومالية، بحضور مسؤولين حكوميين وممثلين عن بعض الولايات الفيدرالية، أربع قضايا رئيسة تعد جوهرية لمسار الدولة ومستقبلها السياسي والدستوري.
لكن غياب ولايتي بونتلاند وغوبالاند، إلى جانب قوى معارضة رئيسية، يلقي بظلاله الثقيلة على هذا اللقاء، ويبرز التوترات العميقة التي تعترض طريق الوحدة الوطنية المنشودة.
منتدى مقديشو.. بين آمال الانفراج وتحديات الانقسام
4 قضايا جوهرية
وبحسب البيان الرسمي الصادر عن الرئاسة، فإن أربع قضايا رئيسة تمثل لب التحديات المصيرية التي تواجه الصومال، وتتحدد فيها ملامح المستقبل السياسي للدولة.
أول هذه القضايا هو استكمال مراجعة الدستور وتعزيز الإطار القانوني للنظام الفيدرالي، وهو حجر الزاوية الذي تبنى عليه كل خطوات الإصلاح السياسي.
أما القضية الثانية، فهي إرساء نظام انتخابي جديد يقوم على مبدأ "صوت واحد لكل مواطن"، في محاولة للخروج من دوامة المحاصصة القبلية التي لطالما أثرت على وحدة وتماسك الدولة.
والثالثة تسريع الحرب ضد الجماعات المسلحة، وعلى رأسها حركة الشباب، فضلاً عن تعزيز وحدة مؤسسات الدولة وتماسكها الوطني، .
وخلال افتتاح المؤتمر، أكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن "باب التشاور والحوار مفتوح أمام الجميع"، مضيفا أن الحكومة الفيدرالية تعطي "أولوية قصوى للاستماع إلى كافة الآراء حول مستقبل الصومال".
كما وجه دعوة صريحة لإدارة بونتلاند التي اختارت مقاطعة المؤتمر، مناشدا إياها بتجاوز الانقسامات وبناء جسر للحوار.
رسائل الغياب
رغم هذه الرسائل التصالحية، ظلت مقاطعة ولايتي بونتلاند وغوبالاند واضحة، إلى جانب غياب عدد من أبرز قيادات المعارضة التي اتهمت الحكومة بـ"الانفراد بصياغة جدول أعمال المؤتمر" وإجراء "تعديلات دستورية دون توافق".
وطالب المقاطعون بمراجعة شاملة لمسار الإصلاحات السياسية، ووقف الإجراءات الأحادية، ولا سيما المتعلقة بتشكيل اللجنة الوطنية للانتخابات التي اعتبروها موالية للحكومة الحالية.
وفي كلمة له أمام المشاركين، وصف رئيس مجلس الشعب الصومالي، الشيخ عدن محمد نور (مادوبي)، المؤتمر بأنه "محطة حاسمة في مسيرة الصومال"، مشيرا إلى جاهزية البرلمان الفيدرالي لتمرير القوانين الضرورية لإنهاء المرحلة الانتقالية وترسيخ أسس النظام الفيدرالي.
أما رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري فقد قدم رؤية الحكومة في اليوم الثاني، ضمن استراتيجية شاملة تركز على الوحدة الوطنية، وتعزيز الأمن ومحاربة الإرهاب، والتحول السياسي، وإجراء الانتخابات، والتنمية الاقتصادية، وبناء مؤسسات الدولة.
وقال خلال مخاطبته المؤتمر إن الصومال دخل "عصر السياسات المبدئية، داعيا الجميع إلى المشاركة الفاعلة في بناء وطن ديمقراطي قوي.
وفي المقابل، اتخذت حكومة بونتلاند موقفا حازما من المؤتمر، نافية مشاركتها فيه، وهاجمت بشدة بعض الشخصيات التي حضرت من الإقليم، وذلك على لسان وزير إعلام الولاية محمود عيدي درير، الذي وصف من شاركوا بإسم بونتلاند بأنهم "لا يمثلون الولاية ولا يحظون بأي تفويض شعبي أو رسمي".
وقال إن "هؤلاء الأشخاص لا شرعية لهم"، واعتبر أن المؤتمر "يفتقر إلى الشمولية والشفافية"، متهما الرئيس حسن شيخ محمود بـ"إقصاء الفاعلين السياسيين الحقيقيين واختيار بدائل لا وزن لها في مجتمعاتهم".
ومع أن المؤتمر شهد مشاركة رسمية ومعارضة من ولايات مختلفة، إلا أن غياب التفويض الرسمي لبونتلاند وجوبالاند يفتح الباب واسعا للتشكيك في شرعية المخرجات ومستوى التمثيل الحقيقي للأطراف الفاعلة.
ويعزز ذلك المخاوف من أن تستمر أزمة الانقسامات السياسية في تقويض فرص بناء دولة مستقرة وديمقراطية.
ضمانات النجاح
يجمع مراقبون على أن نجاح المؤتمر مرهون بضمان شمولية الحوار وتجاوز الإقصاء والانفتاح على الأطراف المقاطعة عبر مسارات تفاوض موازية وتقديم ضمانات سياسية وقانونية للتمثيل العادل وتقاسم السلطة.
ويقول الخبير والباحث في الشأن الصومالي، عبدي علي، إنه رغم أن المؤتمر يحمل في طياته فرصا كبيرة لوضع أسس قوية لإصلاحات دستورية وانتخابية ضرورية، لكن نجاحه يعتمد على مدى قدرة القائمين عليه على ضمان التطبيق الفعلي لتوصياته.
ويضيف علي في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن «نجاح المؤتمر لن يكون ممكنا إلا من خلال مبادرات توفيقية تتجاوز الإقصاء وتفتح حوارا جادا مع الأطراف المقاطعة، لأن البناء الديمقراطي في الصومال لا يمكن أن ينجح بمعزل عن الجميع».
وبحسب علي، فإن عدم التوافق بين الفاعلين الصومالين قد يؤدي إلى تعطيل مسارالإصلاحات وتأجيل الاستحقاقات الانتخابية.
ودعا الخبير الحكومة الفيدرالية إلى تبني استراتيجية تواصلية وسياسية تضمن إشراك جميع الفاعلين، مع توفير ضمانات سياسية وقانونية تقنع الأطراف المقاطعة بالانخراط في العملية الوطنية، لضمان استدامة الإصلاحات وتحقيق وحدة وطنية حقيقية.